Menu

لماذا تدعم إسرائيل تسليح دول الخليج؟

أرشيف

بوابة الهدف_ وكالات:

مع غياب الإعلان عن اتفاقية أمنية أو اتفاقية دفاع صاروخي مشترك، فمن المرجح أن تسفر قمة كامب ديفيد بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي الست عن ذات النتائح التقليدية السابقة: سلسلة من عمليات نقل الأسلحة السريع من واشنطن إلى الدول العربية الغنية بالنفط، وبيان مشترك يسلط الضوء على الالتزام الأمريكي المتجدد بأمن الخليج.

في الماضي، شكلت عمليات نقل الأسلحة مصدر قلق كبير للكونجرس الأمريكي وللحكومة الإسرائيلية، خوفاً من أن تفقد تفوقها العسكري على جيرانها العرب، ولكن يبدو أن الأمور هذه المرة أصبحت مختلفة.

وفقاً لمسؤول في لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية "أيباك"- وهي أقوى جماعة ضغط "لوبي" مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة – فإن المجموعة لا تحاول الضغط على الكونجرس لوقف صفقات الأسلحة مع دول الخليج، كما امتنعت الحكومة الإسرائيلية أيضاً عن وضع وزنها في هذا الوضوع، وفقاً لما أفاد به مسؤولون من الكونجرس الأمريكي، والذين يحتفظون باتصالات روتينية مع الإسرائيليين.

"لقد صمتت إسرائيل بشكل تام" قال مصدر مطلع في الكونجرس الأمريكي، وأضاف "أيباك كانت تطرح الكثير من الأسئلة، ولكن لا يمكن وصف هذا الفعل على أنه نوع من ممارسة الضغط".

أحد الأسباب الكامنة خلف هذه السياسة وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية ومصادر داخل الكونجرس، هو أن إدارة أوباما تقيّم بعناية نوعية الأسلحة التي تمد بها حلفائها في الخليج لردع التهديد الإيراني، بحيث لا تخل بالتفوق النوعي العسكري الإسرائيلي، وهذا النوع من الحسابات يجب أن تأخذه السلطة التنفيذية بعين الاعتبار بموجب نصوص القانون عند منحها لتراخيص نقل الأسلحة إلى حكومات الشرق الأوسط.

والسبب الآخر الكامن خلف الاسترخاء الإسرائيلي، هو تقارب وجهات النظر الذي تم اكتشافه حديثاً مع الدول العربية، حيث تتشاطر الأخيرة القلق مع إسرائيل إزاء صعود الهيمنة الإيرانية في المنطقة، "لم يبدِ الإسرائيليون اهتماماً يذكر بالصفقات التي تحدث هذا الأسبوع، لأنه يوجد شعور داخل إسرائيل بأن لديهم الآن حليف غير معلن في دول مجلس التعاون الخليجي ضد إيران"، قال ديفيد أوتاواي، وهو خبير في الشؤون الخليجية في مركز ويلسون.

ولكن إرضاء جميع الأطراف على قدم المساواة هو أمر يصعب القيام به عملياً، فمن المتوقع أن يتم رفض تزويد دول الخليج ببعض أنظمة الأسلحة التي وضعتها في قمة لائحة رغباتها نظراً لاعتبارات التفوق العسكري الإسرائيلي النوعي، بما في ذلك طائرة F-35 Lightning II، وهو الجيل الخامس من طائرات الإف 16 المقاتلة والمصممة لتكون شبه غير مرئية لرادار العدو، وقنابل BU-28 الخارقة للتحصينات، والتي قدمتها واشنطن لإسرائيل حصراً، وبدلاً من ذلك، من المرجح أن تقتصر عملية نقل الأسلحة إلى دول الخليج على تسريع عمليات نقل الذخائر التي طال انتظارها، وتزويد هذه الدول بمعدات للرادار.

"الإماراتيون وإلى حد ما السعوديون كانوا يسعون كي تسفر هذه القمة عن اتفاقات أكثر قوة ضمن مجالي الأمن ونقل الأسلحة النوعية، وكان على الجانب الأمريكي إرجاع تلك التوقعات الضخمة إلى حجمها الطبيعي والواقعي" قال مصدر مطلع في الكونجرس.

ليس من المرجح أن يصدر عن القمة التي تجمع كبار المسؤولين من قطر والسعودية والكويت والبحرين وعمان والإمارات بياناً مفصلاً عن قائمة صفقات الأسلحة، ولكن مع ذلك، من المتوقع أن تتم مناقشة السبل التي ستعمل من خلالها الولايات المتحدة على التعجيل بنقل المعدات المطلوبة منذ فترة طويلة والتي من شأنها مساعدة دول الخليج على ردع إيران، كما أنها ستهدف إلى تجديد مخزون الأسلحة التي تم استخدامها في الحملة التي قادتها السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.

من المرجح أن تشمل الأسلحة معدات إلكترونية جديدة لطائرات F-15 و F-16، وترقية لأنظمة الرادار بحيث تصل إلى مسافات أكبر وتستطيع تحديد الأجسام الأصغر، وذخائر للجيوش الخليجية مثل عتاد الهجوم المباشر المشترك الذي يعد أحد الأسلحة الرئيسية للمملكة العربية السعودية في حربها الجوية الأخيرة، علماً أن ترقية معدات الرادار، تهدف على وجه الخصوص، للكشف عن الزوارق الإيرانية الصغيرة أو للكشف عن الطائرات بدون طيار الاستطلاعية أو المسلحة.

تشير المصادر أن أوباما دعا دول مجلس التعاون الخليجي إلى كامب ديفيد في أبريل بهدف تهدئة المخاوف العربية بشأن الاتفاق النووي مع إيران ودول الخمسة زائداً واحداً، وقبيل القمة، ضغطت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على الولايات المتحدة كي توافق على توقيع معاهدة للدفاع المشترك، وهو اقتراح تقول عنه واشنطن بأنه ليس ضمن برنامجها المنظور حالياً.

ففي مقابلة مع قناة الجزيرة يوم الأربعاء، قال نائب مستشار الأمن القومي بن رودس "إن معاهدة الدفاع الرسمية ليست ما نبحث عنه الآن، فلقد استغرق الأمر عقوداً لبناء حلف شمال الأطلسي والحلفاء الآسيويين، ولكننا نستطيع أن نقدم ضمانات واضحة بأننا سنكون موجودين للدفاع عنهم".

كما عزا البعض قرار العاهل السعودي الملك سلمان، بعدم حضور القمة هذا الأسبوع، إلى رفض واشنطن للالتزام بمعاهدة الدفاع.

أما من جانبها، فتسعى واشنطن لتجنب التعهد بضمانات أمنية صارمة في منطقة يشوبها عدم الاستقرار الدائم على الأقل ضمن المدى المنظور، وكبديل عن معاهدة الدفاع المشترك، من المتوقع أن يضغط أوباما من أجل إقامة درع دفاعي إقليمي يهدف إلى الدفاع ضد التهديد الصاروخي الإيراني، وفي حين أن المملكة العربية السعودية تدعم هذا المشروع، بيد أن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة، متشككة منه، كونها ترى أن أسهل طريقة للتراجع عن المعاهدة هو التعهد بمبيع أسلحة إضافية.

إن أي صفقة أسلحة جديدة ستعمل على تسريع الجهد السعودي المستمر والذي يلتمس النمو والتحديث الدائم بمعدات القوات المسلحة السعودية؛ ففي العام الماضي، تجاوزت المملكة السعودية الهند، وأصبحت أول مستورد في العالم للأسلحة والطائرات وغيرها من المعدات العسكرية، ووفقاً لتقرير شركة IHS حول التجارة العالمية السنوية في المعدات الدفاعية، قفزت واردات الرياض 54% بين عامي 2013 و 2014، وتتوقع IHS حدوث زيادة أخرى بنسبة 52% هذا العام، ووفقاً لجان فرانسوا سيزنيك من جامعة جونز هوبكنز، في السنوات الـ20 الماضية، استثمرت المملكة العربية السعودية حوالي 500 مليار دولار في جيشها، وثلاثة أرباع هذه الأموال ذهبت إلى الولايات المتحدة؛ لذا من غير المستغرب أن تكون الرياض هي أحد أهم مصادر الدخل التي تدر أرباحاً طائلة على شركات الأسلحة الأمريكية.

الجدير بالذكر أن الرياض ليست القوة الخليجية الوحيدة التي فتحت محفظتها على مصراعيها، حيث أشار تقرير IHS أن السعودية والإمارات أنفقتا حوالي 8.6 مليار دولار على واردات الدفاع في عام 2014، وهذا المبلغ يفوق ما أنفقته دول أوروبا الغربية مجتمعة في مجال الدفاع، كما تعمل دول الإمارات والكويت والسعودية حالياً على تطوير أنظمة باتريوت للدفاع الصاروخي التي تمتلكها أصلاً، بغية الاستفادة من الجيل الجديد من هذه الصواريخ الذي يدعى PAC-3، فضلاً عن أن الإمارات تسعى حالياً لشراء نظام دفاع صاروخي جوي آخر من شركة لوكهيد مارتن يسمى بنظام ثاد، وتشير بعض المصادر أنه بحلول العام القادم، يمكن أن تعقد قطر صفقة بمبلغ 6.5 مليار دولار لشراء نظام ثاد، ويمكن أن يتبعها شراء منظومة مماثلة من قِبل المملكة العربية السعودية.

على مر السنين، تسبب التدفق الهائل للأسلحة الأمريكية إلى حلفائها في الخليج، بعدد من المناكفات في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالأخص المعركة الساخنة التي حصلت إثر بيع إدارة الرئيس رونالد ريجان أسلحة للمملكة العربية السعودية في عام 1981 بمبلغ 8.5 مليار دولار، وكانت هذه الصفقة تعد حينها أكبر عملية بيع أسلحة خارجية في تاريخ الولايات المتحدة، وهذا الصفقة التي تضمنت نقل طائرات الاستطلاع أواكس إلى الرياض، أدت إلى تواتر وتصاعد حدة الاحتجاجات من قِبل إسرائيل وحلفائها في الكونجرس، وعلى الرغم من أن الرئيس ريغان ألغى في نهاية المطاف صفقة البيع، بيد أنه ندد بالتدخل الإسرائيلي بالسياسة الأميركية بطريقة لم تكن معهودة حينها من خلال تصريحه في مؤتمر صحفي في ذات العام "ليس من شأن الأمم الأخرى أن تتدخل في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية".

يشير أوتاواي، الخبير بالشؤون الخليجية، أن الأمور تغيرت لدرجة كبيرة منذ ذلك الحين، حيث يقول "أغلب صفقات الأسلحة الأميركية المتوجهة نحو الخليج يتم التفاوض فيها مسبقا مع إسرائيل"، وأضاف "إذا لم تعجب الصفقة أيباك، فكن على يقين بألا أحد سيفكر جدياً في تنفيذ هذه الصفقة".

من جانبها، تصر وزارة الخارجية الأمريكية على أنها قادرة على إدارة مصالح واهتمامات جميع الأطراف المعنية، "انخراطنا الوثيق مع دول مجلس التعاون الخليجي لا يتعارض مع التزامنا الثابت بالتفوق النوعي العسكري الإسرائيلي، كما يتضح من التعاون العسكري الوثيق بيننا وبين كل من إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي" قال المتحدث باسم وزارة الخارجية جيف راتكه في تصريح له لصحيفة فورين بوليسي.

 

جون هادسون "باحث ومحلل مختص بشؤون الدبلوماسية والأمن القومي"- لمجلّة "فورين بوليسي"
ترجمة: نون بوست