Menu

عقد المجلس الوطني وسياسة التضليل

اسحق أبو الوليد

        مما لاشك فيه أن أي خطوة سياسية جديدة تريد أن تقدم عليها قيادة اليمين الفلسطيني تجد لها المبررات التي تتلاءم مع الهدف كمادة للتعبئة والتضليل الجماهيري، فهي تستعمل لغة التهويل وإبراز المخاطر التي تهدد " المصلحة الوطنية" كما تفهمها وليس كما هي على أرض الواقع، مثلاً حجتهم للذهاب إلى مؤتمر مدريد كانت ضمان " مقعد في قطار التسوية لإبقاء القضية الفلسطينية في قلب الأحداث"، وأنه " لا يحق لأحد أن يتحدث عن القضية الفلسطينية أو يمثل الشعب الفلسطيني من خارج قيادة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد و" للدفاع عن القرار الفلسطيني المستقل وحمايته".

        العدو الصهيوني وكل أطراف معسكر الأعداء وخاصة حاضنته الامبريالية يعلمون جيداً كيف تفكر هذه القيادة وقلقها الدائم على دورها في التسوية، ويعلمون أيضاً أن أي مفاوضات ومن ثم أي اتفاقيات تتعلق " بالموضوع الفلسطيني" يجب أن يشارك فيها ويوقعها طرف " شرعي" وإلا لن تكون لها " شرعية دولية وقانونية".

على قاعدة هذا الفهم، وفي إطار هذه الاستراتيجية عمل قادة الكيان على تشكيل " لوبي صهيوني" داخل الساحة الفلسطينية ( روابط القرى) كوسيلة ضغط وكي يتم عن طريقها أو من خلالها صهينة السياسة الفلسطينية الرسمية التي ستستشعر خطر المنافسة على " دورها التاريخي".

إن صهينة السياسة الرسمية الفلسطينية ستؤدي إلى تكوين وخلق " لوبي صهيوني" أكبر وأكثر فعالية بل استراتيجي داخل المؤسسة الرسمية العربية التي لم يستطع نظام " كامب ديفيد" أن يحققها رغم كبر وثقل مصر في الساحة العربية وما أحدثه هذا النظام من دمار وكوارث للأمة العربية.

القيادة اليمينية الفلسطينية في تلك الفترة – بداية السبعينيات حتى اندلاع الانتفاضة الأولى – وإن كان لها موقف إعلامي وفي بعض الأحيان عملي ضد عملاء " صغار" إلا أنها أبقت على قنواتها مفتوحة مع من كانوا مرشحين للعب " دور قيادي في الأراضي المحتلة" ضمن ما سُمي " روابط القرى".

رغم ذلك استمرت الاتصالات عن طريق قنوات مختلفة ووساطات متعددة والتي في النهاية تبلورت في ما سُمى اتفاقات المبادئ أو " اتفاقات أوسلو" سيئة الصيت والسمعة التي يمكن وصفها بـ " بروتوكول صهيوني" جديد يشرعن اغتصاب واحتلال فلسطيني رسمياً.

الآن تعاد الكرة من جديد ويطلع علينا السيد أسامة القواسمي المتحدث باسم حركة " فتح" بتصريح يوضح من خلالها الأسباب الملحة لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني، هو يقول كلام صحيح بأن عقد المجلس " ضرورة وطنية ومصلحة استراتيجية" ولكنه عندما يتطرق للسبب المباشر لعقد المجلس الوطني أي " للتصدي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية من خلال خلق قيادة بديلة شبيهة بقيادة روابط القرى التابعة لإسرائيل في سبعينيات القرن الماضي" كما يقول، تسقط عن عوراته السياسية " ورقة التوت".

إن " أي قيادة بديلة" لقيادة منظمة التحرير وسلطة الحكم الذاتي في رام الله ماذا يمكن لها أن تقدم للاحتلال وكيانه أكثر مما تقدمه وقدمته اتفاقات أوسلو والإدارات المنبثقة عنها؟ لمزيد من الوضوح ماذا كان يريد الاحتلال من روابط القرى في تلك الفترة؟ ألم تكن أهدافه الاعتراف بشرعية وجوده على أرض فلسطين، والتنسيق العلني معه في كافة المجالات ومطاردة المقاومين وتوثيق العلاقات التجارية وإجراء انتخابات محلية تحت إشراف الطرفين؟! أي من هذه الأهداف لم يحققها اتفاق أوسلو؟ إن اتفاقات أوسلو ذهبت أبعد بكثير من هذه المطالب حيث تبدو معها " روابط القرى" لعبة أطفال.

كانت قيادة " فتح" تخون تلك " الروابط" على الأقل علنياً، فماذا تقول عن قيادة تمارس ما كانت تمارسه تلك الروابط العميلة التي وأدها الشعب الفلسطيني وأباد قياداتها؟ مثلاً هل التنازل والتخلي عن 80% من أرض الوطن مقبول وشرعي وعمل بطولي إذا وافقت عليه " الشرعية" ومرفوض وغير شرعي وخياني إذا قبل به طرف من خارجها؟ وهل هنالك فرق بين قط أسود يأكل الفئران وآخر أبيض يقوم بنفس الوظيفة؟

لا أعتقد أن هنالك تنافس على القيادة بين قيادية يمينية معتدلة وأخرى أكثر تطرفاً ويمينية، إن التنافس الحقيقي القائم عملياً ونظرياً وسياسياً هو بين قيادة يمينية مفرطة ومفلسة ومرتهنة لأجندات حلفائها، أعداء الأمة، وقوى وطنية ديمقراطية يسارية وإسلامية مناضلة تطمح بأن تكون هي قائد النضال لإنجاز مرحلة التحرير الوطني التي تخلت عنها وخذلتها القيادة اليمينية على مذبح مصالحها الطبقية البرجوازية الضيقة.

إن إدعاء السيد أسامة القواسمي أن " الخطر على القضية من محاولات التصفية يأتي من قيادات روابط جديدة" هو محاولة فاشلة للتضليل لسبب بسيط أن تلك الروابط ذهبت بلا رجعة وأن ما تعجز عن تحقيقه سلطة رام الله بكل إمكانياتها والدعم المقدم لها امبريالياً وصهيونياً ورجعياً عربياً لن تحققه سلطة أخرى أو قيادة رديفة أو بديلة.

لذلك، نعم إن عقد دورة جديدة للمجلس الوطني هي مصلحة وطنية واستراتيجية، ولكن كي تحقق هذا الهدف يجب أولاً ألا يكون عقد المجلس هدف بحد ذاته، أي من أجل تجديد " الشرعيات" المختلفة استعداداً لتقديم خدمات جديدة والوفاء لالتزامات تقدم لهذا الطرف أو ذاك للحفاظ على " السلطة العتيدة" وحمايتها من قيادة الروابط المفترضة.

إن أي دورة للمجلس الوطني كي تكون بمستوى التحديات وتجاري النهوض الجماهيري النضالي والثوري يجب أن تضمن التمثيل الكامل والمشاركة لكل مكونات الشعب السياسية والفكرية والمهنية بكل قطاعاتها في الداخل والخارج، بما يمكّن من إعادة الاعتبار للميثاق القومي الذي شُطبت بنوده الرئيسية أو عُدلت لصالح العدو وأطماعه في فلسطين والوطن العربي، ولابد من إلغاء الاعتراف بشرعية هذا الكيان وتمزيق كافة الاتفاقيات الموقعة مع حكوماته المختلفة حيث هكذا، وفقط هكذا، نفصل الخيط الأسود عن الأبيض، ونحدد بعد ذلك من هو " الروابطي" إن تجرأ على الظهور ومن هو الوطني، أما إذا تمادت هذه القيادة بعقد المجلس بمن حضر هدفه قطع الطريق على النهوض الوطني المقاوم والثوري وليس على " روابط القرى" البائدة التي يفترضها السيد القواسمي، مما يستدعي خطوة ثورية تستجيب لمتطلبات المرحلة من كافة القوى الحريصة على تراب الوطن وأهله.