Menu

أسباب تغييب فلسطين من خطاب ترامب

د.فايز رشيد

غابت القضية الفلسطينية عن خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبذلك يؤكد عدم امتلاكه خطة واضحة لإنجاز عملية التسوية، باستثناء أفكار مبنية على رؤية «إسرائيل» المطلقة للحكم الذاتي. لطالما تحدث الرئيس ترامب عن أنه سيحقق السلام بين الطرفين «الإسرائيلي» والفلسطيني، كما أرسل مندوبيْه غرينبلات وكوشنر في زيارات عدة إلى المنطقة لبحث تفاصيل تحقيق «السلام»! لكن تبين أن العملية السلمية لا تقع ضمن أولويات الرئيس ترامب في هذه المرحلة حيث يواجه ملفي كوريا الشمالية وإيران، فيما يبقى ضمان الأمن «الإسرائيلي» بالمنطقة ركيزة السياسة الخارجية الأمريكية في علاقتها التحالفية الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني. بيد أن الفترة المقبلة لن تخلو بالتأكيد من جولات مكوكية أمريكية بين الحين والآخر لمبعوثي الإدارة الأمريكية بهدف ضمان دوران عجلة حراك جهود استئناف المفاوضات الفلسطينية دونما توقف لتأكيد الحرص الأمريكي على الإمساك بتلابيب ملف التسوية بعيداً عن كل الأطراف الأخرى، وهذا ما حرصت وتحرص عليه واشنطن في العقود الأخيرة.

تحدث ترامب في خطابه عن السيادة، وأنّ «أمريكا أولاً»، وأنّ الولايات المتحدة لا يجب أن تتحمل تكاليف ووزر مهام دولية أكثر من الآخرين. قدّم خطاباً لم يقدمه على الأغلب أي رئيس أمريكي في الأمم المتحدة من قبل. وبالنسبة للموضوع الفلسطيني ورغم أنّ وفده زار الأراضي المحتلة وعدداً من الدول العربية، فإنّه لم يُشر للموضوع الفلسطيني في خطابه مطلقاً. فالقضية لم تسقط سهواً إنما تعمد عدم الإشارة إليها لأنها على ما يبدو دخلت مرحلة مخاض عسير بانتظار ولادتها القيصرية في إطار ما يسمى «صفقة القرن». 

إذا ما ربطنا تغييب قضية فلسطين عن خطاب ترامب بما تحدثت عنه الأنباء مؤخراً عن خريطة طريق أمريكية سيتم تقديمها للجانبين الفلسطيني والصهيوني قريباً تتضح المسألة. الخطة الجديدة تدعو إلى إقامة حكم ذاتي محدود للفلسطينيين، مقابل نسف «حل الدولتين». الخطة تتضمن أيضا تقديم «التسهيلات الاقتصادية» للفلسطينيين في إطار الحل الإقليمي. كما أن الإدارة الذاتية «ستقام ضمن المناطق «A» وبعض مناطق «B» و«C» الواقعة جميعها في أراضي الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القرى والبلدات المحيطة، مثل أبوديس من دون الاقتراب من ذكر القدس المحتلة. الخطة بالطبع تتبنى الحل «الإسرائيلي»، ولا تستند إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق حدود عام 1967، بل إعطاء حكم ذاتي للفلسطينيين خارج القدس المحتلة، وإسقاط حق عودة اللاجئين وفق القرار الدولي 194، كما كل حقوق الشعب الفلسطيني الواردة في قرارات الشرعية الدولية. 

بالطبع، فإن الأفكار الأمريكية تنسف إمكانية الحديث عن «حل الدولتين» بما يشكل تراجعاً في موقف الولايات المتحدة, التي طالما حرصت لفظياً على الأقل على تأكيد عدم شرعية الاستيطان والمطالبة بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة «القابلة للحياة» وفقا للرؤساء كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما، بينما باتت اليوم تتنكر لكل ما تبنته سابقاً. لو قارنا بين خطة الطريق الأمريكية التي كُشف عنها والمقترحات الفعلية للكيان لوجدنا تطابقاً منقطع النظير عنوانه، لا للحقوق الفلسطينية في إقامة الدولة المستقلة، لا للانسحاب من القدس التي ستكون «عاصمة «إسرائيل» الأبدية»، لا للانسحاب حتى حدود عام 1967، لا لسحب التجمعات الاستيطانية من الضفة الغربية. لا لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194، إنما حق الفلسطينيين يتمثل فقط في حكم ذاتي على المناطق الفلسطينية المتبقية من الاستيطان والجدار العازل والطرق الالتفافية والأراضي المصادرة لأسباب أمنية! 

أي حكم ذاتي منزوع السيادة والصلاحيات، باستثناء الإدارية منها، مع إشراف صهيوني على المعابر الحدودية، وعلى الأجواء وما تحت الأرض كما المياه الإقليمية! هذا في ظل استمرار الاستيطان حتى هذه اللحظة ومستقبلاً، مع حق قوات الاحتلال في التواجد داخل مناطق محددة من الأراضي الفلسطينية كالأغوار وقمم الجبال ودخولها كافة المناطق الأخرى حينما يجري تهديد للأمن «الإسرائيلي»، واعتقال من تريده من الفلسطينيين. 

تغييب القضية الفلسطينية عن خطاب ترامب هو في حدّ ذاته محاولة تهميش لها، وتهيئة لتطبيق خطة الطريق الأمريكية الجديدة.