Menu

من خطة رامون الى خطة عنات باركو الهاجس الخطر الديمغرافي

راسم عبيدات

الهبات الشعبية المقدسية المستمرة منذ تشرين أول 2015،أو قبل ذلك من هبة الشهيد الفتى محمد أبو خضير في تموز2014 وحتى اللحظة الراهنة، وتلك الهبات تعلو حيناً وتهبط حيناً آخر دون أن تنطفىء جذوتها، ومن نتائجها المباشرة أنها أسقطت النظرية والمقولة الإسرائيلية بأن القدس "موحدة" وعاصمة لدولة الإحتلال، وعلى ضوء ذلك يتعالى الجدل والنقاش في إسرائيل وتطرح الخطط والمبادرات الرسمية وغير الرسمية، بضرورة الإنفصال عن فلسطينيي القدس الشرقية، ضمن مخططات تهدف الى ضمان أغلبية يهودية كبيرة في القدس، وبما لا يشكل أي خطر على "يهودية" المدينة التي يعتبرها مجمل قادة اسرائيل بمختلف تلاوينهم ومركباتهم الحزبية عاصمة لدولتهم، حيث أن دولة الإحتلال وكل أجهزتها الأمنية والعسكرية ومستوياتها السياسية والقضائية، جربوا كل أشكال القمع والعقوبات بحق المقدسيين من هدم لبيوت الشهداء والأسرى وسحب اقامات عائلاتهم وأقاربهم، ورفع قضايا مدنية على ورثتهم من قبل دولة الإحتلال تطالبهم بملايين الشواقل كتعويضات عن جنودها ومستوطنيها الذين قتلوا في عمليات نفذها مقاومون فلسطينيون الى الإعتقالات الإدارية والإبعادات عن القدس والأقصى، والضرائب بأشكالها وتسمياتها المختلفة ، واصدار وإقرار وإتخاذ عشرات القوانين والتشريعات والقرارات والاجراءات العنصرية وترافق ذلك مع "توحش" و"تغول " الإستيطان والإستيلاء على بيوت وعقارات المقدسيين، وكل ذلك يندرج في إطار سياسة العقوبات الجماعية والتطهير العرقي، الرامية لكسر إرادة المقدسيين ووأد هباتهم الشعبية المستمرة والمتواصلة.

ولكن في كل مرة يكون الفشل من نصيب تلك السياسات القائمة على إقصاء الاخر وعدم الإعتراف بوجوده وحقوقه.

هذا الوضع دفع صناع القرار الإسرائيليين في ظل أفق سياسي مسدود الى البحث عن مخرج يمكن دولة الإحتلال من الإنفصال عن الفلسطينيين المقدسيين دون ترتيبات معهم وبمعزل عن قيادتهم، وهاجس الخطر الديمغرافي في كل الخطط المطروحة، خطة رامون، خطة هرتسوغ وخطة باركو، هو المحرك الأساس والعامل الرئيسي لطرحها، وهم يخشون أن يشكل هذا العامل في المدى المتوسط، خطراً على "الأغلبية اليهودية " في القدس، وقد يدفع هذا العامل الى تحول المدينة، التي تراهن اسرائيل على ان تكون عاصمتها الأبدية، مدينة ثنائية القومية، أو ذات أغلبية عربية، حيث أن الدراسات تشير الى أن نسبة اليهود في القدس في عام 2025 ستصبح 60%، وستنخفض في عام 2030 الى 58%.

نتنياهو بعد عمليتي الشهداء بهاء عليان والأسير بلال غانم وعلاء أبو جمل اللتين وقعتا في تشرين أول 2015 ، حاول البدء بمشروع الفصل من خلال إقامة جدران فصل عنصري بين قرى جبل المكبر والعيسوية وصورباهر والمستوطنات المحيطة بها، ولكن قوى اليمين المتطرف، كما هو الحال في أي خطة تطرح للفصل، تعتبر ذلك تقسيماً وتنازلاً عن القدس، ولذلك تراجع عن خطته.

ومع تطور وتصاعد الإنتفاضة زاد النقاش وارتفعت وتيرته في الحكومة وعند الأحزاب الإسرائيلية ومراكز الدراسات والأبحاث الإستراتيجية بأنه لا مناص من الإنفصال واخراج أغلبية سكان القدس العرب عن ما يسمى بحدود بلديتها.

ولذلك جاءت خطة "إنقاذ القدس اليهودية" التي وقف خلفها الوزير السابق رامون، والعديد من أعضاء الكنيست والقيادات العسكرية والأمنية السابقين أمثال مائير شطريت وعامي أيلون وأريه عميت وغيرهم، وتلك الخطة تهدف إلى فصل 28 قرية وبلدة فلسطينية مقدسية، من خلال بناء جدار يمنع تواصل هذه البلدات مع مدينة القدس،مما يعني إخراج حوالي 200 ألف فلسطيني عن حدود ما يسمى ببلدية القدس، وضمهم الى الضفة الغربية، والتعامل معهم كما تتعامل اسرائيل اليوم مع مناطق "بي وسي"، ومما تجدر الإشارة إليه ان حزب "العمل" الإسرائيلي في اجتماعه العام في تشرين أاول 2016، صادق على "خطة الإنفصال" التي اعلن عنها زعيمه حينذاك اسحاق هيرتسوغ.

الحكومة والأحزاب الإسرائيلية ومراكز البحث الإستراتيجي الإسرائيلية، تجري بشكل مستمر دراسات وتتخذ قراراتها إستناداً لما يجري من تغيرات وتطورات في المنطقة، ولذلك رأت بعد هبة باب الإسباط في تموز الماضي، وما حققه المقدسيون من إنجاز وإنتصار، بأن الكتلة البشرية الكبيرة والواسعة، لعبت دوراً كبيراً في تحقيق هذا الإنتصار، ولذلك فإن هذه الكتلة البشرية، من شأنها أن تشكل خطراً كبيراً على الأغلبية اليهودية في هذه المدينة، في ظل الدراسات التي تشير الى تراجع اعداد اليهود في المدينة ونسبتهم لصالح الوجود العربي، وكذلك التطورات والمتغيرات في المنطقة، قد تقود الى تسوية سياسية يفرضها الرئيس الأمريكي ترامب، تحت مسمى "صفقة القرن"، ولذلك تسابق اسرائيل الزمن، حتى لا تفرض عليها وقائع لا تريدها في مدينة القدس، ومن هنا كانت خطة عضوة الكنيست الليكودي عنات باركو، والتي تقوم على حشر المقدسيين في معازل وجدران وجيتوهات مغلقة، تتحكم هي في مداخلها ومخارجها، بحيث تكون تلك المعازل خارج حدود ما يسمى ببلدية القدس، وتسلم للسلطة مدنياً وتبقى تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية ، مناطق (بي)، ولاحقاً تصبح منطقة "ألف" تحت السيادة الفلسطينية الكاملة، وهذه المناطق تشكل ما نسبته (95)% من مجموع سكان مدينة القدس العرب، أما المتبقي منهم ال (5)% ، ضمن ما يسمى بالحوض المقدس، فسيتم حفر أنفاق وطرق مغطاه وطرق التفافية، تمنع الإحتكاك بينهم وبين المستوطنين اليهود، أفظع أنواع الأبارتهيد والفصل العنصري .

ورغم ذلك فإن جدالاً قوياً يدور في صفوف اليمين الإسرائيلي حول ذلك وحتى اللحظة يعارض هذا اليمين وفي مقدمته نتنياهو أي خطوة توحي بالتنازل عن أي جزء من القدس.

هذه المبادرات والخطط لا تاتي في سياق عملية سياسية تفاوضية مع الفلسطينيين واعترافاً بحقهم في دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس، فهؤلاء المتطرفين في حكومة الإحتلال لا يريدون مصالحة تاريخية أو إقتسام الأرض مع الفلسطينيين الذين طردوهم وهجروهم من أرضهم، بل ما يريدونه هو أمن دولتهم ويهوديتها، وتنفيذ سياسة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين وبالتحديد فلسطينيي القدس، وإدامة امد الإحتلال ضمن مشروع ما يسمى بالسلام الإقتصادي، مقايضة الحقوق الوطنية الفلسطينية بتحسين شروط وظروف حياة شعبنا الإقتصادية بتمويل عربي ودولي تحت الإحتلال.

خطط ومبادرات لا تعترف بحقوق شعبنا الفلسطيني، ولا تلامس الحد الأدنى منها، دولة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران1967، لن تخمد الصراع أو تطفىء جذوته، وسيبقى قائماً ومستمراً ما دامت عوامل إستدامته قائمة، الإحتلال بكافة تمظهراته العسكرية والإقتصادية والأمنية.