Menu

عبد العال: مشروع إعادة إعمار مخيّم نهر البارد ليست مسألة عادية بل استثنائية

عبد العال

بيروت _ بوابة الهدف

قال مسؤول المتابعة العليا لإعادة إعمار مخيم نهر البارد مروان عبد العال، خلال كلمة له ألقيت في ورشة الحوار، التي دعت إليها ادارة الأونروا بحضور مؤسسات دولية ورسمية ودبلوماسية وهيئات فنية ومجتمعية فلسطينية في بيروت اليوم الأربعاء، أن "مشروع إعادة إعمار مخيّم نهر البارد ليست مسألة عادية بل مسألة استثنائية لذلك لم يكُن سهلاً! لأن ما حدث قبل عشر سنوات ليس أمراً عادياً أو سهلاً أو كارثة طبيعية، وإن النظرة السطحية والأحادية للأمور هي مصدر الهشاشة في عوامل الثقة، وبالقلق المستمر من النكبات المكررة أو قل الضحية المكررة، وإن الجرح يظل مفتوحاً حيثما طال أمد المعاناة تصبح "النكبة المستدامة" ويتحول اللجوء إلى ضياع".

وتحدث عبد العالم عن تداخل مركّب لمستويات متعددة، واكتفى بتقسيمها على مستوى المبدأ والوضع الحالي.

1- في المبادئ الاستراتيجية للإعمار:

ان أعظم خسارة يصعب بل يستحيل تعويضها هي الانسان، يقال ان الانسان أثمن رأسمال.. هو روح المكان الذي نحن بصدده وفيه كانت الكلفة غالية من شهداء الجيش والمخيّم ودمار لجنى العمر تدمير مخيم وبتعرض المكان للخراب بل أيضاً بحدوث تشرد جماعي، وتمزق الشبكات والعلاقات الاجتماعية، فقدان الخدمات الأساسية. وفقدان سُبل العيش أو الوظيفة أو الأصول أو الأمكنة، وجميعها تمثل العناصر الأساسية التي لها تأثير على التمتع بالحق في السكن اللائق والحياة الكريمة.

یذكر المشروع الصادر عن المؤتمر– فيينا- في مقدمته صفحة 15 ما حرفیته: ان المسؤولية الكبیرة في عملية اعادة اعمار مخیم هو البارد القدیم تتحملها الأونروا بینما تتحمل الدولة اللبنانية مسؤولية النشاطات الداعمة بالتشارك مع م. ت. ف. ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، وحدد مؤتمر فينا، الوقت والكلفة والغاية: اعادة اعمار ما تهدم واعادة اسكان الاهالي بمنازل ملائمة وثانياً تمكين السكان من العودة الى حياتهم الطبيعية قبل الحرب من خلال مجموعة من البرامج الاجتماعية والاقتصادية وحدد وقت التنفيذ بمدة أقصاها ثلاث سنوات من تاريخه (منتصف 2011 بالتحديد في ايار 2011) وبتكلفة قدرها 277 مليون دولار اميركي. الربط بين الالتزامات السياسية والخطوات الملموسة وبين قيمة الانجازات في (الهياكل المادية) مع البعد المعنوي. بالنظر الى إعادة الإعمار "على أنها فرصة لتعزيز عملية التنمية المحلية" بناء المخيم وتطوير المجتمع، بما لا يسمح بالقفز عن دلالة المخيّم ووجوده المؤقت وعدم الفصل التعسفي بين المبنى والمعنى.

أي إن قرار إعادة إعمار مخيّم نهر البارد هو قرار سياسي بامتياز، والتزام أخلاقي وانساني، محلي ودولي ومسؤولية الجهات المعنية كافة. لأننا ننظر ان قضية إعادة الإعمار والتعويض للمحيط عن الأضرار وإعادة الوئام الاجتماعي والحياة المدنية والثقافية والاقتصادية هي تعبير عن روح المصداقية السياسية الموجبة لتطوير العلاقات الأخوية، خلق بيئة ايجابية تساهم في صيانة مبدأ العدالة وحفظ الكرامة والسيادة وصيانة السلم الأهلي والالتزام المبدئي بقضية اللاجئين والتمسّك بتحقيق حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى دياره.

 2- في  تقييم استراتيجية الإعمار:

يتضح في مراجعة الأسباب التي أدت الى التأخير والذي سيصل الى ما يقارب العشر سنوات أن لتحديد المسؤولية الملقاة على عاتق كل جهة من الجهات المشاركة في الاعمار حسب مؤتمر فيينا لما لهذا من أهمية في فهم حدود مسؤولية كل طرف:

أزمة مخيّم نهر البارد قد بدأت في شهر أيار من العام 2007، وإن كان لها مقدمات قد بدأت قبل ذلك، كما أنه من المؤكد أن عملية الإعمار لم تبدأ فور انتهاء مؤتمر فيينا في العام 2008، فعملية الإعمار بدأت في نيسان من العام 2009، أي بعد سنتين من تدمير المخيم، وقد باشرت الشركة العمل في حزيران من العام 2009، وكان قد ترافق ذلك مع بداية الدخول إلى المخيم الجديد.

صحيح أنه خلال السنوات العشر تمّ تجاوز الكثير من العقبات السياسية والقانونية والإدارية وحتى المالية التي شرعت بالإعمار، وتصدّت لعقبات استجدت، منها عقبة الآثار والطعن القانوني لتأخير الإعمار أو محاولة إعاقته، وإدخال العملية في نطاق التجاذبات الداخلية اللبنانية. كلها أرخت بذيولها على عملية التأخير حتى اللحظة. ولكن ثمّة عقبات تبرز كتحديات جديدة:

التمويل: انخفاض ملحوظ مؤخراً في مستوى التمويل ان اجمالي المبلغ المدفوع حتى الآن يسمح بإعمار (69%) من إجمالي المخيّم القديم. وان هناك 1577 وحدة لا يوجد لها تمويل حتى الآن رغم ايعاز أسباب الانخفاض الى تبدل الأولويات وخاصة دخول الأزمة السورية وأزمات المنطقة الأخرى على خط أزمة البارد مما كان له نتائج سلبية جداً على تمويل هذا المشروع نتيجة انشغال الممولين بتأمين احتياجات اللاجئين.

لوجستياً: صدر مرسوم الاستملاك في نيسان 2007 ثم وقع المخطط التوجيهي في أيار 2009، نيسان 2009 ظهرت مشكلة الآثار وفي تشرين الثاني 2009 وضعت المنطقة في عهدة الأونروا ومع انتهاء أعمال الطمر فرشت المنطقة بأول طبقة من الأسمنت تمهيداً لصب الأساسات وتدعيمها والعقبات الناتجة عن مستلزمات حماية الآثار.

فنياً: عندما يقال أن من الأسباب التي أدت الى التأخير في الرزمتين الرابعة والخامسة (الاستئناف)، وهنا نقول هل كانت هذه الاسباب موجودة في الرزم السابقة؟ ثم هل انجزت الهيئة الاهلية التحكيم والتصميم للرزم المتبقية وهل ايقاف العمل بوثيقة التفاهم وتجميد الهيئة الأهلية سيكون مساهماً في التسريع؟! الأخطر من التأخير هو العجز عن استيعاب تبعاته القاسية، لذلك لا نستطيع تبرير التأخير وأيضا لا نقبل التأخير، مع ذلك علينا دفع ثمن التأخير وتداعياته على أهل مخيم نهر البارد، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر التالي:

- ان من أهم تداعيات التأخير لا بل أهمها على الاطلاق يكمن في التأثير على انتعاش وتواصل المخيم في محيطه لما لهذا من تأثيرات اجتماعية واقتصادية على أهل المخيم، اضافة الى الضغط النفسي والاقتصادي وما له من تداعيات على الحالة الاجتماعية والصحية، التحدي القادم في ظل التبدل بالسوق التجاري والتنافس والمستجدات الجديدة بعد الحرب هو القدرة على استعادة الذات والمكانة الاقتصادية خاصة وهو مجتمع كفوء وقادر، لكن لنساعده ونمد يد العون له فهذا مرتبط بإنجاز الإعمار عاجلاً وكاملاً.

- تضاعف تكاليف الاعمار وهذا يشمل: تكاليف الموارد البشرية، تكاليف المصاريف الادارية واللوجستية، وعدم الايفاء بدفع بدلات الايجار للذين لم يتسلموا بيوتهم بعد، بل وتحميل كلفة التأخير على المتضررين أنفسهم، وما لها من انعكاسات سلبية جداً على تأمين التمويل الكافي لتغطية نفقات الداعمة للإعمار واستيعاب حالة الغضب والتوتر الاجتماعي نتيجة الاحساس بالظلم والقهر واختلال العدالة كلها مولدات عدم الثقة ومنها اخيراً قامت الأونروا منذ بداية شهر أيلول من العام 2013 بتقليص الخدمات المقدّمة لأهالي مخيّم نهر البارد، سواء لجهة الخدمات الطبية أو دفع بدل الإيجار (إيواء) للعائلات البالغ عددهم حوالي 1200 عائلة، وهم بتناقص كلّما تمّ تسليم بيوت إضافية جديدة. ولا زالت الأونروا ترفض إجراء مقاربات لمساعدة العائلات لدفع بدل الإيجار، رغم كل النداءات والطلبات.

كما قامت بوقف بدل الإغاثة والطبابة والعمل ببرنامج الطوارئ، فلو ان الاعمار تم في مواعيده لما كان هناك من حاجة لا للإيجارات ولا اعاشات ولا تغطية طبية شاملة ولكان عاد مخيم نهر البارد الى سابق عهده من كل النواحي وفي مقدمتها الناحية الاقتصادية. 

3- في الرؤية الاستراتيجية القادمة:

الرؤية الاستراتيجية التي نقترحها عبر أليات محددة لتسريع ودفع لعملية لإعمار نرى انها الخيار الامثل للخروج من هذا المأزق يتلخص باعتماد التالي:

أولا: الالتزام: تجديد الالتزام وفقاً لمرجعية مؤتمر فيينا – تقرير فيينا (الاعمار الكامل – بدل الاثاث – المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والتعويض، علماً ان المخيم يتنفس برئتين جديد وقديم ككتلة اجتماعية واحدة وكأساس وحيد لأي تقييم مستقبلي للمشروع)، ليس ترابط بالبنى التحتية فقط والشوارع والأرصفة بل هو ترابط بالعائلة الواحدة والمرافق المشتركة والخدمات وعلى سبيل المثال، المخيم الجديد لا زال هناك 2713 وحدة لم تخضع لآلية تعويض كلفة الترميم وإعادة التأهيل لأصحابها، ويضاف لهم تعويض كلفة إعادة الإعمار والتأهيل لأصحاب المباني المهدمة كلياً. وأضف على ذلك تسوية وضع المباني المشادة على المشاع النهري وأجزاء منه جرّاء النمو السكاني الطبيعي وأسباب أخرى أدّت إلى ذلك ولا يمكن الإغفال عن واقع تعدد آليات إعادة التأهيل على (المناطق) والسكان في المخيم الجديد.

ثانياً: أن تبادر الأونروا وعملا ًبقاعدة "توازن العدالة" حتى لو كان تحت ذريعة نقص التمويل أن يجبرنا أو يضغط علينا أحد للقبول بإعمار منقوص وبأي شكل كان هذا الاعمار كما أقر في وثيقة فيينا - إعمار كامل – على المفتاح أسوة بباقي الرزم المنجزة - بدلات الأثاث، ونضيف على ذلك بدلات الايجار التي هي حق لكل من لم يعاد بناء منزله حتى الآن.

ثالثاً: ولتأمين التواصل الاجتماعي تقوم الأونروا بتفعيل الهيئة الاهلية للإعمار وإعادة العمل بوثيقة التفاهم بعد مراجعتها بشكل مسؤول بما يحقق وظيفتها بالعمل على أساس مهني وفني لتعزيز التواصل وروح الشراكة، أن لا تكون هذه الجلسة الأخيرة بل تتحول الورشة إلى خلية أزمة تعقد جلسات دورية لتقييم مسيرة العمل بالتنسيق الكامل مع ادارة الأونروا – لجنة الملف الفلسطيني – لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني.

رابعاً: نوصي بتحديد سقف زمني ملزم لإتمام عملية الاعمار، وبطريقة تؤمن العدالة في توزيع الموارد على أساس قانون الندرة وليس الهدر، بما يعني استثمار مثالي للموارد وليس على حساب مواصفات المشروع  وتأخذ بعين الاعتبار الالتزام  بالشروط المتفق عليها، بل في توفير الوقت والسرعة في التنفيذ، والموافقة الفنية والمجتمعية والمشاركة في تجاوز العقبات اللوجستية المتبقية، شرط أن لا يكون التوفير على حساب أهل المخيم، وهذا شرطنا لأي سيناريو يتم اعتماده، ان يترافق في وضع آلية للمتابعة والمراقبة والاشراف على تنفيذ الاستراتيجية الأمثل لاستخدام الموارد.

خامساً: عملية الاعمار لا تتقدم دون سياسة مشتركة مسؤولة ورسمية لبنانية وفلسطينية ودولية لتأمين التمويل اللازم والمتبقي، مهمة ادارة الأونروا ان تعلن خطتها لتنفيذ استراتيجية واضحة وفعالة لتأمين الاموال اللازمة لاستكمال اعادة الاعمار. تحديد الجهات المانحة المهتمة بتمويل المشروع ثم تنفيذ استراتيجية منسقة لإقناع الجهات المانحة التي تم تحديدها لتوفير تمويل اضافي.

سادساً: أن يطلق المجتمع المحلي والقوى السياسية والشعبية واهلية وشبابية مبادرة ايجابية تطوعية داعمة لعملية الاعمار، وبروح المسؤولية الشجاعة بمنح فرصة مطلوبة في تسهيل كل ما يسرع في العمل ورفض كل ما يعيق أو يؤخر في العمل، لأن الوقت من دم والزمن من قهر وصبر.

مخيّم نهر البارد، يمتلك الميزة الاجتماعية والوطنية والاقتصادية والثقافية والقيم والرمزية والحلم، فهو الخزين الحامل للذاكرة الدافئة والانتماء الأصيل. عمره ثلاثة أجيال من التغريبة الفلسطينية و70 سنة من النكبة و10 سنوات مليئة بالمعاناة ولكن بكبرياء، بالألم ولكن بكرامة، بالصبر ولكن بتحدي، بالإرادة الجماعية وصلنا الى هنا والثقة بالمستقبل سنكمل البناء حتى أخر حجر.. وعدنا اننا سنكون دائماً حيث يملي علينا ضميرنا ونعمل وفق واجبنا. ما نسعى له قضية عامة ومصلحة جامعة، نكسب في هذا السباق الصعب والمرير، شرط أن لا نهدر الوقت أو نكتفي بالإنصات الى صراخ المتفرجين خارج الميدان حتماً بذلك لن نصل الى هدفنا. نريد حياة كريمة في "المسكن اللائق"! وان نفعت الذكرى نذّكر أننا سنظل على طريق العودة الحتمية إلى "الوطن اللائق" وطن الاجداد الذي لا بديل عنه وله.