Menu

في وداع حسين شاهين

حسين شاهين

محمود فنون

في جنازته  أمس سار آلاف من البشر هم في غالبيتهم اهالي مخيم الدهيشة ومن تربوا فيه ولكن كان معهم عشرات آخرين أتوا مع غيرهم تعبيراً عن مشاركتهم في تشييع الفقيد الكبير.

لماذا كل هذا؟

أولاً: لآن الدهيشة تعتز بأبناء المخيم البارزين  والمناضلين

ثانياً: لأن حسين قدم خدمات جليلة في المخيم

وثالثاً: هو ما يطول شرحه:

ولد الفقيد في النكبة  ترعرع في مخيم اللجوء . كان اللجوء لا زال طريا وكان تراب الأرض السليبة لا زال على اقدام الأمهات والآباء  ولا زالوا يشمون رائحة الأرض . أرض المفتلح وأرض المرعى وأرض الكروم. ولا زالوا يشتهون دلق الماء على أنفسهم في حر الصيف من آبار وعيون البلاد المسبية, لا زالوا يسمعون ثغاء ماعزهم وخوار أبقارهم. لا زالوا يحلمون أنهم في مساكنهم التي طردوا منها. وأنهم لا زالوا يقطفون العنب ويصطادون العصافير ويطربون على الناي والشبابة ويتمايلون في السامر...

في النكبة هذه برزت ارهاصات الرفض الفلسطيني والعربي.. ظهرت أنشطة الرفض التي تعبر عن الرغبة الأكيدة في تحرير الوطن السليب الذي اعتصبته بريطانيا بموافقة دولية وأقامت عليه دولة إسرائيل.

القوى الأبرز التي حملت اللواء هي حزب البعث العربي الاشتراكي وبعده حركة القوميين العرب والحزب القومي السوري الاجتماعي.. وكانت حركة فدائيي مصطفى حافظ وفيض كبير من محاولات التسلل إلى الأراضي المحتلة وممارسة بعض أشكال المقاومة أو لدوافع المعيشة...

 

حركات ضد توطين اللاجئين وضد التسويات المذلة ...

انقلابات عسكرية متلاحقة في البلدان العربية على خلفية النقد الذاتي لهزيمة 1948م ومنها  الانقلابات في سوريا وثورة الضباط الأحرار في مصر. وتلاها انقلابات كثيرة ..

الحراك الواسع في الأردن حيث قتل الملك عبدالله  وتشكيل حكومة النابلسي .. والانقلاب الرجعي عليها..

هذه مناخات فترة الخمسينات ولها انعكاساتها العميقة على التربية ونشوء الأجيال وهذه المناخات كانت أكثر تكثيفاً في المخيم وكانت الخبز اليومي للناس الناطرين لعودتهم.

كان حسين يتربى في هذه المناخات.

ثم كبر وأصبح طالباً في الكلية الأكاديمية ولكنه كذلك دخل الكلية السياسية في حركة القوميين العرب التي أعدته ثقافياً وسياسياً وأنضجت الإعداد الذي تلقاه في تربية وتربة المخيم.

ثم اعتقل حسين ليستكمل بنائه السياسي والثقافي والأيديولوجي في السجون وتتم عملية صقل عميقة ونوعية تمخض عنها تشكل شخصيته كقائد سياسي وجماهيري بعد تحرره.

هنا انتقل حسين إلى مرحلة العطاء وأصبح رمزاً.

أصبح رمزا متمسكاً بالموقف الوطني الفلسطيني ومدافعاً عن في وجه التنازلات والتبديد.

أصبح من أكبر رموز المخيم هو والرفيق صلاح أبو شيخة وأصبح الشباب ينظرون لهم كقدوة في الشخصية والمسلك والثقافة والموقف الوطني. دون أي تنازلات عن الموقف من تحرير فلسطين.

أصبحت شخصياتهما بحد ذاتها استقطابية كما أصبحتا منارة للوطنية. وصار كل منهما يبث ويعزز الروح الوطنية والثقافية.

منذ بداية سبعينات القرن الماضي انتقل المخيم من حالة التمسك الوطني ب فلسطين والاعتزاز بالأمة العربية والخروج في المظاهرات والمساهمة في رفض التوطين وفي اشاعة مناخات النضال ضد الحكم الأردني، انتقل إلى التنظيم والفعل المباشر الواعي والهادف من خلال تجذر رموز وطنية من الشعبية وفتح ومن الحزب الشيوعي الذي أصبح اسمه الحزب الشيوعي الفلسطيني لاحقاً بعد أن كان اسمه الحزب الشيوعي الأردني.

إذن بدأت الحالة الوطنية تسجل مرحلة نهوض وانتعاش..

كان حسين شاهين أحد رموزها وعناوينها.

وكان هو وصحبه في المخيم قد برزوا كزعماء نافذين في أعين الجماهير وأصبح مركز شباب الدهيشة بقيادتهم مركزاً وعنواناً وطنياً  وأثّر في مراكز الشباب في المخيمات الأخرى وساهم في استنهاض وإنضاج الحراك الشعبي على مستوى الوطن وكان جزءا منه. ساهم في إنضاج الشباب ودفعهم للانخراط في العمل السياسي والنقابي والجماهيري: أي في العمل المنظم.

وكانت الجبهة الشعبية التي ينتمي لها الرفيق حسين في مرحلة نهوض وتوسع  وكان أن استُكملت مهام العمل الجماهيري والشعبي في المخيم بأن استقطبت إلى صفوفها العشرات والمئات من الشباب والشابات وظل حسين شاهين أبو عماد في نظر الجميع من الرموز الوطنية البارزة.

إذن فالإنسان هو موقف ودور وقضية وهذا مثله الرفيق حسين أبو عماد كما يليق بشخصية وطنية فلسطينية بارزة.

وحينما ظهرت مناخات رجراجة ومتموجة تسلم بالجزء الأكبر من فلسطين للصهيونية تحت شعارات "السلطة الفلسطينية " والدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع "ودولتين لشعبين" والتي تمخضت كلها عن الحكم الذاتي المحدود والمتناقص كما أظهرته اتفاقات اوسلو. في كل هذه المناخات وما فيها من استخذاء المثقفين والسياسيين ظل حسين شاهين يرفع شعار "فلسطين  من البحر إلى النهر دون" انتقاص ويتمسك بعودة اللاجئين إلى بلداتهم أحراراً، وان تكون فلسطين خالصة لأهلها الفلسطينيين العرب.

أنها فلسطين وإنهم ابنائها الأحرار.. دافعوا عنها جل طاقتهم.. وإن كانت الحياة قد خذلتهم فإنهم لم يهزموا ولم يستدخلوا الهزيمة إلى قلوبهم. هم حملوا الجذوة للأجيال اللاحقة.

أما مخيم الدهيشة فهو ولاّد للوطنيين والتحرريين رغم كل أشكال المحاصرة.