Menu

حل السلطة بين الممكن والمستحيل

حاتم الخطيب

كثر التصريح والتلميح والتهديد في الآونة الأخيرة عن حل السلطة الوطنية الفلسطينية كأحد الخيارات الأخيرة والنتيجة التلقائية لفشل المفاوضات التي امتدت لعشرين عام وللحقيقة التاريخية إن شعار حل السلطة طرح لأول مرة بعد عملية السور الواقي التي نفذها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية واحتل على أثرها أراضي السلطة الوطنية وارتكب مجزرة مخيم جنين الأسطورة وفرض الحصار الشامل على الرئيس الشهيد ياسر عرفات بالمقاطعة في رام الله حتى استشهاده وكان جوهر الطرح إن اتفاقية أوسلو فشلت في تحقيق أهدافها وطمرت بنودها تحت جنازير الدبابات الصهيونية ولطخت أوراقها بدماء الشهداء الأبرار وعليه يجب حل السلطة والعودة لمنظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها التحرري المقاوم وتحميل الاحتلال الإسرائيلي مسئولية وتبعات احتلاله للأراضي الفلسطينية ووضع استراتجيات جديدة للمقاومة والتحرير كشكل الانتفاضة والعصيان وكافة أساليب النضال الفعالة والمفارقة العجيبة إن الداهية الصهيوني " شمعون بيرس " تصدى بالرفض والاستهجان لشعار حل السلطة آنذاك ووصف المقترح بالجنون والعبث وصرح بأن إسرائيل ترفض بالمطلق حل السلطة وللمناسبة قد رفضه الشهيد أبو عمار مع قناعاته بجدواه وأهميته ولكنه حتى استشهاده ظل متمسكاً بأمل المفاوضات وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس ،

وبعد ذلك أعيد طرح حل السلطة الوطنية من قبل بعض السياسيين والأكاديميين في مناسبات مختلفة ولغايات مختلفة حتى الفشل الأخير والذريع للمفاوضات واقتناع الرئيس " محمود عباس " بعدم جدية وجدوى المفاوضات مع إسرائيل التي تبتلع أرضي الضفة وتهود القدس وترتكب الجرائم والعدوان وتغير الجغرافيا بأقصى سرعة في ظل المماطلة والتسويف ولقد فكر الرئيس ومساعديه في حل السلطة الوطنية ولوح بهذا الشعار من باب التكتيك والضغط على الإدارة الأميركية ومن زاوية الإستراتيجية الفلسطينية بعيدة المدى مع إدراكه العميق لصعوبة الحل والشروط الموضوعية والذاتية التي يجب توفرها لنضج التنفيذ وأولها إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وإيجاد البدائل العملية والشعبية لسد الفراغ الذي ينجم عن حل السلطة ومواجهة المشكلات الكثيرة المترتبة عن ذلك وموافقة الفصائل وبخاصة حركة حماس على حل السلطة الضبابية الموقف من حيث ترفض الاتفاقية التي أوجدت السلطة وانغمست في تفاصيلها وإدارتها وتمارسها فعلياً في قطاع غزة وأيضا الدعم العربي لهذا الخيار في ظل الفوضى والمشكلات التي تمر بها الدول العربية ، وتهيئة المناخ الإقليمي والدولي لتقبل فكرة حل السلطة وتحميل الاحتلال مسئولية فشلها وعدم تحقيق آمال الشعب الفلسطيني .

إن تجسيد شعار حل السلطة ممكن إذا توفرت الإرادة الفلسطينية الوطنية وترسخت القناعة بفشل مشروع أوسلو وتم التعاطي من المنظور الوطني والمصلحة الوطنية العليا للشعب بعيداً عن الأهواء الشخصية والمصالح الحزبية وهذا يتطلب وضع وصياغة إستراتيجية وطنية خلاقة تحتوي العديد من التكتيكات والخطط والبرامج التي تذلل العقبات وتحل المشكلات على طريق الوصول لحل السلطة كمرحلة نضالية متكاملة وواضحة الأبعاد والأهداف والخطوات وليس ترفاً أو قفزاً في الهواء ، أما المستحيل فهو حتماً ليس فلسطينياً رغم كل الإخفاقات والتراجعات والضعف في كل المستويات والجبهات ، وشعبنا الذي قدم المعجزات والتضحيات الجسام في صراعه الطويل مع الاحتلال قادر على قلب الطاولة فوق رأس الجميع وطرفي الانقسام لن يطول صمت الشعب عن عبثهم ومصالحهم وهم يدركون إن ساعة الصفر لشعبنا قادمة لا محالة وعليهم الإسراع في استعادة الوحدة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني قبل إرغامهم على ذلك وسحب البساط من تحت أقدامهم .