Menu

عقل الصهيوني: هل هناك فرق فعلا بين أوري أفنيري وبنيامين بيغن؟

بوابة الهدف/ أحمد.م.جابر

كيف يمكن تحديد اليساري الصهيوني، ماهي حدوده، وماجدوى الاستماع له أصلا، ما دام يعيد تركيب كل مبادئه واجتهاداته السياسية على قاعدة الصهيونية، معجب ببن غوريون ولكنه ناقد لجابتنسكي، يريد السلام ولايعارض علنا حق العودة ولكنه يعيد تكييف هذا مع اختراعه الخاص: الفلسطينيون لايرغبون في العودة، ودائما في النهاية يمكن رشوتهم عن طريق التويض، ولماذا يجب في النهاية أن يختلف أوري أفنيري عن بنيامين بيغن، كما كان الاختلاف بين جابوتنسكي وبن غوريون؟ في النهاية عقد هذان الأخيران شراكة بينهما، أدت إلى تطبيق نظريات جابوتنسكي حرفيا تقريبا، بينما عقد وريث بن غوريون سلاما مع السادات.. ولكن أي سلام. رغم ذلك يبدو أن متابعة الجدل بين "يساري صهيوني" غامر يوما ما للالتقاء ب ياسر عرفات ، ويميني آخر يريد التأكيد على عبثية السلام مع الفلسطينيين، مفيدا لجهة كشف حقائق الأرضية المشتركة بين الجانبين.

كتب بنيامين "بني"بيغين،  هو ابن مناحيم بيغن، مقالا يوم (يوم 9 تشرين أول/أكتوبر)  في الصحيفة الأشكنازية هآرتس وهوليل الكتابة، حاول في مقاله إثبات ما هو متواتر بشدة في أوساط اليمين الصهيوني، دون الكلام عن باراك وغاباي طبعا،  ونعني استحالة إقامة سلام مع الفلسطينيين، لماذا وكيف يتوصل بيغن إلى هذه النتيجة؟ انطلاقا من تمحيصه في النصوص المدرسية الفلسطينية يتبين له أن هؤلاء لايمكن أن يتنازلوا أبدا عن حق العودة، وبما أن هذا الحق هو المعادل الموضوعي لنهاية الدولو اليهودية، إذا لاسلام.

في مناقشته لبيغن يرى أفنيري أنه ليس واضحا في مواقفه السياسية على العكس من أبيه، بل هو أقرب إلى غولدا مائير، فبيغن الأب قاد عصابات الأرغن الإرهابية قبل تأسيس الكيان الصهيوني والنكبة، ثم تمكن من الجلوس مع السادات وصنع "السلام معه" دون أن نتعب عقولنا بالسؤال عن ماهية هذا السلام، المهم أن بيغن الإبن تبعا لأفنيري يتبع خطى غولدا مائير التي رفضت التجاوب مع المشاعر السلامية لأنور السادات وفضلت الاستمرار في التفكير بالحرب فحصلت على "يوم الغفران".

وهكذا يتابع أفنيري، فإن بيغن الابن يفضل الشعارات والإعلانات الدعائية على غرار جابوتنسكي، وهي طبعا كما نعلم جزء أصيل من التراث الفاشي الذي اعتنقه زئيف جابوتنسكي، ألم يصفه موسوليني بأنه "فاشيكم" مخاطبا الصهاينة.

يزعم أفنيري أنه على العكس من جابوتنسكي كان بن غوريون "يحترم الحقائق" ولعل هذا قاده كما قلنا أعلاه لعقد اتفاقه الشهير مع الصهيونية التنقيحية، فلم يحد عما رسمتهع أبدا.

ثمة مفكر صهيوني آخر يدعى ألكسندر جاكوبسون، توصل إلى نفس النتيجة التي توصل إليها بيغن الابن، في مقال كتبه في الطبعة العبرية لهآرتس يوم 26 أيلول/ سبتمبر، وكانت تلك المقالة موجهة إلى أفنيري شخصيا، متهما إياه بـ"فرط التسامح" مع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات BDS زاعما (جاكوبسون) أنها تهدف إلى تدمير "إسرائيل" ، ويرد عليه أفنيري: كيف توصلت إلى هذا الاستنتاج؟

 يرى أفنيري أنه متهم ظلما بأنه يؤيد حركة تدعو لتدمير "إسرئايل" حيث بما أن البي دي أس تؤيد حق العودة للفلسطينيين،  فإن هذا يعني أنها تؤيد دمار "إسرئايل" وبالتالي عندما يتسامح أفنيري أو اليسار الصهيوني مع هذه الحركة فإنهم يتسامحون بالأساس مع فكرة تدمير "إسرائيل".

يزعم أفنيري أنه يعارض البي دي أس لأسباب مختلفة عن التي يزعمها جاكوبسون، حيث انه انتمى إلى "غوش شلوم" اتي قول أنها أول من فرض مقاطعة الاستيطان عام 1997، بهدف إبعاد الجمهور الإسرائيلي عن المستوطنين، زاعما أن البي دي أس تحقق نتائج معاكسة، فهي في السعي لمقاطعة "إسرائيل" تدفع الجمهور "الإسرائيلي" إلى الارتماء في أحضان المستوطنين.

لن نجادل أن كل "إسرائيلي" هومستوطن، ولكن أفنيري يزيف الحقائق، ويتجاهل أن تاريخ الاستيطان هو أبعد بكثير بعشرين عاما على الأقل من 1997، ويتجاهل أيضا بل يزيف الحقائق حول تورط المجتمع والمؤسسة الصهيونية بكليتها في الاستيطان. لايريد أفنيري دفع الجمهور الإسرائيلي إلى أحضان المستوطنين ولكنه يعارض بشدة مقطعة الكيان الاستيطاني والمتورط أصلا في الاستيطان برمته.

مستنتجا أن من السخف الاعتقاد أن BDS قادرة على إجبار "إسرائيل" عن تطبيق حق العودة، وهو محق في هذا ليس تطبيق، بل مجرد الاعتراف بحق العودة، فالكيان الصهيوني لن يتراجع حتى يثبت له أن مشروع الااحتلال مشروع خاسر، وفكرة الاحتلال، كما هو معروف تتجاوز مجرد "الاستيطان" وإن كان "الاستيطان" جوهرها، بل هي تتوغل عميقا في السياسة والاقتصاد والأيدلوجيا، والاستيطان كما الإدارة المدنية، والجيش والشاباك وكذلك السلطة الفلسطينية بحد ذاتها كما هي الآن، هي أذرع الاستعمار الصهيوني في فلسطين.

يزعم أفنيري أن الفلسطينيين الستة ملايين اللاجئين في الضفة وعزة وسوريا و الأردن ولبنان وبقية العالم لايريدون العودة في الحقيقة، طارحا سؤالا استعماريا بامتياز: هل يريدون جميعا العودة إلى إسرائيل إذا ما أتيحت لهم الفرصة؟.

يسرد أفنيري قصة مشوقة، قد تكون صحيحة لكنه يقدم لها تفسيرا ملفقا: وهذه هي القصة على لسانه :

"قبل سنوات عديدة، كان لي تجربة غير عادية. دعيت لإلقاء محاضرة في نيويورك ولدهشتي الكبيرة والسارة كان يجلس في الصف الأول الشاعر الشاب راشد الحسين،  من قرية مصمص قرب أم الفحم. ودعاني إلى بيته قريبا من نيويورك، وعندما وصلت إلى هناك  وجدت مفاجأة أكبر، كانت الشقة الصغيرة معبأة مع الناس - اللاجئين الفلسطينيين من جميع الأنواع، صغارا وكبارا، رجالا ونساء. لقد أجرينا مناقشة طويلة وعاطفية حول مشكلة اللاجئين.

عندما غادرنا، قلت لزوجتي: "أتدرين بماذا شعرت؟ فقالت: عدد قليل فقط يريدون العودة ولكنهم جميعا  جميعا على استعداد للتضحية بحياتهم من أجل حقهم في العودة. " زوجتي راشيل، التي كانت شديدة الملاحظة كانت قد شعرت بنفس الشعور،  . واليوم، وبعد عقود، ما زلت مقتنعا بأن هذا صحيح.".

لانعرف من أين جاء أفنيري وراشيل بشعورهما ذاك، غهو على الأقل –حمدا لله- لايلفق أي كلام على لسان اشلهيد راشد الحسين أو اللاجئين الذين التقاهم، ولانعلم كيف يفسر أفنيري تضحيات الدم التي قدمها اللاجئون الفلسطينيون منذ ذلك اللقاء الذي لانعلم صحة وقوعه على وجه الدقة، في سبيل حق العودة، أو هل يعلم أفنيري عدد الشباب الفلسطينيين الذين ذهبوا إلى الوطن في مهمات لايمكن العودة منها فقط ليدفنوا هناك، في تجسيد بالدم لحق العودة، أيتجاهل أفنيري أن بيروت التي زارها أثناء الحصار ، إنما حوصرت فيها الثورة الفلسطينية، لأن "إسرائيل" كانت تشعر بالرعب من ثورة اللاجئين؟

يتجاهل أفنيري أيضا عشرات الدراسات العلمية التي قال فيها اللاجئون أنهم يريدون العودة، ولن نناقش هنا إن كانوا سينفذون ذلك، فحق العودة فردي وجماعي، ويكتسب أهميته من جماعيته بالذات باعتباره حقا تاريخيا وإنسانيا وقانونيا غير قابل للمحو والإلغاء.

يعترف أفنيري إنه لايمكن إنكار هذا المبدأ، المرتكز على القانون الدولي. وإن وأي اتفاق سلام في المستقبل يجب أن يتضمن قسما يؤكد أن "إسرائيل" تقبل من حيث المبدأ حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وذريتهم. ولن يتمكن أي زعيم فلسطيني من توقيع اتفاق لا يتضمن هذا الشرط. حسن جدا، ولكنه يرسم نهاية توافق المشترك الصهيوني العام والثوابت الصهيونية العامة والإجماع القومي "اليهودي" : فيقول "  أستطيع أن أرسم المشهد: بعد التوصل إلى اتفاق حول هذه القضية في قمة السلام، سيأخذ الرئيس نفسا عميقا ويقول: "والآن، يا صديقي، لننتقل إلى المشكلة الحقيقية. مشكلة اللاجئين في الممارسة العملية؟ "هناك العديد من أنواع مختلفة من اللاجئين، وليس هناك حل واحد هو حق للجميع. وعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، قام كثيرون ببناء حياة جديدة في بلد آخر. لم يحلموا بالعودة إلى قريتهم الأسلاف، حتى لو كانت لا تزال موجودة".

يروي أفنيري قصة أخرى، يزعم أنه اجتمع مع الدكتور سلمان أبوستة الذي تم تهجيره من النقب إلى غزة عام 1948، ويقول إنه رجل ثري جدا قلماذا سيرغب في العودة، ولكن في ذلك الاجتماع يصر الدكتور سلمان على ضرورة تنفيذ حق العودة كاملا وبدون مساومة، الأمر الذي يعتبره اليساري الصهيوني المنضبط لواقعية بن غوريون وغير العابئ بفكرة العدل، أمرا غير معقول بعد كل تلك السنين.

يزعم أفنيري أن الزعماء في أي اتفاق سيصلون إلى عبارة "حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين"،  وطبعا السيد أفنيري مطمئن تماما على مصير كيانه فهو يعلم ويصرح أن كلمة "متفق عليه" تعني "متفق عليه مع إسرائيل" ملاحظا أن هذه الكلمة تظهر أيضا في خطة السلام العربية التي صاغتها السعودية وتم قبولها المؤسف رسميا من الجامعة العربية والعالم الإسلامي.

يزعم أفنيري أن "من الصعب على إسرائيل أن تبتلع مليوني مواطن عربي يشكلون أكثر من 20% من السكان" ولكنه يضيف أن هذا ليس صعبا جدا وإضافة ربع مليون آخرين.

 ويقترح تعويض الباقين بسخاء، وتوطينهم حيث يعيشون حاليا، أو الهجرة إلى البلدان التي سيكون من دواعي سرورها استقبالهم مع أموالهم  و"هم جميعا يرحبون بالتعويض" يزعم أفنيري لانعرف على أي أساس.

ومن أين سيأتي المال: يقترح أفنيري أن تدفع "إسرائيل" ما يترتب عليها وهذا كما يرى يساعدها اقتصاديا، ويمكن توفير المال من تخفيض ميزانية العجز،   وعلى المنظمات الدولية أن تدفع أيضا بسخاء حسب أفنيري، ولكنه يتساءل: هل ستدفع؟ دزن أن يسأل: لماذا تدفع، ما دام القانون الدولي يتحد عن عودة وتعويض اللاجئين وليس عودتهم أو تعويضهم؟

يذكر أفنيري قراءه الصهاينة الذين يتوجه إليهم بأن "اللاجئ" إنسان" في النهاية، سيستحق شكر الكثيرين من معجبي اليسار الصهيوني في العالم العربي والمجتمع الفلسطيني، ولكن هذا اللاجئ غير مرحب به على العموم في "دولة" اليهود، ولا أعرف إن كان القارئ الكريم قد اشتم من هذا المقال ومن أقوال أفنيري رعب الصهيوني اليساري من العودة ومن فكرة فلسطين بحد ذاتها.