Menu

تقريرمن 1950 إلى 2017: الصهيونية في مواجهة الماعز الفلسطيني الأسود

بوابة الهدف/ترجمة وتحرير: أحمد.م .جابر

[قبل أكثر من عام، اجتاحت الحرائق مناطق واسعة من فلسطين المحتلة، التحقيقات الصهيونية وقتها تحدثت عن حوادث مفتعلة، ومن المظاهر الجانبية للاشتعال، كان اشتعال المواقع الاعلامية، حول ما الذي يحترق فعلا؟ فلسطين أم "إسرائيل"؟ هل هي أشجارنا هذه التي تلتهمها النيران، أم أشجار الصنوبر الاستيطانية، وهل تكشفت الحرائق عن رماد أم عما عملت "إسرائيل على إخفائه طوال سبعين عاما من محو آثار  الفلسطينيين ومكانهم وتزييف المكان وإعادة تقديمه كأوربا في خاصرة الشرق بعض انتزاعه من شرقيته العريقة.

مقالة جوناثان كوك في مدونته على الانترنت، تطرقت بعمق إلى هذا الموضوع، ومن زاوية أخرى: المواجهة المفتوحة بين "إسرائيل" والماعز الفلسطيني، وهذا ليس عنوانا مازحا، بل هي قصة الصراع بين الأصالة والتزييف، وكيف حاربت دولة الاحتلال الماعز الذي شكل تهديدا جديا لغابات الصنوبر الصهيونية وبالتالي واصل تدمير القناع المزيف الذي وضعته على وجه فلسطين، وكان حظر الماعز الأسود في الحقيقة أحد التدابير الصهيونية المبكرة منذ 1950 لمحو هوية الفلسطينيين وتقاليد حياتهم: محوهم. حيث فرضت حظرا على الماعز الأسود الفلسطيني المسمى أيضا بـ"الماعز السوري" بحجة أنه يتسبب بأضرار بيئية. ويكشف كوك هي طبيعة المغالطة التاريخية التي وقعت بها حيث أن منع الماعز كان عاملا أساسيا في اجتياح الحرائق للغابات التي زرعت أساسا للقضاء عليه وعلى تقاليد تربيته، ولكن الكيان الصهيوني استغرق 70 عاما لاكتشفاف أن قانونه ذلك كان طعنة في صدر مشروعه  وبالتالي القبول بإلغاء ذلك القانون. .

من المؤكد أن  قصة الماعز الأسود، هي أعمق بكثير من موضوع الحرائق ومكافحتها، وتغوص عميقا في جوهر أوهام الصهيونية وعملية التدمير الذاتي التي تعيشها بعزمها العبثي على محو الفلسطينيين وخلق مجتمع أوربي في الشرق الأوسط. وهذا هو جوهر مقال جوناثان كوك، الذي نقدم ترجمته هنا...المحرر]

 

تعتقد "إسرائيل" أن خطر نشوب الحرائق في الغابات يتزايد بسرعة وبدون أسباب "إجرامية" كما حاول الزعم سابقا، بسبب تغير المناخ، فالماعز هو مطهر تقليدي للأعشاب والأوراق الجافة، ويشكل حاميا نوعا ما من النشوب العشوائي للحرائق التي اشتعل بسببها أكثر من 1500 موقع تسببت بأضرار كبيرة.

وقد تم تطبيق قانون حماية النبات لعام 1950، وهو أحد أقدم التدابير الإسرائيلية، كوسيلة لحظر الماعز الأسود، المعروف أيضا باسم الماعز السوري، من مناطق واسعة من البلاد. وكانت قطعان الماعز شريان الحياة للمجتمعات الزراعية البدوية الفلسطينية. في ذلك الوقت زعم المسؤولون الصهاينة أن الماعز كان ن يسمم الغطاء النباتي، وخاصة الملايين من أشجار الصنوبر التي زرعت مؤخرا كغابات.

وتلك الأشجار التي زرعت، كانت تقوم بمهمة صهيونية مهمة، في نظر الآباء المؤسسين لدولة"إسرائيل"، كانت تزرع لإخفاء أنقاض أكثر من 530 قرية فلسطينية تريد "إسرائيل" إخفاءها ومنع عودة اللاجئين الذين طردوا منها أثناء النكبة.

وعلى مقربة من أنقاض القرى الفلسطينية أنشأت "إسرائيل" مئات من المجتمعات اليهودية الحصرية، كيبوتزات وموشافات لزراعة أراضي الفلسطينيين المطرودين. وكان حظر الماعز الأسود وبامقابل زراعة الصنوبر جزءا من جهود الصهيوينة لبيع التطهير العرقي للفلسطينيين إلى العالم بـ"حماية البيئة" وهي أجندة يظهر الآن إنها كاذبة تماما.

الحركة الصهيونية تعاملت مع موضوع غابات الصنوبر كموضوع وجودي، تم تشجيع اليهود من كافة أنحاء العالم لوضع قروشهم في صناديق "خيرية" كتبرع لمساعدة "الدولة الناشئة" لـ"استرداد الأرض"، في الواقع، كان يتم استخدام المال غالبا لزراعة غابات الصنوبر، على أنقاض القرى الفلسطينية المدمرة، مما يجعل من المستحيل على اللاجئين العودة وإعادة بناء منازلهم.

بالإضافة إلى ذلك، كان الصنوبر مفيدا لأنه كان سريع النمو ودائم الخضرة، وغطاء دائم وظلم على كل دليل على التطهير العرقي الذي ارتكبت خلال إنشاء "إسرائيل". و لعبت الغابات دورا نفسيا، و تحويل المشهد بطرق مصممة لجعلها تبدو مألوفة للمهاجرين الأوروبيين الجدد و تخفيف حنينهم.

وأخيرا، فإن إبر الصنوبر الساقط يحمض التربة، مما يجعل من المستحيل على الأشجار الأصلية –التي كانت حيوية في حياة وغذاء الفلسطينيين في الريف -  أن تنافسه، بما في ذلك الزيتون والحمضيات واللوز والجوز والرمان والكرز والتوت والخروب لم يكن بامكانها مقاومة عملية التسميم للتربة التي تنتجها أوراق الصنوبر. وكان الغرض من الاستعاضة عنها بالصنوبر تصعيب قدرة اللاجئين على إعادة بناء مجتمعاتهم المحلية.  من الصعب على اللاجئين الفلسطينيين إعادة بناء مجتمعاتهم المحلية.

وكان المسؤول عن زرع هذه الغابات والحفاظ عليها هو الصندوق الوطني اليهودي، وهو مؤسسة خيرية صهيونية معترف بها دوليا. ومن المفارقات أن موقعها الإلكتروني يوسع عملها في "إسرائيل" على أنه "مبتكرون في مجال التنمية الإيكولوجية ورواد في التحريج ومنع الحرائق". ويدعي الصندوق أنه قد زرع حوالي 250 مليون شجرة في جميع أنحاء "إسرائيل".

وفي إشارة إلى نجاح "إسرائيل" في بيع سياسات الاستعمار هذه باعتبارها بيئية، تصف الأمم المتحدة الصندوق الوطني باعتباره لديه خبرة في مجال تغير المناخ والحراجة وإدارة المياه والمستوطنات البشرية. كما تسمح الأمم المتحدة للمنظمة برعاية الأفرقة وورش العمل في مؤتمرات الأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم.

وفي أيلول / سبتمبر، شارك الصندوق في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، حيث أشار إلى أنه "سيعرض تجربته في إيجاد عالم أكثر اخضرارا".

التشريع المقر عام 1950، والمعروف أيضا بقانون أضرار الماعز، واصل السياسات الاستعمارية الصهيونية وهذا القانون استهدف هذه المرة ليس اللاجئين الفلسطينيين، بل القرى القليلة التي نجت من التدمير والتطهير العرقي.

حيث بحلول عام 1948 بقي حوالي 150 ألف فلسطيني تمكنوا من العبور بسلام من التطهير خصوصا في الشمال وفي  وفي الجنوب، في النقب شبه الصحراوية، وفي عام 1952، وفي ظل الضغط الدولي، منح هؤلاء الفلسطينيون الجنسية.

اليوم، لاتعرف العديد من المجتمعات الفلسطينية الباقية على قيد الحياة سوى جانب ضئيل من الزراعة التي عرفها أسلافهم، عبر أجيال، وذلك يعود إلى العقيدة الصهيونية "العمل العبري" التي أرادوا منها السماح لليهود بأن يصبحوا "المزارعين المحاربين" و"مزهري الصحراء" لذلك مطلوب من الفلسطينيين النزوح عن الزراعة، وتم السيطرة على 70% من الأراضي الزراعية، تم الاحتفاظ بها من أجل اليهود في جميع أنحاء العالم بينما يحرم الفلسطينيون من الحصول على المياه للزراعة، ويضطر معظمهم للتحول إلى عمالة مؤقته، والعمل في مواقع البناء رغم أن الصهيونية تعتبر هذا تهديدا لروح الصهيوني الجديد.

كاننت الحياة الرعوية المرتكزة على الماعز والغنام هي مركز حياة البدو الفلسطينيين في مرامي الشمال والأغوار، وفي النقب، وبسبب طبيعة الارتباط بين الرض والماعز، عجزت "إسرائيل" عن السيطرة على هذه المجتمعات ، والعلاقة هذه، لعبت دورا مركزيا في الحفاظ على الهوية الفلسطينية وتعزيز تقاليد الصمود، وقد تعرف هذؤلاء مبكرا على الصهيونية من خلال شعاراتها "دونم بعد دونم.. ماعز بعد ماعز" كآلية قضم تدريجي، لفلسطين كلها، وبعد التخلص من عدد كبير جدا من الفلسطينيين خارج البلاد في النكبة، تحولت "إسرائيل" إلى سياسات الاحتواء العدوانية ضد البدو الذين لم يطردوا خارج حدود الدولة الجديدة،  وركزت هذه السياسات على أراضيهم بالذات، وفي العام 1965 وقبل عام واحد من رفع الحكم العسكري المفروض على الفلسطينيين داخل حدود الدولة، سنت "إسرائيل" قانونا لاجتثاث المجتمعات البدوية كلها تقريبا وأعلن عن بيوتهم بأنها غير قانونية وكان الهدف تجميعهم في عدد من البلدات "المتحضرة" حسب الادعاء، واجبارهم على التخلي عن الزراعة والرعي وتحويلهم إلى عمال مؤقتين في الاقتصاد "الإسرائيلي"، مثل غيرهم من الفلسطينيين.

وعندما سنت "إسرائيل" ذلك القانون الجائر وجهت ضربة شديدة للبدو وخصوصا مربي الماعز السوداء التي تمدهم خصوصا بالحليب المعد للاستهلاك المعيشي والبيع، واستخدموا جلودها للخيام.

في أواخر 1970، صعد وزير الزراعة الصهيوني آنذاك أريل شارون، سياساته ضد البدو، مركزا سياساته الوهمية حول الإيكولوجيا وكان مرتبكا باستثمارات خاصة لذلك من مصلحته أن تنجح الدولة في "تهويد النقب" وفي عام 1972 كان قد حصل على مزرعته الخاصة هناك، والتي تغطي 4 كيلومتر مربع. وكانت الأرض تعود في السابق إلى اللاجئين من قرية فلسطينية مدمرة، أصبح أهلها لاجئين في غزة. بعد سنوات من شرائه مزرعة الجميز أنشأ شارون  "الدوريات الخضراء"، وهي وحدة شبه عسكرية تتبع سلطة الطبيعة والحدائق، التي كانت ذراع القمع الخاصة بوزارة الزراعة وشنت حملة إبادة ضد قطعان الماعز الأسود وخلال السنوات الثلاث الأولى من عمليات الدوريات الخضراء تم خفض عدد الماعز السوداء بنسبة 60 في المئة، من    220 ألفا إلى ثمانين ألف، وكانت ممارسات الدوريات من الوحشية بحيث اضطرت هيئة رقابية رسمية ومراقب الدولة، لتوجيه اللوم للوحدة في سنة 1980،  وقد إنهارت أعداد الماعز بسرعة كبيرة عبر عملية الإبادة تلك، وأشار تقرير نشر في صحيفة هآرتس أنه بحلول عام 2013 كان هناك 2000 فقط  لاتزال ترعى في غابات الكرمل  قرب حيفا، بعد أن كانت 15000قبل تأسيس الدوريات الخضراء في الغابات التي تم زراعتها لإخفاء آثار القرى الفلسطينية، وفي عام 2010  غرقت الغابات في النيران التي أودت بحياة 44 شخصا. وكانت تتقدم بسرعة إلى سجن الدامون، حيث يحتجز السجناء السياسيين الفلسطينيين خارج الأراضي المحتلة في انتهاك للقانون الدولي، واستمر السجن محاصرا أربعة أيام ، وكان مطلوب اخلاء 17000 شخصا، بما في ذلك أقسام من حيفا،  وكان هذا الحريق تمهيدا لحرائق أكثر انتشارا بكثير من العام الذي سبقه، في نهاية فصل الصيف الجاف الطويل. تم الإبلاغ عن 1700 حريقا عبر "إسرائيل" والضفة الغربية، وكثير منه في الغابات التي كانت "إسرائيل" قد زرعتها على القرى المدمرة، وقد اتهم  الفلسطينيين من قبل الشرطة والمسؤولين الحكوميين بالمسؤولية، على الرغم من قلة الأدلة - والإدانات . ولكن تهم الحرق العمد كان انحرافا مفيدا عن الواقع: أن الحرائق كانت هدفا صهيونيا. الخطر الذي يشكله زرع دبوس الأوروبي غير مناسب، حيث  تفاقمت الغابات الصنوبرية الأوربية في الظروف القاحلة في الشرق الأوسط من خلال فصول صيف أطول، مع بدء تغير المناخ وابادة الماعز الأسود،  الذي كان من الممكن لو كان موجودا أن يمسح الغطاء النباتي حول الأشجار بما يمنع بشكل جذري امتداد النيران. وقد كانت هناك تحذيرات من أن غابات الصنوبر كانت معرضة لخطر النيران قبل وقت طويل من ظهور التغير المناخي الكبير، قبل نحو 20 عاما.

مؤخرا قمت بزيارة لكيبوتس نير عتصيون الذي يستولي على الأراضي الزراعية لقرية عين حوض الفلسطينية التي كانت مثالا نادرا للقرية الفلسطينية التي نجت من الدمار، ، أحد الموظفين في نير عتصيون زعم في حديثه أن اللاجئين الفلسطينيين الداخليين (المهجرين) هم من أشعل النيران، ليخرجوهم من الكيبوتس، وهو يتجاهل أن هؤىء اللاجئين هم أنفسهم كانوا في مقدمة من يتعرض للخطر. ولايوجد شك أن غابات الصنوبر الأوروبية على مرتفعات الكرمل كانت ت خطيرة على الأراضي الجافة التاريخية في المنطقة .

وحتى هذا الشهر، حلم الحركة الصهيونية - اختفاء كل أثر من فلسطين التي كانت قائمة قبل قيام دولة إسرائيل – قد أثبت بفعالية أكثر من خطر الحرائق، وهذا الواقع االمتناقض دفع جمال زحالقة عضو الكنيست العربي ليبادر لتبديد الأوهام والسعي نحو إلغاء قانون 1950، مستندا على دراسة موثوقة من مؤسسة علمية إسرائيلية محترمة "التخنيون" التي أكدت أبحاثها  أن من الحكمة السماح للرعاة والمزارعين الفلسطينيين  برعي الماعز على الشجيرات الجافة وبالتالي قمع خطر الحرائق.

 مؤخرا تم إلغاء قانون 1950 و "استعادة شرف الماعز المفقود" و "اصلاح الظلم التاريخي الذي لحق بالمزارعين الفلسطينيين". والمفارقة، أن طلب زحالقة بإلغاء قانون 1950 حظي بتأييد وزير الزراعة أوري أرئيل، و وزية العدل ايليت شاكيد، و كلاهما مرتبط ارتباطا وثيقا بحركة المستوطنين، ولكن تم اخضاعهما عبر الأدلة العلمية وأن . "الماعز هي عامل مهم في الوقاية من الحرائق، ونحن نريد أن نشجع فعل الرعي" كما يقول أريل.

من المحزن أن الحكومات "الإسرائيلية" استغرقت ما يقرب من 70 عاما لترتد عن سياستها  المتمثلة في تدمير الماعز الأسود - وهي السياسة التي سعت عمدا لتدمير الزراعة الفلسطينية، ومعها المجتمعات الفلسطينية والتراث والهوية.