Menu

إدارة ترامب: شريك كامل للاحتلال

هاني المصري

إذا أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، غدًا، عن نقل السفارة أو الاعتراف ب القدس كعاصمة لإسرائيل أو لم يفعل ذلك، فإنه لا يغير من حقيقة أن إدارته تنتقل من الانحياز الأميركي التاريخي لإسرائيل إلى الشراكة الكاملة معها. فمن شبه المؤكد أن يقدم ترامب على هذه الخطوة أو تلك أو كلتاهما قبل انتهاء فترته الرئاسية، لسبب بسيط أنه وطاقمه المكلف بالتوصل إلى حل قضية القضايا (القضية الفلسطينية) صهاينة، وأكثر من مؤيدين لإسرائيل، وينافسون الصهاينة المتطرفين على تطرفهم.

وقد تعهد ترامب إبان حملته الانتخابية بنقل السفارة وجعل هذه المسألة مركزية في برنامجه، وحكمه، وليس مجرد تكرار لوعد قدمه مختلف المرشحين للرئاسة الأميركية في حملاتهم للحصول على أصوات اللوبي المؤيد لإسرائيل ونسوه بعد فوزهم في الانتخابات لإدراكهم تداعياته الكبيرة.

في هذا السياق، واصل ترامب منذ توليه سدة الحكم هذه السياسة وأكد التزامه بها، وشغل العالم في بداية حكمه بمسألة نقل السفارة، إلى أن قرر بعد تأخر نسبي تأجيل هذه الخطوة لكي يعطي صهره جاريد كوشنر فرصة لعقد "صفقة الصفقات"، التي إذا لم يعقدها كوشنر فلن يستطيع أحد غيره إبرامها كما قال ترامب غداة جلوسه على مقعد الرئاسة الأميركية.

وزاد من احتمال إقدامه على هذه الخطوة إقدام مايكل فلين، مستشاره السابق للأمن القومي، من تغيير شهادته بصورة شددت الخناق على ترامب وجعلته بحاجة إلى اللوبي الصهيوني لدعمه أكثر. لذا يجب على الفلسطينيين والعرب وأصدقاء القضية الفلسطينية على امتداد العالم، وجميع الحريصين على الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة أن يتعاملوا مع احتمال نقل السفارة أو الاعتراف بالقدس كعاصمة كاحتمال جدي لا يمكن الاستهانة به، خصوصًا أن الفلسطينيين والعرب اكتفوا بالتحذير من خطورة هذه الخطوة إذا حدثت، ولم يحددوا بالضبط وبشكل رسمي ماذا سيفعلون ردًا عليها إذا تحققت.

وحتى إذا أجّل ترامب هذه الخطوة فسيكون على طريقة الالتزام المؤجل وليس تخليًا عنها، فلا خلاف على المبدأ بين أركان إدارته وإنما على التوقيت، ونظرًا لتحذير الكثير من المحيطين به من أضرار تنفيذ هذه الخطوة الآن على المصالح الأميركية في المنطقة، وعلى حلفائها، خصوصًا في وقت تدخل فيه المنطقة مرحلة جديدة. فالمفترض التصرف وكأنّ هذه الخطوة، وأسوأ منها، مثل تقديم صفقة مسمومة لتصفية القضية الفلسطينية، قادمة لا محال، عاجلًا أم آجلًا، والمفروض الاستعداد والتصدي لها وإحباطها، وليس التعامل معها وكأنها قدر لا رادّ له.

إذا كانت ردة الفعل الفلسطينية والعربية ستنحصر بالشجب والاستنكار والتحذير من الفوضى، ومن تدمير عملية السلام غير الموجودة أصلًا، فهذا يعني أنه يمكن التعايش معها واحتواؤها. وَمِمَّا يشجع على اتخاذها الحال العربي البائس وشعور السعودية ومن يقف معها من العرب أنهم بحاجة ماسة للتحالف مع إسرائيل ضد ما يسمونه "الخطر الإيراني".

ومع ذلك، لا يمكن اعتبار أن الإقدام على هذه الخطوة، سواء بالنقل أو الاعتراف، الاحتمال الوحيد، بل هناك احتمال آخر لا يقل عن سابقه مفاده أن ترامب يمكن أن يؤجل مرة أخرى الإقدام على هذه الخطوة، مع تقديم التزام جديد بتنفيذها بعد فترة محددة لإعطاء الخطة الأميركية الجاري الانكباب على إعدادها فرصة للنجاح. ويتردد منذ أشهر على لسان مسؤولين أميركيين أنها ستقدم خلال أسابيع، وها هي الأشهر تمر وتقترب الذكرى السنوية الأولى لاعتلاء ترامب سدة الحكم من دون تقديمها.

ولكن تدرك الإدارة الأميركية كما قال كوشنر يوم الأحد الماضي في منتدى سابان: "إن ترامب جهّز حلًا للقضية من دون تحديد موعد لذلك، وأن إسرائيل بحاجة إلى السلام قبل تشكيل تحالف مع العالم العربي، لأن مختلف القادة العرب، بمن فيهم العاهل السعودي وولي عهده، أكدوا على أولوية حل القضية الفلسطينية".

إن ما يمكن أن يؤخر الإقدام على نقل السفارة أو الاعتراف بالقدس حقيقة أن القيام بذلك سيقضي على فرصة نجاح "صفقة القرن" قبل أن تولد.

في الحقيقة إن الاعتراف بالقدس كعاصمة موحدة لإسرائيل أسوأ من نقل السفارة، فنقلها مجرد مسألة تقنية، أما الاعتراف فيشرعن الاحتلال والاستيطان، وضم مساحات من الضفة إلى إسرائيل، ويفتح الطريق لضمها لاحقًا، ولاعترافات دولية أخرى.

وفي كل الأحوال، إن الإدارة الأميركية التي لم تعد تلتزم بالمواقف الأميركية التقليدية إزاء الحل والانسحاب إلى حدود 67، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، والموقف من الاستيطان الذي لم تعد تعتبره غير قانوني مثل سابقاتها، وتبنت الرواية الصهيونية كاملة حول أصل الصراع ومراحله وتطوراته، وصولاً إلى الوضع الراهن، تنتقل من موقع الانحياز الأميركي التاريخي لإسرائيل إلى موقع الشريك الكامل لها في احتلالها واستعمارها الاستيطاني وتمييزها العنصري وجرائمها وعدوانها المستمر. ولعل خطوة تقييد عمل مكتب المنظمة في واشنطن بعد إغلاقه، ثم إعادة فتحه بعد تقييده ووضعه تحت المراقبة، في محاولة لابتزاز القيادة الفلسطينية لدفعها لتقديم المزيد من التنازلات. وإن إعادة طرح نقل السفارة مجرد شواهد على الآتي الأعظم.

الأهم في النهاية: كيف سيتعامل الفلسطينيون مع هذه التطورات في الموقف الأميركي؟ هل من خلال الاكتفاء بردة فعل مؤقتة سرعان ما تنتهي مع بقاء واقع الاعتراف الأميركي الجديد وتعمّق التغيير في الموقف الأميركي من الانحياز إلى الشراكة، مع أن هذا كله لن يغير الواقع القانوني الدولي للقدس بوصفها أرضًا محتلة ومنطقة دولية لا يمكن تقسيمها أو توحيدها أو الاستيلاء عليها؟ أم عبر شق مسار جديد مختلف جوهريًا عن المسار المتبع منذ توقيع اتفاق أوسلو الذي ينخفض سقفه المنخفض أصلًا باستمرار.

مسار يراهن على الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته، وعلى الشعوب العربية، وعلى دعم الأحرار والقلقين من تدهور استقرار المنطقة وأمنها على امتداد العالم؟

يمكن ويجب إذا أقدمت إدارة ترامب على نقل السفارة، أو الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، أو طرحت خطة مسمومة لتصفية القضية الفلسطينية، سحب الاعتراف بأميركا كوسيط وراعٍ لما يسمى "عملية السلام"، وما يقتضيه ذلك من سحب البعثة الفلسطينية من واشنطن إلى حين التراجع الأميركي عن هذه الخطوات، وتقديم شكوى إلى مجلس الأمن بحق أحد أعضائه الدائمين ممن يملكون حق «الفيتو» لانتهاكه مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

أبلغ رد فلسطيني على أي خطوة أميركية تنتقص من الحقوق الوطنية، بما في ذلك طرح خطة ترامب التي طال انتظارها والتي تستهدف تصفية القضية مرة واحدة، أو على مراحل، هو المضي في تحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية من خلال الاتفاق على البرنامج الوطني الذي يجسّد القواسم المشتركة، وعلى أسس الشراكة السياسية الكاملة، وليس استمرار الغرق في صراع لا ينتهي على السلطة مع أنها واقعة تحت الاحتلال، وفي قضايا فرعية مثل تمكين الحكومة والموظفين، ومن خلال العمل من أجل إطلاق حملة كبرى لحل القضية الفلسطينية في إطار مؤتمر دولي مستمر وكامل الصلاحيات، يهدف إلى تطبيق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وليس التفاوض حولها.

وحتى يسمع العالم نداء الفلسطينيين يجب أن يعتمدوا إستراتيجية تقوم على العمل على تغيير موازين القوى ليصبح الاحتلال مكلفًا جدًا لإسرائيل ومن يدعمها.

وفي هذا السياق، لكي تتحقق الوحدة على "حماس" أن تستكمل إنهاء سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة وتمضي في الطريق أكثر من حل اللجنة الإدارية وتسليم المعابر ومغادرة الحكومة، لتصل إلى مغادرة الحكم.

وفي المقابل على الرئيس و"فتح" إنهاء الهيمنة والتفرد بالمنظمة والسلطة/الدولة، وتجسيد شراكة سياسية حقيقية.