توافق اليوم ذكرى عملية بيت ليد المزدوجة التي هزت أركان الكيان الصهيوني سواء من حيث دقة التنفيذ أو في حجم الخسائر, وما زالت الذاكرة تسكن تفاصيل تلك العملية المنظمة والدقيقة والأقوى في تاريخ المقاومة الفلسطينية حتى وقتنا الراهن .
فلم تكن خسائر العدو الصهيوني في هذه العملية 26 جنديا وضابطا وإصابة أكثر من 90 آخرين بل تعدتها إلى قدرة الاستشهاديين صلاح شاكر من مخيم رفح وأنور سكر من حي الشجاعية على تخطي كافة حواجز الصهاينة المحكمة والنزول في موقف خاص بالجنود ليحطما نظرية الأمن الصهيونية ويسقطاها بشظايا جسديهما الطاهران .
لقد شكلت عملية بيت ليد البطولية فارقاً خطيراً لدى الكيان الصهيوني، باعتبارها تطوراً نوعياً كبير يهدد أمن الكيان، وتأتي في صدارة العمليات المشرفة والنوعية للمقاومة الفلسطينية ضد جنود الاحتلال .
وتعود تفاصيل العملية إلى يوم 22/1/1995م، حيث انطلق الثنائي المزدوج أنور سكر و صلاح شاكر و ترجلا بملابس الجيش الصهيوني أمام مفترق "بيت ليد" قرب مدينة أم خالد المحتلة والتي تعرف صهيونيا باسم "نتانيا"، ليتقدم أنور سكر ويفجر نفسه وسط تجمع الجنود ( المتواجدين أمام المقصف )، وما تكاد تمر دقائق حتى يفاجئ الجمع بانفجار ثان لاستشهادي آخر وهو صلاح شاكر، لتتوالي بعد ذلك أرقام القتلى والجرحى، فيسقط 22 قتيلاً وما يقارب 80 جريحا". بعد ذلك قتل أربعة متأثرين بجراحهم آخرهم مات بعد عشرة أعوام من العملية البطولية .. ليصبح العدد النهائي 27 قتيلاً من ضباط وجنود جيش العدو الصهيوني.
ويوضح الأسير المحرر ياسر صالح أن الضوء الأخضر منح للعملية بعد انتهاء عمليات رصد وتدقيق للهدف المحدد ورفع كافة البيانات التي يحتاجها المشرفين على تنفيذ العملية لضمان نجاحها.
وقال صالح:" تم انتقاء الاستشهاديين المكلفين بتنفيذ العملية وتلقيا التدريبات اللازمة, فيما تولى الشهيد القائد محمود الزطمة مسئولية تصنيع الأحزمة اللازمة لتنفيذ العملية " .
وتابع:" لم تكن هذه العملية الوحيدة التي حملت بصمات الشهيد محمود الزطمة على الأحزمة والعبوات الناسفة فقد سبقها بتجهيز سيارة مفخخة للاستشهادي أنور عزيز بتاريخ 13/12/1993 , وحقيبة متفجرة للاستشهادي هشام حمد في نيتساريم بتاريخ 11/11/1994 ردا على اغتيال القائد هاني عابد" .
وبين أنه وبعد الانتهاء من إعداد المتفجرات وتدريب الاستشهاديين على طبيعة المهمة تولى الأسير المجاهد عبد الحليم البلبيسي مسئولية تأمين وصول الاستشهاديين للهدف ونجح بذلك في تخطي الحواجز الصهيونية في منطقة وقوع العملية، لافتا إلى أن الاحتلال حكم على الأسير البلبيسي بالسجن مدى الحياة بتهمة نقل الاستشهاديين لتنفيذ عملية بيت ليد.
وواصل الأسير المحرر صالح سرد تفاصيل العملية البطولية قائلا: " بعد وصول صلاح شاكر وأنور سكر للمكان يرتديان زي مطابق للجنود , ترجل الاستشهادي الأول سكر عن استراحة الجنود على المفترق ليمزق أجسادهم العفنة بشظايا جسده وعبوته, وبعد 3 دقائق ترجل الاستشهادي الثاني شاكر ليفجر نفسه بحشود الجنود التي هرعت مذعورة خارج المبنى المحصن لتفقد مكان العملية".
دقة التنفيذ:
وأضاف صالح :" العملية كانت منظمة جدا وتم أخذ كافة الاحتياطات لضمان نجاحها، وكونها عملية مزدوجة فهي تحتاج لثبات وقوة القلب النابع من قوة العقيدة ، فصلاح شاكر انتظر الشهادة وأقدم عليها بعد دقائق من رفيقه أنور سكر".
وكانت حصيلة العملية حسب اعترافات العدو حينها مقتل 26 جنديا صهيونيا وإصابة أكثر من 90 آخرين بجراح متفاوتة فيما قضى آخرون متأثرين بجراحهم.
حصاد الرجال:
وأوضح أنه شارك في تجهيز العملية مجموعة من الشهداء القادة وهم : الشهيد القائد محمود الخواجا الذي كان قائد قسم حينها وأقدم عملاء الاحتلال على تصفيته بمخيم الشاطئ عام 1995 ليكون أول الشهداء المسؤولين عن عملية بيت ليد الذين تعرضوا للاغتيال.
وأكمل: "تبعه الشهيد المؤسس فتحي الشقاقي الذي اغتيل في منفاه بمالطا على يد الموساد عام 1995 , وكان قد تبنى العملية في نفس يوم تنفيذها وباركها وهو ما دفع رئيس حكومة الاحتلال حينها لإطلاق جملة من التهديدات والوعيد للشقاقي الذي رد عليه بأنه عاش أكثر مما كان يتوقع وأنه ينتظر الشهادة" .
وكذلك الشهيدان أيمن الرزاينة وعمار الأعرج , اللذان قامت مجموعة من السلطة الفلسطينية باغتيالهما بتاريخ 15 رمضان الموافق 3/2/1996 قبيل الإفطار في معسكر الشاطئ".
وتأخر اغتيال الشهيد المهندس محمود الزطمة نظرا لاعتقاله لدى أجهزة السلطة لتقدم طائرات الاحتلال على اغتياله بتاريخ الخامس عشر من ابريل للعام 2003 أثناء قيادته لسيارة في شارع فلسطين بحي الشيخ رضوان .
وهذا وبالرغم من مرور أكثر من 23 عامًا على وقوع العملية إلا أن سلطات الاحتلال الصهيوني لا زالت تحتفظ بجثماني الشهيدين ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية بهذا الصدد.