Menu

القانون البولَندي يُعَرّي المُعَرَّى

محمد كناعنة أبو أسعد

بقلم / محمد كناعنة أبو أسعد

بَعض السياسيين العَرب، هُنا في الداخل الفلسطيني المُحتل منذُ العام 1948، ومِنهُم أعضاء في الكنيست الصَهيوني، من القائِمَة المُشتركَة تحديدًا، تَعرّضوا للقانون البولندي، رَفض وإدانَة، وهو القانون الذي صادقَ عليهِ البرلمان البولندي قبلَ يَومين ويقضي بعدم مسؤوليّة بولندا عن جرائِم النازية التي أرتكِبَت فوق أراضيها إبان الإحتلال النازي لِبلادهم وأرضهم، تاريخيًا وسياسيًا هذا القانون صَحيح، (فَالمُعسكَرات كانَت نازيّة وليسَت بولندية) إذ كيفَ على الشَعب البولندي أن يتحَمّل مسؤوليّة الجرائِم النازية وهو ذاتَهُ قد تَعرّضَ لذات الجرائِم 0حتى لو كانَ هُناكَ من ساعدَ النازيين من سُكالن بولندا، أليسَ هذا حالُنا مع عُملاء وجَواسيس الإحتلال في فلسطين) ففي المُعسكرات النازية في بولندا أُحتُجزَ بولنديين وألمان وعرب ويهود وَغيرهُم من قوميات وأجناس وطوائِف مُتَعَدِّدَة وفي هذه المُعسكرات عُذّبَ البولنديّين كما غيرهُم فلماذا عليهم أن يتحَمّلوا وزرَ جرائِم النازية، القانون الجديد لا يُنكِر الجرائِم النازيّة بل يؤكّد عدم مسؤوليّة بولندا عنها كونها كانت بغيرِ إرادة الشعب والدولة كَكيان سياسي مُستقل فَبعدَ الإحتلال النازي لها لَم تَعُد تَملُك قرارها وكما ساعدَ النازيين بعض البولنديين كانَ هُناكَ يهودًا في صفوف النازية وعرب وغيرهم من مُختلف الجنسيّات والأقوام.

من ناحيتها قالَت النائبة في البرلمان الصهيوني حنين زعبي:

 إنَّ "القانون البولندي القاضي بإنكار المسؤولية الأخلاقية عن مقتل ملايين اليهود في المحرقة هو قانون خطير حيث الفصل بين الجريمة والمجرم، هو بمثابة الانتصار المتجدد للشر"..

 وأضافَت في بيانها:- "هذا القانون هو الصيغَة البولنديّة لقانون النكبة"، َهيَ في هذا الرأي تَخرُج لِتَصطَف إلى جانب الدعاية والبروباغاندا الصهيونية التي تُحاول أن تَستَعطفَ العالَم على آلام ضحايا النازية وتستغِل هذه المجازر "إستغلالًا رخيصًا" كما تقول الزعبي أيضًا وبحَق وهُنا هي تَقع في فخ الدعاية الصَهيونيّة عن قَصد أو من دونِهِ، من جانِب تَدعو إلى وقف الإستغلال "الإسرائيلي" الرخيص لِلمجزرَة، هل حَقًا القانونين مُتشابِهين؟ وهل هُما وجهين لِعُملَةٍ واحدة؟؟

 لنرى: البرلمان البولندي هو تعبير عن إرادة الشعب البولندي (حتى لو إختلفنا أو إتفقنا مع طبيعة هذا النظام) وهو قائِم على أرض بولنديّة، المجازر النازيّة إرتكبها النازيّون إبان إحتلالهم لبولندا وَهُم بقانونِهم هذا يُحاولون أن يرفعوا غُبنًا تاريخيًا عنهُم في المسؤوليّة عن مجازر النازية... أما قانون النكبة والذي شَرّعتهُ الكنيست الصهيوني (وهو برلمان قائِم على أرض الغير ومن خلال الإحتلال والإستعمار ل فلسطين هو برلمان قامَ على أنقاض النكبة وعلى آلام وعذابات ودماءِ الملايين من شعبنا) وحنين زعبي نائب فيهِ هو قانون من يَحتَلَّ الأرض والوَطن وهو قانون سَنّهُ من إرتَكبَ النكبَة والمجازِر بحَق الشَعب الفلسطيني، هو القانون الذي جاءَ لِيمنَع إحياء النكبة ومن أجلِ إنكارِ وجودها ، أو تمويل نشاطاتها للمؤسّسات التي تَتلقّى دعمًا حكوميًا كالأحزاب والسُلطات المحلّية، بينما القانون البولندي لا يُنكر المجازر النازية ولا المحرقة وإنّما يرفع المسؤولية عنها كونَّ بولندا لَم تكن شريكة وإنّما تحتَ الإحتلال النازي، لا أدري لِمن أرادَت أن تَتَوَدَّد حنين زُعبي في بيانها هذا (أم هو فعلًا رؤية إنسانية!) ولكن ما أعتقِدَهُ جازِمًا أنَّ السَقف الإسرائيلي لأعضاء الكنيست العَرب سيبقى حاضِرًا مهما عَلَت التصريحات والخطابات الرنانه.

أمّا رئيس القائِمَة المُشتركَة النائِب في الكنيست الصهيوني أيمن عودة فَقَد إكتفى بتغريدة على حسابِهِ الشخصي على تويتر حيثُ إعتبرَ أنَّ:

"قرار الحكومة البولندية مخجل وخطير، إنكار المحرقة هي تبييض اللحظات القاتمة في التاريخ، فقط الاعتراف بأخطاء الماضي هي ضمان لتقديس الحياة في المستقبل".

 وكانَت الصحافة الصَهيونيّة قَد إحتَفَت وإكتَفَت بهذا التَصريح فليسَ هُناكَ أفصَح من "ضَحيّة" يُدافِع عن الجَلاد ويُساهم في جوقَة البروباغاندا الصهيونية، نائِب عربي في كنيست بني صَهيون ومنَ المُفتَرَض أنَّهُ إبنٌ لِلشَعب الواقِع تحتَ الإحتلال - بالمُناسبَة أيمَن لا يَعتبر نفسَهُ ولا يعتبرنا تحتُ الإحتلال- يخرُج لِيُهاجِم القانون البولَندي وهو القانون الذي لا يُنكر المحرقَة كما ذَهبَ عودة في تصريحِهِ وإنّما قَد يكون بدافِع الكرامة الوطنيّة ومحاولَة تصحيح مسار التاريخ، جاءَ هذا القانون لِيُغضب الحكومة الإسرائيلية وأقطاب الحركة الصَهيونيّة كونَهُ يَحمِل خَسارة ماديّة كبيرة ل"إسرائيل" ولليهود كونَ المَعايير الجديدَة للتعويض لا تَنطَبق على غالبيّة من غادرَ بولندا من اليهود وهُم بالمُناسبة مُستَوطنين على أرض فلسطين بغالبيّتهم العُظمى..

إنَّ سياسَة التَوَدّود للمُحتَل لَم تُأتي أكُلِها على مَرّ التاريخ غير إحتقار صاحب التَوَدّد من قِبَلِ الآخَر، ولنا في التاريخِ عِبَرٌ وأمثِلَة وشواهِد ويَكفي لَحد وحَداد لبنان وعلَيهُما قِس سابِقًا ولاحِقًا، وعلى ما يبدو أصبحَ السَعي لدى البَعض في البحث عَن "الريتنغ" وال "شو" قِمّة في مُعادَلة "النضال" التي يُمارِسُها ويُبهر أعيُن الجماهير بها،، أحقًا لا توجد جريمة تُضاهي أو تَقتَرب من جرائِم النازيّة على مر التاريخ!!! أحقًا هذا الكلام وهذه المُقارَبة.

محمد كناعنة أبو أسعد

عضو المكتب السياسي ل حركة أبناء البلد

الجليل / فلسطين