Menu

قانون بولندي يثير غضب «إسرائيل»

د.فايز رشيد

أثار قانون هدفه الدفاع عن صورة بولندا الوطنية، وينص على سجن الذين يتحدثون عن «معسكرات الموت البولندية»، غضب دويلة الاحتلال التي تتهم وارسو، بإنكار محرقة اليهود في ألمانيا النازية. فمنذ توليه السلطة في نوفمبر/‏تشرين الثاني 2015، يتبع حزب القانون والعدالة المحافظ «سياسة تاريخية»، تهدف إلى استنهاض الروح الوطنية البولندية، وتسعى هذه السياسة إلى إحياء ذكرى الأعمال الرائعة التي قام بها البولنديون ضد النازية، من الذين خاطروا بحياتهم لإنقاذ مئات اليهود، إلا أنها تهدف أيضاً إلى منع تداول نصوص حول التاريخ، تعتبرها وارسو غير عادلة وعدائية. وأوضح باحثون بولنديون من معهد «الذاكرة الوطنية»، أن ستة ملايين بولندي قتلوا إبان الحرب العالمية الثانية.

بالنسبة إلى الحاكمين في وارسو، فإن الهدف الأساسي من هذا القانون هو تجنّب أن ينسب إلى «الأمة البولندية أو الدولة» شيء من الجرائم التي ارتكبها النازيون الألمان، وخصوصاً حظر استخدام مصطلح «معسكرات الموت البولندية» عند التطرق إلى المعسكرات التي أقامتها ألمانيا الهتلرية. 

الحكومة «الإسرائيلية» رأت في هذا القانون محاولة لإنكار مشاركة بعض البولنديين في «إبادة اليهود بأيدي النازيين»، أو إمكانية مقاضاة الناجين من المحرقة، ممن يثيرون مثل هذه الحالات. 

وقال رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو: «لن نتسامح مع تشويه الحقيقة وإعادة كتابة التاريخ أو إنكار المحرقة»!

من جهته أجرى رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيسكي، اتصالاً هاتفياً مساء الأحد الماضي مع نتنياهو. وذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، أن الرجلين «اتفقا على بدء حوار على الفور وتشكيل فريقين لمحاولة التوصل إلى تفاهم حول التشريع البولندي». في المقابل اعتمدت المتحدثة باسم الحزب البولندي الحاكم، بياتا مازوريك لهجة أخرى، وكتبت في تغريدة لها على تويتر: «لن نقوم بتغيير أي مادة في القانون (...) مللنا الاتهامات ضد بولندا والبولنديين، بارتكاب جرائم ألمانية».

للعلم، ليس ثمة أكثر من البولنديين تضحية في مقاومة الاحتلال النازي، فقد قتل واحد من كل سبعة بولنديين، وجرى تدمير وحرق 12 ألف قرية وبلدة بولندية، وتدمير كبير في العاصمة وارسو، والمدن الأخرى، حتى الفن لم يسلم من السرقة، فقد تم نهب كثير من القطع الفنية لكبار الفنانين. 

ونُقلت بعض القطع إلى متاحف في ألمانيا، بينما أصبحت أخرى من ممتلكات بعض المسؤولين الألمان، وإضافة إلى كل ذلك، تم إلقاء القبض وإعدام ونقل عشرات آلاف البولنديين إلى معسكرات الاعتقال النازية، من بينهم العديد من أساتذة الجامعة والمعلمين والمحامين والفنانين والكُتاب والرهبان، وآخرين من النخبة المُثقفة في عمليات تهدف لإقصائهم. 

وفقدت بولندا خلال الحرب العالمية الثانية 52%من جملة أطبائها، و57% من محاميها و30% من معلّميها، وما بين 35% من علمائها ومدرسي جامعاتها، و28% من رجال دينها. 

«إسرائيل» كعادتها لا تريد إظهار ضحايا للنازية غير الضحايا اليهود، في حين فقدت الشعوب الأوروبية حوالي أربعين مليوناً من أبنائها، في مجابهة العدوانية النازية. 

وفي العرف «الإسرائيلي» يمنع الحديث عن كل هذه الضحايا، فقط يترتب الحديث عن الضحايا اليهود. 

إن كثيرين من الباحثين والخبراء والمؤرخين العالميين (بمن فيهم أمريكيون) يشككون في رقم الضحايا اليهود، وفقاً للأرقام التي أوردتها الحركات اليهودية (6 ملايين)، وهذا ما أغضب «إسرائيل»؛ الأمر الذي دفعها للضغط على الدول الأوروبية لسن قانون «غيسو» الساري في العديد من الدول الأوروبية، وبموجبه يمنع التشكيك في الرواية اليهودية عن عدد الضحايا اليهود، تحت طائلة السجن ثلاث سنوات. 

الجرائم النازية لا تبلغ نقطة في بحر المذابح والجرائم «الإسرائيلية» ضد شعبنا وأمتنا منذ زمن العصابات الإرهابية اليهودية، ومنذ تشكيل دويلة الاحتلال السوبر فاشية عام 1948 وحتى هذه اللحظة. 

لقد تفوقت «إسرائيل» على كل الطغاة في التاريخيْن القديم والحديث، والآن تنكر «إسرائيل» على بولندا سنّ قانون وطني خاص بها.