Menu

عن المثقف الفلسطيني

محمد حجازي

بدون أدنى شك أن هناك تراجعا كبيرا حدث، في دور النخب الثقافية من كتاب رأي وناشطين اجتماعيين و سياسيين مستقلين  بدرجة كبيرة ، لصاح إعادة إنتاج دور وعي زائف لدى المجتمع ، عناوينه ومضامينه أخذت تتبلور منذ بداية الإنقسام ، لصالح القوى المهيمنة على الساحة السياسية و المجتمعية ، تراجع دور السلطة الفلسطينية وغياب مؤسساتها، جعلت من دور المثقف مضاعفا لمواجهة التسلط و التخلف و المواجهة الثقافية  ، إلى جانب أن غياب الدولة و مؤسساتها فتح المجال للبحث عن حماية فردية وجماعية من نوع مختلف وهي العائلة وبمعنى آخر استحضار دور الوعي الريفي في الحياة العامة .

رافق ذلك أيضا تراجع دور المثقف بمفهومه الشامل ، وبروز جيل من " المثقفين " الجدد أنتجتهم حالة كثرت فيها  تفاصيل الإنقسام السياسي ومشاكله ، وهم إنعكاس لواقع مشوه سواء في الحقل السياسي أو الاجتماعي ، غياب الوعي   في الحالة السياسية هي أحد تجليات تراجع دور المثقف سوآءا المشتغل بالحقل السياسي أو الثقافي ، يبدو في هذا المجال أن توزع وتشتت الفلسطينيين بين مجتمعات مختلفة بفعل النكبة و الاستعمار الكولنيالي الذي بعثر وشتت الفلسطينيين دورا في ذلك ، وبالنهاية فالمثقف هو نتاج بيئته الإجتماعية ولكنه يتميز عنها بقدرته على تحسس الإشكاليات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية بشكل نقدي ، ويحول ذلك إلى منتج ثقافي وقد يصل إلى الإبداع في حالات نادرة ، وهنا أنا أتحدث عن مثقف "  غرامشي " ، لاحظوا كيف تراجع دور المثقف الفلسطيني الذي طحنته السياسة بحيث اصبح عبدا لها ، مثقف الحزب أو الفصيل  , ومثقف السلطة الذي أصبح يلهث وراء مزاياها .

وليس غريبا عندما وضع المفكر الفلسطيني الراحل إدوار سعيد شرطا للمثقف العضوي المتفاعل مع هموم شعبه أن يكون مستقلا , ذلك لأن المعرفة بحد ذاتها سلطة بحسب بيكون ولكن بالضرورة لا لوجود سلطة لا تعترف ولا ترتبط بنشأة حقل المعرفة بحسب فوكو ، لذلك على المثقف الذي يريد تحرير ذاته من أسرها ، أن يمارس دوره التنويري بحرية في نقده المركب ، نقد الموروث القديم وتفكيكه ونقد الجديد الحالي أي الواقع المعيشي و تحليله ، بمعنى آخر نقد الفكر السائد ونقد المجتمع بكل مكوناته ونقد السلطة .

في الخصوصية الفلسطينية كانت ولازالت الثقافة الوطنية هي بمثابة الجبهة الأمامي في مواجهة الإستعمار الكولنيالي الذي أستوطن في أرض فلسطين وطرد اهلها ، في محاولات طمس وتبديد الهوية الفلسطينية، برزت الثقافة في أبهى تجلياتها فخرج لدينا جيل من البدعين في مختلف المجالات ، بحثوا وبشكل دائم للإجابة على أسئلة الحياة الصعبة و المريرة .

في حاضرنا اختلطت هموم المثقف بقدرته على تامين حاجاته الأساسية ، الذي في الغالب يدفع ثمن مواقفه إزاء مختلف القضايا ، وتعرض لعملية إبتزازسواء في تأمين لقمة عيشه أو بالقدرة على التعبير عن أفكاره بكل حرية ،  حسابات السياسة وخاصة الخصام السياسي الحاصل في الساحة الفلسطينية عقد المشهد، وجعل من مهمة المثقف المشتغل بالثقافة او السياسة ان يتحرك في حقل من الألغام و الأشواك ، وأن يواجه ثقافة من نوع مختلف وهي استحضار الدين إلى الحق السياسي و الإجتماعي بشكل فظ وقاسي في محاولة لفرض رؤية إجتماعية شديدة القساوة و التعقيد على الناس و على المثقف بدرجة أساسية .

في البنية السياسية الفلسطينية الرسمية سواء في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة مجلسيها الوطني و المركزي لوحظ غياب واضح للفاعلين الحقيقيين في المجتمع الفلسطيني سواء للكتاب أو للناشطين الاجتماعيين ، لاحظ اجتماعالمركزي ، غياب واضح لجيل أو أكثر من الفاعلين الذين برزوا سواء في فضح ممارسات العدو ونقل الصورة للعالم ، أو الذين واجهوا الإنقسام الفلسطيني وحذروا من مخاطرة سوآءا بالكتابة أو غيرها ، هذا الجيل تم تغييبه عن قصد  ، أنظر لنشاطات الجاليات الفلسطينية في العالم ودورهم في حملات المقاطعة المتعددة الاشكال للعدو الإسرائيلي ، ودور المخيمات الفلسطينية في الشتات سوريا و لبنان ماذا عن حضور قضيتهم في محاولة الحفاظ على و جودهم و حياتهم ، في قطاع غزة جرت في الفترة الأخيرة تشكيل و إنشاء الكثير من المجموعات سواء شبابية او أطر سياسية للبحث عن اجوبة للواقع ، ولأخذ دور محدد في المعادلة السياسية , ولكن كل الجهود لم تحقق أو تصل إلى مستوى جيد من التأثير و المشاركة السياسية ، محاولات عديدة في الضفة الغربية و قطاع غزة و الشتات تجمعات ولقاءات ولكن الواقع المر شتتهم و أضعفهم .

ولكن يبقى للمثقف سواء الذي ينتج أدبا أو فكرا تنويريا على قلتهم وندرهم أو كتاب المقالات السياسية ايضا على ندرتهم " لأن ليس كل من كتب مقالا في السياسة هو كاتب بحق و الأمثلة عديدة ومتنوعة "  دورا في البحث عن الحقيقة من خلال الإجابة على الأسئلة التي يطرحها الواقع ، منحازين لهموم الناس وللوطن ، كما تبقى الحرية الثقافية التي لا يحدها حد هي التي نعول عليها وينتظرها شعبنا .