Menu

كفلسطينيين… واقعنا وما نحتاجه (1)

د.فايز رشيد

” إسرائيل ماضية في تحقيق ما تهدف إليه: “يهودية الدولة” , السيطرة على “أرض إسرائيل” , وعلى جدول أعمال الكنيست مشروع قانون “القومية”, زادت إسرائيل من قتلها لأبناء وبنات شعبنا, ومن اعتقالها لمناضلينا, ومن هدمها للبيوت, وبنائها للطرق الالتفافية وللجدران مع كل محيطها. إن نسبة الاستيطان زادت 2,5 مرة بعد اتفاقيات أوسلو عما قبلها.”

بداية, وقبل الإجابة على سؤال المرحلة المهم, علينا استعراض أهم معطيات الواقع الفلسطيني حاليا. بالفعل, وبعد مضي ما يقارب الربع قرن على توقيع اتفاقية أوسلو الأولى عام 1993, والثانية عام 1995, وما تلاهما من اتفاقيات فيما بعد, دعونا نتفحص النتائج التي أسفر عنها توقيع هذه الاتفاقيات المشؤومة. فرغم التنازلات الكارثية التي قدمتها قيادة منظمة التحرير, بشكل أسوأ حتى مما جاءت به بنود الاتفاقيات, نجد أننا أخفقنا في تحقيق الحد الأدنى من حقوقنا الوطنية, بل نشهد تراجعا للمشروع الوطني الفلسطيني عموماً. لقد جرى تقديم تنازلات جديدة, لم يحلم حتى الإسرائيليون بالحصول عليها! الأمر الذي حدا بإسرائيل إلى المضي قدما في مسيرة الأهداف التي تسعى إليها منذ إقامة دولتها: تهويد القدس , زيادة وتائر الاستيطان وقد بلغت نسبته حتى هذا اليوم(9 مارس 2018 ) 65% من مساحة الضفة الغربية,أي ما يعادل أكثر قليلا من 10% من مساحة فلسطين التاريخية.

ليس ذلك فحسب, بل إن إسرائيل ماضية في تحقيق ما تهدف إليه: “يهودية الدولة” , السيطرة على “أرض إسرائيل” , وعلى جدول أعمال الكنيست مشروع قانون “القومية”, زادت إسرائيل من قتلها لأبناء وبنات شعبنا, ومن اعتقالها لمناضلينا, ومن هدمها للبيوت, وبنائها للطرق الالتفافية وللجدران مع كل محيطها. إن نسبة الاستيطان زادت 2,5 مرة بعد اتفاقيات أوسلو عما قبلها. في ظل اتفاقيات أوسلو سنّت إسرائيل منذ عام 1995 حتى الآن 52 قانونا عنصريا , جزء منها متعلق بالمزيد من حرمان أهلنا في منطقة 48 من حقوقهم المنقوصة أصلا, والجزء الآخر منها ضد أهلنا في الضفة الغربية المحتلة. على جدول أعمال الكنيست 136 مشروع قانون عنصري جديد.

لم يكن الوعد بإقامة دولة فلسطينية في اتفاقيات أوسلو, حتى منقوصة السيادة, ومنزوعة السلاح سوى وهم في أذهان الذين وقعوها من الفلسطينيين, وتكتيك إسرائيلي محكم لإلهاء الفلسطينيبن, والإيحاء إعلاميا ودوليا بأن حركة “سلامية” تدور بين إسرائيل وأعدائها , بمعنى, أن إسرائيل حاولت أن تبدو للعالم وكأنها تعشق السلام! للعلم من قرأ إسرائيل من داخلها , ومنذ بن جوريون, مرورا بجولدة مائير, وشامير( الذي أعلن بأنه سيطيل المفاوضات مع الفلسطينيين عشرين عاما) وشارون الذي أعلن موت اتفاقيات أوسلو ,عندما أعاد اجتياح الضفة الغربية, ورابين, الذي بالنسبة إليه فإن (مواعيد أوسلو ليست مقدسة). وصولاً إلى نتنياهو, والحقائق التي تفرضها حكوماتها على الأرض..إلى.. إلى آخره تتزايد يوما بعد يوم.نعم, إن هدف إسرائيل من اتفاقيات أوسلو تمثل , وكما أعلنه رابين في الكنيست( إحضار المخربين إلى إسرائيل لإحكام الحصار عليهم). وفي مقابلة له مع الصحفي الإسرائيلي حاييم بار, الذي سأل رابين عن حقيقة سرّ توقيعه على اتفاقيات أوسلو , أجاب ” حقيقة أصبحت أشك في القدرة القتالية للجيش الإسرائيلي”.

تطورت الأوضاع إلى اعتراف ترامب ب القدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني, وقراره بنقل السفارة الأميركية إليها في الذكرى السبعين لإقامة دولة الكيان. ثم جاءت صفقة القرن, التي اتضحت بعض معالمها, والجانب الرسمي الفلسطيني ما زال يراهن على إمكانية تراجع أميركا عن موقفها حول القدس, ناسيا أو متناسبا طبيعة العلاقات التحالفية الاستراتيجية العضوية بين البلدين, فـ “ورقة الضمانات الاستراتيجية” التي أرسلها الرئيس الأميركي الأسبق بوش الابن إلى شارون عام 2004 تثبت ذلك. يراهن الجانب الفلسطيني على حل دولي, وهنا نسأل: هل يمكن للدول الأوروبية التصادم مع واشنطن؟ حتى المبادرة الفرنسية السرية الجديدة (كشفتها صحيفتا “هآرتس” و”يديعوزت أحرونوت”) لا تختلف في مضمونها عن التصور الأميركي. نعم, رغم كل التجربة الفاشلة للمفاوضات كنهج استراتيجي في الصراع مع العدو, ما زال التمسك به قائماً. لقد اعترف الأخ صائب عريقات صاحب نهج المفاوضات, وصاحب كتاب “الحياة مفاوضات” بكارثية هذا النهج , فهو قد صرّح للقناة الثانية الإسرائيلية “بأن الرئيس الحقيقي للشعب الفلسطيني هو وزير الجيش أفيجدور ليبرمان، أما رئيس الوزراء الفلسطيني فهو منسق شؤون الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة الجنرال يولي مردخاي “.

للأسف لم يعن التغير في المعادلة الاستراتيجية الإسرائيلية للتسوية للجانب الفلسطيني شيئا, وكذلك اعتبار السلطة بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية . إسرائيل قبلا , كانت تعتبر “الحل مع الفلسطينيين, مدخلا للعلاقات مع الدول العربية”. الآن هي تعتبر “أن العلاقات مع الدول العربية تعتبر مدخلا للحل مع الفلسطينيين”. بالفعل لقد تخلى البعض العربي عما يسمى بـ “مبادرة السلام العربية” التي أقرتها قمة بيروت 2002 لصالح التطبيع المجاني مع دولة الكيان الصهيوني. للأسف لا يجري التركيز على قرارات الشرعية الدولية كمرجعية أساسية في الحركة السياسية الفلسطينية. هذا إضافة إلى الانقسام الفلسطيني بين حكومتي رام الله وغزة. هذه هي صورة الوضع الراهن الفلسطيني والعربي. أما ما نحتاجه للرد على سؤال المرحلة المهم , فسنجيب عليه في المقالة التالية.