Menu

أخطاء القيادة الفلسطينية منذ العشرينات وحتى يومنا هذا

عمر شحادة

عمر شحادة

(تنشر بوابة الهدف ورقة مقدمة إلى المؤتمر السنوي لمركز الأبحاث الفلسطيني (2018)، الذي عقد في رام الله، بتاريخ 21 – 22 آذار 2018، بعنوان:"مراجعة استراتيجيات الحركة الوطنية الفلسطينية أين أخطأنا؟"، التي أعدها الأستاذ عمر شحادة عضو المجلس المركزي الفلسطيني، بتاريخ: 30/6/2015، بناء على طلب المركز في حينه. تكمن أهمية الورقة في أنها تأتي بروحية نقدية للأخطاء والإخفاقات التي وقعت فيها الحركة الوطنية الفلسطينية، وعليه قد تضع أمام المهتمين في الشأن الفلسطيني، مقدمات أساسية للبناء عليها في نقد الحالة الفلسطينية، وتفتح الأبواب لمراجعة وطنية حقيقية، على قاعدة الخروج من الأزمة الوطنية الشاملة، بما يصحح الوضع الفلسطيني، ويؤهلنا لإدارة صحيحة لأوضاعنا الداخلية من جهة، وللصراع مع العدو الصهيوني من جهة أخرى).

"مراجعة استراتيجيات الحركة الوطنية الفلسطينية أين أخطأنا"

في إطار المسعى للإجابة على سؤال : الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها القيادة الفلسطينية منذ العشرينات وحتى يومنا هذا ، أرى أن يجري تناول هذه المسألة على مرحلتين :

 ما قبل هزيمة حزيران 1967 وانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة وما بعدها .

إذا اعتبرنا الظروف والمعطيات الموضوعية مقرّرة فيما حل بشعبنا الفلسطيني من نكبة مستمرة حتى يومنا هذا ، فإن الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها القيادة الفلسطينية تعتبر من العوامل الذاتية الحاسمة في مآل القضية الوطنية منذ مطلع العشرينات ومن بينها :

قصور وفشل القيادة الفلسطينية في بلورة وصياغة برنامج وطني تحرري يوحدها ويوحد الشعب الفلسطيني، يقوم على تقرير المصير والاستقلال الوطني في مواجهة الانتداب /الاستعمار البريطاني، الذي سعى لتفتيتها بواسطة اللعب على المصالح الذاتية الأنانية وشراء الولاءات له ولتابعيه من الأمراء العرب آنذاك، وعجز القيادات الفلسطينية ومعها القيادات العربية عن توظيف المتغيرات الدولية وانتصار ثورة أكتوبر في روسيا عام 1917 ، التي فضحت اتفاقيات سايكس بيكو لتقاسم النفوذ البريطاني الفرنسي في بلاد الشام والهلال الخصيب .

خطيئة الرهان والارتهان للعوامل الخارجية ووعود " الانتداب البريطاني "  مُطلق  وراعي "وعد بلفور" وللأنظمة والجيوش العربية التقليدية المرتبطة والتابعة لهذا الانتداب، على حساب توحيد  الدعم العربي للمقاومة الشعبية بما فيها المسلحة التي وصلت ذروتها في ثورة فلسطين الكبرى ، ثورة 1936 – 1939.

التردد والانقسام في اعتماد المقاومة المسلحة المشروعة لنيل حق تقرير المصير، وهو الأمر الذي تلافته القيادات الفلسطينية بعد هزيمة حزيران 1967، وأثبت جدواه في استعادة الكيانية الوطنية والهوية السياسية لشعبنا وانتزاع الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً له على المستويين العربي والدولي .

الميل الغالب لمعظم القيادات التقليدية والمحافظة للتركيز على الزعامة الفردية وإهمال العمل المؤسسي والتمثيلي والتشاركي، والجنوح لقبول الدعم المالي والمساعدات والامتيازات من دولة الانتداب وأجهزتها، فيما كانت تبيد أنوية ومظاهر المقاومة المسلحة عبر شتى أساليب القمع  والقتل والإرهاب وتدعم العصابات الإرهابية الصهيونية ومخططاتها الاستيطانية .

وبرغم كل هذه الظروف الموضوعية والذاتية المجافية، فإن القيادات الفلسطينية آنذاك رفضت بالاجماع قبول قرار التقسيم عام 1947 ولم يجرؤ اي منها على الاعتراف بشرعية الكيان الاسرائيلي او حقه في الوجود على ارض فلسطين.

ما بعد هزيمة حزيران 1967 وانطلاقة المقاومة المسلحة أو الكفاح المسلح

 ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى قسمين :

ما قبل عام 1982 وخروج القوات العسكرية لمنظمة التحرير من لبنان بعد حصار بيروت ، وما بعدها.

ففي الفترة ما قبل عام 1982 ، ورغم الانتصارات التي حصدها الكفاح الملسح والاعتراف الرسمي العربي والدولي بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً لشعبنا، تمثل خطأ القيادة الاكبر في الأردن بإهمال العلاقة مع الجماهير الأردنية التي احتضنت المقاومة وتهميش واحتواء الحركة الوطنية الأردنية، بدلاً من تعزيز هويتها واستقلاليتها وصياغة برنامج شراكة نضال تحرري لفلسطين وديمقراطي اجتماعي للأردن .

وهو الأمر الذي سهل ومكّن القوى الرجعية والإمبريالية والصهيونية من زرع الفتن والنعرات وصولاً لتصفية الظاهرة العلنية المسلحة في الأردن بالقوة العسكرية وعزل الثورة الفلسطينية المعاصرة عن جماهيرها وقوى الثورة في مخيمات وتجمعات أبناء الشعب الفلسطيني الأكبر في دولة الطوق الأردن ، وهو الأمر الذي تكرر على نحو مفجع في لبنان ومخيماته بالقوة العسكرية ، ولكن هذه المرة على يد مجرم الحرب شارون وجيشه وعملائه، وهو الامر نفسه الذي يجري الآن على نحو تدميري وتصفوي جريا وراء نفس الهدف، بوسائل جديدة لتقويض الثقة بين الشعب وفصائله الوطنية التاريخية وقياداته، وعزلها عن القواعد الشعبية في كافة أماكن تواجدها، وبخاصة بعد دخول نفق أوسلو، وصولاً لانفضاضها عن منظمة التحرير وبرنامجها الوطني التحرري .

أما بعد عام 1982

 فإذا كانت الأخطاء العسكرية في الأردن ولبنان لا تنهي الثورة، فإن أهداف معسكر العدو الصهيوني الإمبريالي وأذنابه كان دفع القيادة الفلسطينية إلى اقتراف الخطأ السياسي الذي ينهي الثورة الفلسطينية المعاصرة ويعود بالشعب الفلسطيني القهقري إلى الوقوف على أبواب وكالة الغوث والمنظمات الدولية والدول المانحة طلباً للإغاثة الإنسانية فحسب .

وتمثل هذا الخطأ السياسي القاتل والمدمر في :

  توجه القيادة الرسمية بعيداً عن دول الطوق وفلسطين المحتلة ، بعد اجتياح لبنان عام 1982 ، ونشر القوات المسلحة لمنظمة التحرير في البلدان العربية ما بين قارتي آسيا وأفريقيا، وإبحارها إلى تونس، عبر مصر ( السادات – مبارك )، كاسرة طوق المقاطعة العربية لاتفاقية و لمشروع كامب ديفيد، وهو ما فهم من قبل الولايات المتحدة واسرائيل، وانطوى على قبول مبدئي لاتفاقية "كامب ديفيد" المصرية - الإسرائيلية ووعدها للسادات بحكم ذاتي للفلسطينيين والاعتراف بإسرائيل.

أما الخطأ الثاني والمرتبط بما سبقه، فهو توقيع اتفاقية / إعلان أوسلو ومذكرة الاعتراف بدولة إسرائيل غير محددة الحدود النهائية على 78 % من أرض فلسطين التاريخية، مقابل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ( التي لم تعد كما كانت بعد الاعتراف بدولة إسرائيل ووسم الكفاح المسلح الفلسطيني بالإرهاب ونبذه ) ، دون أي التزام إسرائيلي أو دولي أو أمريكي بخصوص قضايا الأسرى و القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه .... التي أحيلت جميعها إلى ما يسمى بمفاوضات الحل النهائي .

وهو ما شكل خطوة  نوعية في توسيع مجرى معاهدة كامب ديفيد المصرية ومخططات ضرب ترابط النضال الوطني والقومي، بدءاً بمعاهدة " وادي عربة " مرورا بفتح باب التطبيع على مصراعيه بين إسرائيل والدول العربية وبكسر طوق العزلة الدولية عنها وصولاً لشل الكفاح المسلح والمقاطعة العربية وخياري الحرب والسلام، فيما كانت قيادة الاحتلال تعمل ليل نهار في نشر الاستيطان واستقدام المستوطنين وتمضي في تنفيذ المشروع الصهيوني على الارض.

الخطأ الثالث هو الاستمرار في مجاراة ما يسمى بالسلام وتنفيذ الالتزامات الامنية والسياسية والاقتصادية من جانب واحد و في المفاوضات والحلول الثنائية بالمرجعية الأمريكية ، بعد انتهاء المرحلة الانتقالية ، وبعد فشل محادثات ( كامب ديفيد 2 ) وبعد اغتيال الرئيس ياسر عرفات ، وانكشاف مخططات تحويل سلطة الحكم الاداري الذاتي لخادم للاحتلال، وصولاً للانقسام السياسي والجغرافي ومواصلة تقويض منظمة التحرير ومؤسساتها ومخططات تحويل سلطة الحكم  الاداري الذاتي لخادم امني للاحتلال، حيث باتت القيادات الفلسطينية الآن، تفتقر لأية إستراتيجية أو أداة سياسية أو كفاحية موحدة ، واصبحت تتلاشى تدريجياً  لمصلحة اساليب العمل الفردي، ومعها ما كان يعتبرها ويفتخر بها الرئيس أبو عمار من "ديمقراطية" البنادق‘ (البنادق التي باتت مطاردة وموسومة بالإرهاب) أو من "ديمقراطية" على مستوى القواعد التنظيمية والمنظمات والاتحادات الشعبية الموحدة.

يمثل بروز مظاهر الفساد وتراجع الديمقراطية والحريات الخطأ الآخر وليس الأخير وهو لا يقل خطورة عن الخطأ السياسي ان لم يكن اكبر، فلقد باتت قضية الديمقراطية السياسية والاجتماعية وخصوصاً بعد قيام السلطة، وفي ظل المتغيرات والثورات العربية وانفلات الإرهاب التكفيري والإقصائي ومظاهر التدين السياسي، تمثل حجر الزاوية في إنقاذ نضال شعبنا ومنجزاته وكفاحه التحرري، وفي ترسيخ البرنامج الوطني السياسي والكفاحي، برنامج الإجماع الوطني والقومي في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، و انقاذ أداته منظمة التحرير الفلسطينية وبناء وحدة الشعب والقيادة وتنظيفها من الأدران والشوائب . إن الوطنية والديمقراطية في الحقيقة هما صنوان مترابطان عضوياً في تناسب طردي لا يتوقف، فديمقراطية أكثر تعني وطنية أكثر وبالعكس، بات اي فصل تعسفي بينهما مدمرا لهما معا .

إن المعطى الجديد الذي ينطوي على تحديات كبرى وإستراتيجية، في حاجة ماسة لقرارت إستراتيجية، لا تقل خطورة ونوعية وشجاعة عن قرارات التحضير وإطلاق الكفاح المسلح في أواسط ستينات القرن الماضي.

 ونحن نعيش الآن في حالة غير مستقرة ، يشهد فيها قطاع غزة ظاهرة نوعية غير مسبوقة، حيث الظاهرة العسكرية العلنية للقوى الوطنية والإسلامية القادرة على الثبات في داخل الأرض الفلسطينية، باتت إمكانية واقعية يمكن أن تتحول لو جرى رعايتها وتعزيزها بواقعية وحنكة ودهاء من قيادة وطنية موحدة، إلى معطى إستراتيجي جديد ،  في ترسيخ غير مشروط وتجسيد على الارض لقرار هيئة الامم المتحدة رقم67/19 بالاعتراف غير المسبوق بدولة فلسطين وعاصمتها القدس تحت الاحتلال،  هذا كله في وقت باءت فيه بالفشل محاولات الاحتلال لأسرلة أبناء شعبنا في مناطق ال 48 وطمس هويتهم الفلسطينية وحقوقهم القومية والمدنية وانتمائهم لشعبهم وأمتهم، وباتوا عاملاً سياسياً وديمغرافياً حاسما في معادلة الصراع الوطني والقومي والنضال ضد المشروع الامبريالي الصهيوني الإجلائي العنصري والكيان الاسرائيلي على ارض فلسطين .