Menu

ومَن غَلَبَت عليه شِقْوةٌ غَدَت له طَبعا..

علي عقلة عرسان

د. علي عقلة عرسان

الذين يعشَقون الحياة ويَصْنعونها، ويهدون زهوَها ونعيمَها لأجيالهم، ولسواهم من الناس.. يرونها في الحرية والعمل والعدل والأمَل، وفي التحرر من شرور الحاجة والسَّطوة والقهر والطّغْوَة والغَفلة ، ومن كل أشكال العبودية والتبعية والدُّونية، تلك التي تُذل إنسانا لإنسان، وتخضِع إنسانا لإنسان، وترهب إنسانا بإنسان.. ويقضونها عبادة وريادة بشيء من سعادة، رافعين راية العِلم والعمل به، وفتح أبوابه على مصاريعها، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، آخذين بقوله تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴿٣٣﴾ – سورة الرحمن. والسلطان هنا بمعنى المَعرفة، واستجلاء السُّبُل، واكتشاف القواعد، وفك المستغلق من الظواهر والأمور.. وهم لا يرون الحياة، بحالٍ من الأحوال، مُجرَّد ملء معدة وإفراغها، ويترفعن عن عيش البهيمة ذاك، ولا يريدونها إغفاءات في ظلمَة الضَّلال، تحت معسول الكلام، وفي ظلال خُضْرَة الأيام، صِباها وضحاها، صبحها ومساها، ولا يرونها اجترارا، ومتعة قول على قَول، آناء الليل وأطراف النهار، على بساطٍ من الرَّخاوة، والبلادة، والشهوة، والاستزادة… بل يرونها جهدا واجتهادا، وفَرحا بزهو الشفق، وإبداعا يتألق بنور العقل والقلب وصفو الروح، حين يبسط الأمن والسلام والعدل، ظلالا من النعيم والرحمة، على أرضهم، وأرض غيرهم من البشر.

 

أمَّا الذين يدمنون المَوتَ ويصنَعونه، فيرون الحياة في غير الخير الذي في كل ما سبقت الإشارة إليه، من الاختيارات والتوجهات الحَسَنة، بل ويرونها في نقائض ذلك. وهم يرسِّخون حياتَهم في الشَّرِّ، والرَّذيلة، والقَسوة، والظُّلم، والطغيان، والقتل.. ويستنبِتون أوقاتها وزهوَها ولذاتها، في الدم والإثم والكِبْر، ويدقُّون أوتادهم عميقا في كل ما يؤذي ويَضُر.. إنهم يرون أنفسهم فوق الناس، وفوق الحق والعدل، وفوق الأيام، بل أبقى وأَسَنَّ من “لُبَدٍ”، نسر لُقمان بن عاد، المُلقَّب بالرَّايش، ذاك الذي رامَ أن يدوم، وتمنَّى فخُيِّرَ، كما قيل، فاختارَ عُمرَ سبعة نسور، سَمَّى آخرها “لُبَدا”. ولُبَد عند بعض العرب، من أسماء الدَّهر. وقد” طَالَ الأبَدُ عَلَى لُبَدٍ.” فَعُمِّرَ لقمان طويلا، وظَنَّ أنه طاوَول الخلود أو يطاولُه، أو كما قال الأعشى:

فَعُمِّرَ حتَّى خَالَ أنَّ نُسوُرَه …

خلُودٌ، وَهَلْ تَبْقَي النُّفُوسُ عَلَى الدَّهْرِ؟

.. لكن الدَّرَ غلبَ لُبَدا، إذ حاول في يوم من الأيام أن ينهضَ فما استطاع، ومات أخيرا، ومات لُقمان بن عاد.. وأصبح ما كان له ومنه يبابا، بل قُل خَلاءً.. بمثل ما قال النابغة الذُّبياني:

أَمْسَتْ خَلاَءً وأَمْسَى أَهْلُهَا احْتَمَلُوا

أخْنَى عَلَيِهَا الَّذِي أخْنَى عَلَى لُبَدِ

فذاك مثل ذاك النوع من البشر الذين يفسدون الحياة، ويشمخون مطاولين الدَّهر، متجاوزين على الحق والعدل، ظانين أنهم الخُلود.. ولا خُلود، فكما قال كعبُ بن زهير:

كل ابن أنثى، وإن طَالت سلامتُه

يوما على آلةٍ حدباءَ مَحمولُ

أولئك يُشقون العِباد، ويدمِّرون العمران، ويسلبون الناس أفضل ما في الحياة، ويبغونها عِوَجا. إنهم يستمتعون بالإشقاء والفجور والقهر، وبسلب الآخرين ما حَباهم الله إياه من فِطرة خيِّرة، وتآخٍ وتسامح وتعايش، وما مَنَّ عليهم به مِن رزقٍ حلال طَيِّب، ومن قناعة ترفعُ أهلها، الطيبين القانعين، ملوكا بلا تيجان، وقامات سامقة بلا صهوات ولا صولات، ولا تماثيل.. ترفعهم قدوة، وأعلاما حقيقيين، لا تصنعهم الادعاءات والافتراءات.. ولا الصَنَّاجة، والطبّالون، والزَّمَّارون، والمطيِّباتيّة الرَّقَّاصون.

وأولئك يغمُّ عليهم الوقت، فلا يشعرون إلا وأنهم آفلون، أو على وشك الأفول، خاسرين.. وساعتئذٍ لا ينفعهم شيء، ولا فائدة في قولهم، إن هم قالوا ذات وقت، حتى عندَ الغَرغَرَة.. ما قاله بنو كَرْكَر بن عاد بن قحطان، وقد غُلبوا على أمرهم، وسُدَّت بوجههم السبُلُ والآفاق.. ما قالوه لسيدهم وصاحب أمرهم، السُّميدَع بن زهير، حين قال لهم، ما خلاصته: “كنتم أهل مكر، لا يثق بكم قريب ولا بعيد، ولا يأمنُكم بغيض ولا حبيب، أقرضتم الدَّهر قرضا فردَّه إليكم فلم تَرضوه”.. إذ قالوا له: “قد عَلمنا أنَّا فتحنا على أنفسنا بابَ المَوت، فدلَّنا على باب الحياة؟. وكانت تلك يقظة متأخرة.. لكن ما العمل، ولاتَ مَندَم، ووبعد فَوات الوقت، حيث تَرى أصحاب ذلك النهج والسلوك والمصير، كأعجاز نَخْلٍ مُنْقَعِر، وكما قال تعالى: ﴿ مُّهْطِعِينَ إلى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَـذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴿٨﴾ – سورة القمر.

ليست الحياة ضريبة موت، وأقساط شقاء، وألوان معاناة، يدفعها بعض الناس لبعضِ الطغاة البُغاة من الناس المُتَجبِّرين، المعتصمين بقوة الشر.. ولا هي غصص متلاحقات في حلوق أكثر البشر، تسبِّبها قلَّةٌ منهم لكَثرَة.. قلَّة تجعل الأبرياء وقودا لكبريائها، ونزواتها، وشهوتها للتسلط، ونزوعها للقتل والدم.. وليست الحياة هبة من أحدٍ لأحد، ولا من زعيم لشعب وبلد، ولا من شخصٍ “مُعصوم؟!” لفئات من الخلق يراها موصومة، بما يشاء من رذائل ووصمات وصفات، وشبه أوبئة وأدواء، كما يخيّل له توهمه أو جنونه.. الحياة حق للحي، كل حي، ولا يمنحها إلا الله، ولا ينتزعها إلا هو سبحانه.. وكل ما يتصل ببقائها وجوهرها وخصوصيتها وأبعادها وآمادها، موقوفٌ على صاحبها، وعلى مَن هم مشترِكون معه في الشرط الإنساني والمصير الإنساني، في حدود خصوصية كل منهم، وحقه في الحياة، بما لا يتجاوز على حق حي آخر، مساوٍ له، وشريك له، في الشرط والمصير.

وإذا كان الضّعفاء، والفقراء، والطّيبون، والبسطاء، والمسالمون من البشر، لا سيما الأطفال من بين خلق الله البشر، يَعلَقون بين ظالم وظالم، ويغرقون في جحيم على الأرض، أو في نكَبات تبدأ من فقدان مقومات العيش، أي مستوى ونوع من العَيش، وتستمر في جوٍّ من الرعب والمُعاناة، وتنتهي بالأمراض والأوبئة التي تُفضى بهم إلى القبور، وتنشر البلاء والوباء بين الناس.. ويفقد ذووهم القدرةَ على إنقاذهم، بل القدرة حتى على إنقاذ أنفسهم، هم بالذات، من الجحيم الزاحف عليهم، وعلى سواهم، حيث يفقد هؤلاء وأولئك، الحياة ذاتها، وليس حقوقهم الطبيعية في أثنائها فقط. ومن نكبات الضمير، وبؤس العقل، وتصحُّر الأنفس.. أن يجري كل هذا، تحت سمع بشر آخرين، عاجزين عن القيام بأي شيء، من جهة.. وفي خضمِّ استمتاع آخرين، يتفرجون من شرفات الوقت على مشاهد البؤس البشري، ولا يعنيهم من ذلك الأمر شيء، من جهة أخرى. ومما يزيد الإفلاس درجات، أن ذلك يجري أيضا تحت سمع وبصر “جهات، ومؤسسات، ومنظمات، ودول، وتحالفات، و.. و..”، يُفتَرَض بها أن تمنع ذلك، أو ألا تقوم به. وإذ ذاك، وفي جحيم المِحنَة، يتساءل المرء: أي معنى للشرائع، والقوانين، والمواثيق، “الوطنية والإقليمية والدولية”، الإنسانية والحقوقية..؟! وأية قيمة للمواثيق الدولية، والهيئات التي تسمَّى “إنسانية”؟! وأي تأثير للدين والدولة، في هذا الشأن الكارثي، الذي يحيق بالإنسان والحياة ذاتها؟!

إن ملايين الأطفال ماتوا في الحروب الهمجية، ويموتون جراء المجاعات، والجائحات الوبائية، ومن جراء نهب الحيتان البشرية لخيرات الشعوب في معظم الكرة الأرضية.. وملايين أكثر، من الأطفال وسواهم من المدنيين على الخصوص، هم قيد المُعاناة، وفي أحضان الشقاء، و”الموت العزيز”.. ملايين البشر في المنافي الشاسعة، في الحِصار، في مُخيمات الموت، في المعتقلات، أو في البؤس البشري الذي بوسع الأرض.. وما زال أولئك المتحكمون بمصائر البشر، يقومون بالمذابح، ويتسببون في الشقاء، ويسفكون الدم البشري بلا رحمة ولا رادع، ويتربعون على رقاب العباد، ويصمونهم بما لا ىفطاق.. وما زال سَدَنة القوة، وأرباب الحروب.. يديرون الصراعات وينمونها، ويرصدون مئات المليارات من الدولات لآلة الحرب: “للقتل، والتشريد، وإشقاء البشرية، وتهديدها في أمنها وعيشها ووجودها ذاته.. ولا يكفّون عن التنافس في تطوير آلة الدّمار، وأدوات الرعب، وأساليب الإرهاب، والتعذيب، والفتك بالإنسان، جسدا وروحا وقيما؟!.. ولا جدوى من السؤال: بأي حق؟ ولماذا؟ وإلى متى؟!

في بلداننا، الواقعة بين أنياب الوجوش البشرية ومخالبها، تعاني شعوبنا من الكوارث،” كوارث الحروب، وكوارث السياسات، وكوارث الحماقات، وكوارث المؤامرات، وكوارث المجاعات والفجائع، وكوارث الفِتن والجنون.. في فلسطين، في اليمن، في ليبيا ، في سوريا، في العراق، في.. في.. في.. الأطفال يموتون، والأجيال بلا مستقبل، والناس يُقتلون، ويُشرَّدون، ويُحاصرون، ويُظلمون، وتستمر معاناتهم، على أيدي تجار الحروب وفجارها والمستثمرين فيها والمتهيئين للانقضاض على الناس في مناخها.. فمتى يتوقف أهل “الشر الخالد”، و”أهل الإشقاء الأبدي”، عن الفتك بالناس وبالحياة؟! لا نريد من أولئك أموالا لإنقاذ الأطفال من براثن المرض والجوع والفقر، ولتخفيف المعاناة عن البشر المنكوبين ببعض بني البشر.. بل نريد منهم ألا يخصِّصوا بلايين الدولارات لمزيد من القتل، والتدمير، والفتك بالحياة، والعمران، والحضارة.. بالقيم، والأخلاق، بالإنسانية والدين، بالفضائل جميعا، والحقوق جميعا.. إذ أي شيء أكبر إثما وإجراما وإرهابا من قتل الإنسان، أو ترميده حيا، ومن تدمير البيئة ومقومات الحياة، وإغلاق آفاق المستقبل أمام الأحياء، لا سيما الأجيال الصاعدة، والقضاء على الآمال، حيث تُدمَّر حالما تبرعم، هذا إن هي بَرعَمت أصلا.

لقد آن أوان، أن يحكم العالم ويتحكَّم به، وعيٌ إنساني مسؤول، وضميرٌ حيٌ، وخُلُق قويم، وعقلٌ نظيف، ومعايير أخلاقية ـ إنسانية، وسياسات رشيدة، متعاونة، متكافلة، متكاملة، متضامنة ضد الشر، والبؤس، والشقاء.. ضدَّ الحرب، والإرهاب، والقتل، والتآمر، والجشع، والنهب، والطموحات الهدّامة، التي تعيد إلى الأذهان عنصريات مقيتة، ونزوات بدائية، وأيديولوجيات متخلفة ومتحجرة، وسياسات عدوانية،عنصرية، طُغيانية، على أنماط وصيغ مطورة من النازية، والفاشية، والميكافلية، والصهيونية.. وآنَ أن يتخلص عالمنا من حكم المجانين، ومن هم في حكمهم وعلى شاكلتهم، ومن أدواتهم، وأساليبهم، وشراستهم، وشرورهم، وعقولهم المحشّوة بفساد الرأي والرؤية، وبأشكال مدمِّرة من الفساد والإفساد، وبمنطق القوة المتوحشة العمياء، وجنون الحروب.

العالم يحتاج إلى غير هذا النوع من المخلوقات، والساسة، والسياسات، والأفكار، والتدابير.. وإلى أحكام غير هذه الأحكام، وإلى حكام وحكومات وتوجهات، مغايرة لكل ما ابتلينا به، وما يحكمنا، ويبدو أن سيحكمنا إلى مدى غير منظور.. وفي ذلك الإشقاء والإفناء.

لسنا بحاجة إلى سباق تسلح جديد يا سادة القوة، أنتم تفعلون ذلك، وتطلون نواياكم بالنفاق، وتموهون بانكشاف صارخ.. كل شيء مكشوف، وكلامكم الملغَّم بالخداع يكشف كل ذلك السباق المحموم إلى الصراع الدامي، ويعريكم قبل أن تتعروا علنا، بكثير من الزمن. النفاق السياسي لا يبني العالم، وقد عرفناه وخبرناه، ودفعنا ثمنه وما زلنا ندفع. نحن لا نريد أموالكم أيها السادة، لا نريدها لنا، ولا نريد أموال الأغنياء لنا.. نعرف أنها لكم، ونعرف أنكم أقدر على نهبها بطرق شتى، ونعرف قبل كل شيء أنها مسمومة.. نحن ندعوكم إلى أن تضعوا ملياراتكم في خدمة الحياة والحضارة والسلم والأمن.. لا أن ترصدوها لإشقاء البشرية، وقتل الإنسان. لسنا بحاجة إلى مال يخدم القتل والدَّمار والرعب، ويُستَخدم ويُستَثمَر في ذلك، ويكدَّس قوة مدمرة، في خدمة أصحاب التطلعات الدّموية، العنصرية، التسلطية الاستعمارية، وبيد ذوي التكوين المَرَضي، السياسي والأيديولوجي، النرجسي وغير النرجسي. لقد خبرنا ذلك منكم على مدى زمن طويل جدا، ونزفنا دما غزيرا جدا، ونعرف الكثير الكثير، مما يُقال ومما لا يُقال.. وقد كفى.. كفى.. كفى.

فلتكن بعض ملياراتكم أيها السادة للسلام، للأمن، للجياع، للمرضى، للقيم الخيّرة، والثقافة البناءة، والحضارة الإنسانية، من أجل عالم مشترك، تسوده المثاقفة الحضارية السليمة، والقيم الرفيعة.. فليكن ذلك أيها السادة أو شيء من ذلك. ضعوا مالا في خدمة الحياة وليس في خدمة الدمار والموت والرعب، أو في توازن الرّعب.. ولتكن بعض أموالكم، أيها الساسة المحكومون بغطرسة القوة الغاشمة، في خدمة القوة الأخلاقية، والنظافة السياسية.. لا تساعدوا على إعمار ما دمرتموه لنا وفينا، لأن مالكم مسموم بأطماعكم، وبرغبة جامحة في الاستعمار والهيمنة، أنتم البخل والجشع والخداع والاحتيال، في هذا المجال وفي سواه، إذ إنكم المَصالح، والمصَلح فقط. والمصالح، ليس لها سلَّم قيم إنساني يحكمها، فهي في خدمة سياسة، والسياسة لا تحكمُها الأخلاق كما تقولون. ما نريده منكم هو أن تكفوا عن التدمير، وعن الاستثمار في التدمير والرعب والإرهاب والحرب.. حِدّوا من شغفكم بإراقة الدماء، ومن جشعكم في تجارة الأسلحة، وأدوات التدمير، وأساليب القتل ووسائله.. تاجروا في التنمية البشرية، والطبيعية، والثقافية والحضارية. لا نريدكم أن تتقاتلوا مباشرة، ولا أن تستمروا بالاقتتال عبر وكلاء، ليس هذا في صالحكم، ولا في صالحنا، ولا في مصلحة العالم.

لا تطوروا الأسلحة النووية التي تملكونها، إذ هي تكفي لتدمير عالمنا عشرات المَرات، بل طوروا علوما وصناعات وتقنيات وأسالب بحث وربح ونفوذ في مناخ السلم، وبما يعود على البشر بالنفع والتقدم والسعادة، بدلا من الفتك والإبادة والإشقاء.

فهل إلى ذلك من سبيل يا تُرى، أم أنكم جُبلتم على ما أنتم عليه مما نَراه، ومما يثمر موتا، ويزرع موتا، وينشغل بتنمية الموت؟!

أقول، وأغصّ بالقول، إذ أسمع استغاثات الأطفال، ومَن هم أحياء تحت الرَّدم، ومن هم في عذاب المنافي والرعب، ومن هم تحت شَفرة الموت، مرضا وجوعا وعذابا وإرهابا.. أقول، ولساني عَجْزٌ، وفي فمي بدل الماء دماء، أقول: إنكم قد لا تسمعون أيها السادة، وإذا سَمعتم لا تنتبهون، وإذا انتبهتم لا تكترثون، وإذا اكترثتم، لا ترعوون.. لقد تشربتم حقد القوة ونزعة القتل، تشربا جعلهما نسيج خلاياكم، ولا شفاء لكم من ذلك.. وكلما لفَحتكُم شمس الوقع، ظمئت خلاياكم لشرّها، فأدمنتم داءكم.. ولقد غَلَبَت عليكم شِقوتُكم، أو طبيعتُكم، ومن يكن الإشقاء طبيعته، قد يغيِّرها، وقد لا يرتجى منه خير.

واللهُ وليُّ الأمر، مِن قبلُ ومِن بَعد.