Menu

فوبيا البوتينية الروسية.. أسبابها!

حاتم استانبولي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتن

منذ أن تمت المساومة بين بوتين ويلتسين على أن يترك الأخير منصبه مقابل عدم محاسبته على أفعاله التي أضرت بروسيا وشعبها نظرت الدول الغربية للتغيير بارتياب واكثرها قلقاً كانت بريطانيا. وبدأت ببث  إشارات  إلى حلفائها بأن قدوم بوتين ليس إيجابياً وعليهم محاصرته.
منذ بداية تسلم الرئيس بوتين بدأ بإعادة ترتيب البيت الداخلي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وبدأ بإعادة صياغة العلاقات الداخلية في روسيا على قاعدة احترام تاريخها ودورها وبدأ بإعادة بناء القوات المسلحة الروسية وعمل على تشكيل حلف دول الأوراسي وأنهى الحرب في الشيشان. وتعاطى مع الدول الغربية بسياسة ناعمة مدركاً أن المواجهة قادمة لا محالة.
كان يدرك أن أجهزة الغرب وفي مرحلة يلتسن كانت قد تغلغلت في المؤسسات الروسية وعليه فقد خاض مرحلة كان لا بد منها وهي المهادنة مع الغرب لتنظيف الجبهة الداخلية من أعوانها.
الهدنة بين روسيا والغرب انتهت عندما قامت كل من أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وعبر وفد مشترك يقوده جون ماكين بالتشجيع على الانقلاب الأوكراني على الرئيس الشرعي المنتخب في محاولة للتضييق على روسيا في عقر دارها فكان الرد الروسي صاعقاً في استعادة القرم والتمدد في شرق أوكرانيا وهذه كانت إشارة الى أن روسيا أطلقت صرختها بوجه الغرب كفى تغول هذه الخطوة  لم تكن متوقعة  من قبل الغرب وجعلتها تعود خطوة إلى الوراء لتوحيد صفوفها لمواجهة صحوة الدب الروسي من سباته.
وفي خطوة أخرى ومن على منبر الأمم المتحدة طرح الرئيس بوتين سياسة روسيا التي تستند للقوانين الدولية في مجابهة الحلف الثلاثي الغربي الذي يريد أن يقوض القانون الدولي بشأن استقلالية الدول. وأعلن من هذا المنبر أن روسيا ستقوم بدعم الدولة السورية وتلبية طلب الحكومة السورية لدعم جهودها في محاربة الإرهاب المدعوم من قبل ثلاثية لندن وواشنطن وباريس وأعوانهم في المنطقة.
هنا بدأت المواجهة الفعلية بين روسيا والثلاثي الغربي بشكل حاد في الساحة السورية وكشف كذب وازدواجية الثلاثي الغربي في دعواتهم لمحاربة الأرهاب وبدأت موازين القوى تتغير في الميدان السوري وكل تغير فيه كان يوازيه تغير في الميزان الدولي وانسحاب الدول من الجبهة العالمية ضد سوريا التي بدأت باجتماع تونس بـ 83 دولة ليصبح أقل من عدد أصابع اليد ناهيك عن التراجع في الحاضنات الشعبية وانكشاف المراكز الأعلامية وكذبها ودورها في عملية التفتيت للنسيج الأجتماعي وكشف دعاة الدين السياسي ودورهم في تخريب الوعي الوطني الجمعي لشعوب المنطقة. والأهم انكشاف دور حكومات الدول الغربية بين شعوبهم التي بدأت تعي أن حملة الكذب الممنهج عبر وسائل إعلامها هي صحيحة .
ولكل ما سبق فان الدور الروسي بدأ يكتسب مصداقية بين الشعوب الأوروبية وبحده الأدنى بدأ يطرح تساؤل عن مصداقية حكوماتهم، كل ذلك دعا أن يقوم الغرب بحملة دعائية مضادة بدأت بمحاولة خلق رأي عام بأن الجيش السوري يستخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه والطلب من روسيا بالضغط على الرئيس السوري بوقف ذلك وكانت الاجابة أن سلمت سوريا كل مخزونها من هذا السلاح وكانت خطوة استباقية ولكن الغرب استمر في التحريض على سوريا وتطور الأمر أن روسيا تشارك الجيش السوري في استخدام السلاح الكيماوي. وفي محاولة لتأكيد ذلك جائت الخطوة البريطانية باتهام روسيا بتسميم الجاسوس الروسي سكيربال لكي تربط بين ادعائها في سوريا واعتداء بريطانيا.
قضية سكيربال هي تأتي في سياق الرد على إنجازات روسيا وفي محاولة للتصدي للدور الروسي المتصاعد وتبرير خطوات جمعية ضدها على الصعد السياسية والاقتصادية والإعلامية أن قرار وقف بث محطة روسيا اليوم في الولايات المتحدة واعتبارها (عميل أجنبي) يأتي بهذا السياق. يبدو أن أهم معركة تم كسبها بعد الميدان السوري والأوكراني هي معركة الإعلام. كل هذه الإنجازات الروسية كان لا بد من مجابهتها وحصارها للتأثير على دورها الذي أصبح واقعاً المطلوب وقف امتداده.
إن الميدان السوري دفع الكثير من الدول لأعادة التفكير في سياساتها وأن العلاقة مع أمريكا ليس قدراً لا بد منه وأن هنالك قوى ناشئة ذات مصداقية من الممكن الاستناد لها في الحفاظ على سيادة الدول والشعوب وما تجمع دول بريكس إذا ما قدر له النجاح في الاعلان عن البنك الدولي الجديد سيشكل الذراع الاقتصادية للخروج من الهيمنة الامريكية على اقتصاديات الدول الناشئة.
السياسات الروسية (البوتينية) إذا ما أضفنا لها الدعم الصيني الهادىء سيشكل في المرحلة القادمة السمة العامة للصراع الدولي الجديد بين محاولات إبقاء الهيمنة لثلاثية الغرب وسياسات الخروج منها. وعلينا أن نؤكد أن كل ذلك يدور بين رأسماليات ناشئة وبين إمبرياليات متراجعة. بين رأسماليات تحاول الحفاظ على سوقها القومي وبين إمبرياليات تسعى لإبقاء الهيمنة الاستعمارية على دول وشعوب العالم. والمستقبل يوحي بأن التغير في الدور الامبريالي ستتغير مواقعه وعواصمه وصعود الرأسماليات سيتطلب تغيرات جوهرية في النظام الرأسمالي العالمي ومن الممكن أن تتطلب عمليات جراحية في منظومتها وأدواتها ووسائلها.