مشاهد السحل والتنكيل القادمة من الخان الأحمر والتي قام بها جيش وأمن العدو إذ تشي بوحشية الاحتلال، فإنها أيضًا تعلن الكثير عن صلابة وإرادة أبناء شعبنا في مواجهة العدو الصهيوني ومخططاته، فعلى امتداد فلسطين التاريخية يطور اليوم أبناء هذا الشعب أدوات نضالهم لصد الهجمة الصهيونية متعددة الأذرع.
هذا النضال يأتي رغم العجز والتقصير الواضح من المستوى الرسمي الفلسطيني، وتراكم آثار أعوام من الانقسام تركت ظلالها على قدرة ابناء شعبنا ووحدته الوطنية والميدانية، والتبعات الخطيرة لسياسة التنسيق الأمني الهادفة لتقويض قدرة شعبنا على المقاومة، لتؤكد الجماهير والقوى الشعبية مجدداً نيتها وقدرتها على الاستمرار في المعركة.
فإذا نظرنا لساحات فلسطين اليوم سنجد عشرات نقاط الفعل الجماهيري النشط باتجاه الاشتباك مع العدو، وعناوين كثيرة للتحرك الديموقراطي السلمي لتصويب السياسات الخاطئة وفي المقدمة منها سياسة العقوبات المتخذة ضد قطاع غزة، هذه الفعاليات تحتاج من القوى الفلسطينية طرح برامجها لإسناد البرنامج النضالي اليومي المتشكل بفعل الجماهير، والنضال وطنياً لتحقيق الوحدة الكفاحية على برنامج وطني موحد يكفل تحقيق أهداف شعبنا.
المحور الطبيعي لعمل الفصائل والقوى الوطنية اليوم هو ضمان استنهاض مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، وإخراجه من مأزق أوسلو وما تبعه من سياسات الانقسام، وهذه حاجة وضرورة وطنية لا يجب أن يكون سقفها مواجهة صفقة القرن فحسب، بل إعادة إحياء روافع الفعل الفلسطيني وأدواته، والتوافق على أهداف هذا الفعل بسقف وطني يتجاوز أوهام المفاوضات ورهانات التسوية، وهو ما يستدعي أولا ضمان صمود وتمدد مساحات الفعل الجماهيري القائم من خلال الاسناد الفعال له، سواء بالحشد البشري من مناضلي هذه الفصائل، أو بالقدرة التنظيمية الفعالة على تجنيد موارد الصمود ومد مساحات الاشتباك مع العدو، وهذا كله لا يتم دون مراجعات جدية داخل الفصائل لجدول يومياتها الوطني، باتجاه يرمي على الأقل لبناء برامج نضالية فصلية لدعم الحراكات الوطنية والجهود الجماهيرية القائمة وتوسيع انخراط الكوادر الفصائلية بها .
وفي الداخل الفلسطيني هناك حاجة ماسة لفعل سياسي فلسطيني داخلي، يركز أولا على توافق فلسطيني معلن وموثق يحدد الخطوط الحمراء فلسطينياً التي يبدو التوافق عليها واضحاً على غرار صفقة القرن، بما يشمل أيضا تحديد جملة من المهمات الوطنية العاجلة للعمل على إنجازها من بينها تفعيل الحراك الشعبي العربي ضد التطبيع، وتعزيز الفعل التضامني الدولي مع القضية الفلسطينية، وإذا كانت إرادة الانقسام تعطل التوافق على برنامج وطني فلن نعجز وطنياً عن التوافق على حملة شعبية موجهة ضد سفارات الاحتلال والإدارة الامريكية تضخ فيها كل الطاقات الوطنية.
داخل الفصائل والقوى الوطنية هناك طاقات وكوادر وقيادات قادرة على فعل خلاق يتجاوز حدود الانقسام، ويؤسس لمبادرات حقيقية تسهم في نقل الجهود الشعبية بشكل نوعي في مواجهة محاولات تصفية القضية، وهو ما يستدعي بالتأكيد الشروع في التواصل والتخطيط المشترك على المستوى الفصائلي حيثما أمكن ذلك، والخروج لشعبنا بهذه الأفعال الملهمة له في صموده ونضاله اليومي.
ما نحاول قوله في هذه السطور، أن شعبنا لن يبقى محكوم لمفاعيل الانقسام، وورثة أوسلو وأوهام السلطة والحكم والصراعات حولها، والإرادة الوطنية الحقيقية اليوم تتمثل في إدراك نبض هذا الشعب والتعبير عنه واسناده، فهذا دور القوى الحية في هذا الشعب، وهذا واجبها وشعارها الأول: تحرير فلسطين.