قال الباحث ا"الإسرائيلي" لدى معهد الأمن القومي (INSS ) عساف أوريون [باحث رئيسي، رئيس برنامج بحوث نزع الشرعية و BDS] بأنه عودة الجيش السوري للسيطرة على جنوب سوريا يفتح صفحة جديدة على حدود مرتفعات لجولان، في وقت يتعامل فيه زعماء "إسرائيل" وروسيا مع اتفاقية فك الارتباط لعام 1974 كأساس للترتيبات الأمنية. غير أن القوى المنوط بها تنفيذ هذا الاتفاق قد جرت عليها تغيرات جذرية خصوصا الأندوف" قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك" ولذلك يقول أنه أصبح مطلوبا تحدي عمل القوة الحالية لمنع الوصول إلى حالة تشبه حالة حزب الله في جنوب لبنان وهذا يشكل تحديا أساسيا للكيان الصهيوني الآن بما يتجاوز الثغرات "الخطيرة" في نظام عمل "اليونيفيل".
كان مجلس الأمن الدولي قد اعتمد في 29 حزيران /يونيو 2018 القرار رقم 2426 (2018)، ووالذي دعا لعودة الأندوف بحلول نهاية العام إلى أنماط نشاطها ما قبل الحرب، وكان بنيامين نتنياهو قد طالب خلال زيارته لروسيا في 12 تموز/يوليو الجاري بالحفاظ على اتفاقيات الفصل من عام 1974، وأكد بوتين في هلسنكي أيضا أن هذه الاتفاقيات تعزز جهود حفظ الاستقرار في هضبة الجولان، على خلفية عودة متوقعة للقوات السورية النظامية إلى الجنوب وخصوصا الحدود، ن كجزء من ترتيب برعاية موسكو ومن المؤكد أن قوة الفصل الدولية الجديدة تختلف عن القديمة اختلافا كبيرا، بما يتجاوب مع "أمن ‘إسرائيل" كما يزعم الكاتب.
في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، أصدر مجلس الأمن القرار 338 لإنهاء القتال في حرب تشرين أول/ أكتوبر. في 31 أيار/ مايو 1974، بعد ستة أشهر من تبادل إطلاق النار بالتوازي مع المحادثات تحت رعاية وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، ووقعت الأطراف في جنيف على اتفاق فك ارتباط القوات ومجلس الأمن الدولي القرار رقم 350 حول إنشاء قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF) ووفقا للاتفاق بين الطرفين تم تحديد منطقة الفصل بين الجيشين على الأراضي السورية، ويحدها من الغرب منطقة منزوعة السلاح وسمح فقط لقوة أندوف بالتواجد فيها وحددت لكلا الجانبين القوات مناطق التخفيف (مجالات القيود) المتساوية على عمق 10 كم بما لا يزيد عن 6000 جندي، و 75 دبابة و و36 مدفع 122 ملم، و تم منع الجانبين من الاحتفاظ بصواريخ أرض جو. وأُمرت قوة الأمم المتحدة بمراقبة فض الاشتباك، و بلغ عدد أفرادها حوالي 1200 شخص.
منذ ما يقرب من أربعين عاما، قامت الأندوف بعملها بما يشمل النشاط الروتيني ومعالجة المشاكل وجولات الرصد وخدمة اتصال موثوقة بين "إسرائيل" وسوريا. وخلال سنوات الحرب الأهلية، وخصوصا من عام 2014 فقد النظام السيطرة شق في المناطق الحدودية التي احتلها المتمردون وفي الوقت نفسه، فقدت UNDOF، التي تعتمد على حماية النظام المضيف، معظم مواقعها. ومع عودة النظام إلى شمال مرتفعات الجولان، وبدعم من "إسرائيل" ودمشق، بدأت قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في تنفيذ خطة مرحلية لاستعادة استعدادها وأنشطتها الطويلة الأمد. وفي أيلول/ سبتمبر 2017، استلمت أندوف معسكرها القديم في حلب الذي كان أخلي ونهب عام 2014، و من هذه القاعدة، بدأت القوة في إجراء جولات استطلاع متجددة، بتردد منخفض. وتشمل مراحل البرنامج التالي وظائف إضافية إلى خط العجان على حدود الجولان، وفي الوقت الذي تهتم الأمم المتحدة بعودة سريعة ووثيقة للقوة الدولية فإن شروط العودة الآمنة لقوات أندوف إلى مواقعهم السابقة سوف يتم إنشاؤها تدريجيا، من معبر القنيطرة الحدودي بين "إسرائيل" وسوريا وتجديد مهماتها.
يذهب البحث الصهيوني إلى أنه في تجربة فصل القوات في الجولان المحتل، "لايمكن دخول ماء النهر ذاتها مرتين" حيث أن من الواضح أن وعودة أندوف إلى المنطقة ستتم في بيئة تغيرت من الألف إلى الياء، لم تعد الظروف الفريدة التي تم فيها تشكيل مؤسسات الأمم المتحدة موجودة، وقيود الاتفاق غير مناسبة للبيئة الحالية والمتوقعة من التهديدات، و هناك سيناريو مرجعي منطقي لبيئة عمل إنديفور في المستقبل هو خصائص النشاط العسكري وتحديات الإشراف التي واجهتها قوات اليونيفيل في جنوب لبنان منذ نهاية حرب لبنان الثانية حتى اليوم. ويزعم الجانب الصهيوني أن التحديات البيئية المتوقعة ستشكل تحديات جديدة للسلطة وستتطلب تعديلات كبيرة لأنماط العمليات.
لكن المعضلة أنه في التعقيد السياسي الحالي، يصعب إدخال تغييرات في قرار مجلس الأمن أو اتفاق الفصل أو ولاية أندوف. إن نطاق المرونة المتاحة لمقر الأمم المتحدة، والبلدان المانحة، ومقر أندوف وأطراف الاتفاق يستند بشكل رئيسي إلى نظام قواعد عمليات الأمم المتحدة والأدوات المتاحة لها للوفاء بمهمتها. وتعد التعديلات على هذه العوامل أساسية لقدرة الأمم المتحدة على مواجهة تحديات التكيف قبلها.
التحدي الأول هو المستوى السياسي، حيث هناك حاجة إلى التوفيق بين اتفاق فصل 1974 ومعالم التنظيم والأمن السياسي، من قبل روسيا ونظام دمشق، مع الأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمنية "لإسرائيل"، عبر أكبر توافق ممكن بين قادة روسيا والولايات المتحدة و"إسرائيل"، ومساحة مصالح مشتركة بين معظم (باستثناء إيران وحزب الله)، وهذا قد يسمح بإعادة تصميم وتحديث البيئة الأمنية في مرتفعات الجولان.
يزعم الباحث الصهيوني أن الحظر المفروض على أي تواجد عسكري أو مسلح في المنطقة الفاصلة ينتهكه اليوم بشكل صارخ كل من النظام ومجموعة من الجماعات المتمردة التي تقاتل في المنطقة كما أن نزع السلاح الكامل للسكان المدنيين سيستغرق وقتاً طويلاً، والأمر الآخر أنه لن يتم التعبير عن وجود إيران وجماعاتها على شكل دبابات ومدافع بل في استيعاب العناصر الأجنبية في صفوف الجيش السوري، مع التركيز على المناطق تحت الأرض، تحت ستار إعادة تأهيل المدنيين ("الملاجئ") وفي بيئة مأهولة بما يشبه الوضع في جنوب لبنان.
أما التحدي الثالث، وهو شرط مسبق لزيادة نشاط أندوف فهو الثقة والسماح لجنودها بإنشاء جنوده تحمل أسلحة شخصية للدفاع عن النفس، في حين أن مجموعة من المراقبين في الجولان لم تكن تحمل أسلحة على الإطلاق. مثل قوات حفظ السلام الأخرى في المنطقة، بالتالي المطلوب تعزيز القدرات الدفاعية لقواتها، بما في ذلك الأسلحة المساعدة وحماية مركبات الشحن. وأشار التقرير الأخير للأمين العام إلى أن دمشق تعارض طلبات القوة لتجهيز نفسها بأنظمة دفاعية للتحذير والإنذار من إطلاق نار عالي المسار - وهو طلب وافقت عليه "إسرائيل"، ومن المتصور أن دمشق ستكون قادرة على إجبار الأندوف على العودة إلى عملها النمطي.
التحدي الرابع هو الرابط بين طرفي الاتفاق، حيث ومنذ ذ إلغاء لجنة الهدنة يتم نقل المراسلات شفهيا وأحيانا كتابيا بين قائد القوات على طرفي الحدود تركز على نقل الرسائل لفظيا، وأحيانا في الكتابة، بين قائدي القوات على الجانبين وربما نكون آلية الحوار الثلاثي على غرار اليونيفيل قابلة للعمل بنجاح في الجولان لمنع الاحتكاك وحل القضايا والأمن المدني.
التحدي الخامس لوجستي، يتعلق بطرق الإمداد للقوة وتأمين جولات قوة الفصل وهذا يشكل تحديا جديا بسبب الوضع في سوريا حيث أن دمشق هي الراعي الرسمي للقوة الدولية، وتأمين تنقلات قوات الأندوف أصبح يتطلب مسارات طويلة مرورا بقبرص.
التحدي السادس، وربما الأكثر إلحاحا، ويتعلق البعد المدني والإنساني في مجال نشاط أندوف "بخصوص المساكن التي دمرت في الحرب ومخيمات المازحين، وكيفية انخراط الأندوف في عمليات إعادة تأهيل السكان المدنيين وتأمينهم.
يخلص الباحث إلى أن الواقع يظهر في الجولان المحتل أن على "إسرائيل" تحديث سياساتها للحفاظ على أمنها ويدعو الحكومة والجيش الصهيونيين لاتخاذ خطوات خلاقة في تعزيز الوضع الأمني على أفضل ما يمكن مرة أخرى مع سوريا، وبمساعدة من الشركاء والمتحاورين الاستراتيجيين في المنطقة في قوة ذكية ومجموعة متنوعة من الأدوات المدنية.