Menu

"ليالي محفوظ في شبرد".. يروي يوميات الكاتب الكبير في آخر سنواته

نجيب محفوظ في القاهرة - أرشيف

وكالات - بوابة الهدف

لعل أول ما يتبادر إلى الذهن في ما يشبه اليقين عند مطالعة كتاب «ليالي محفوظ في شبرد» (بتانة- القاهرة) للباحث إبراهيم عبدالعزيز؛ أن السرديات عن الكاتب العربي الكبير لم تنفد بعد مرور إثني عشر عاماً على رحيله.

الكتاب صدر في جزءين، ويرصد ما دار في جلسات الأديب الأبرز عربياً من 5 كانون الثاني (يناير) 2003 إلى 23 تموز (يوليو) 2006. وعلى رغم الكلمات المكثفة للغاية، التي تأتي على لسان صاحب «أولاد حارتنا» طوال صفحات الكتاب؛ إلا أنها شديدة العمق؛ سواء في ما يتعلق بالسياسي والاجتماعي والأدبي، أو لجهة كشفها بعض الجوانب الإنسانية في شخصية أديب اشتهر بالحرص الشديد بخاصة في ما يخص حياته الشخصية وآرائه في الشأن العام، حتى أنه لم يكتب سيرته في شكل مباشر وإنما ضمّن بعضاً منها في كتابه «أصداء السيرة الذاتية». «اعتقادي أن العمل الذي لا يستطيع أن يدافع عن نفسه أفضل له أن يموت، بل أفضل للإنسانية كلها، لقد تركت الأعمال تثبت نفسها وتتعمق في وجدان الناس، إذا كانت تستحق أن تعيش، أما إذا لم تستطع فماذا أفعل لها؟ ستكون قد أسعدتني فترة ثُم مع السلامة».

بعض ما قاله نجيب محفوظ للناقد والمترجم سامي خشبة وأورده عبدالعزيز في المذكرات التي توافرت فيها ميزات لم تتوافر في عناوين أخرى هائلة صدرت حول المشروع السردي للأديب النوبلي؛ من بينها مثلاً؛ ذلك التسجيل الدقيق لكل ما يجري داخل هذه الجلسات التي استمرت ما يزيد على ثلاث سنوات. أيضاً اللغة التي كتبت بها المذكرات، هي لغة الحكي البسيطة والعفوية والمباشرة؛ حيث العبارة كأنها منقولة حرفياً من فوق ألسنة المشاركين في الجلسات مثل الكاتب علي سالم، والمخرج توفيق صالح، والممثل عبدالعزيز مخيون، والمهندس محمد الكفراوي. ويكشف عبدالعزيز كيف امتد حرص محفوظ على حجب الخاص من شؤونه؛ «حتى لو كان مما يشرف صاحبه»؛ ومن ذلك أنه دفع من ماله الخاص نفقات أداء فريضة الحج لمئتين من الفقراء.

وفي إحدى فقرات الكتاب يبدو عبدالعزيز وكأنه يبرر صدوره؛ خصوصاً أنه سبق أن أصدر كتاباً آخر عن محفوظ... «هو رمز كبير كلما اقتربنا منه ازددنا معرفة به وتقديراً له، حيث لا تكتمل عبقريته الإنسانية إلا باجتماع جناحيها الأدبي والأخلاقي».

وفي مقدمة طويلة نسبياً يتحدث عبدالعزيز عن الاتهامات التي ألصقت بالكاتب الراحل، من بينها مثلاً تلك التي طاولته في دينه، ودفعت شاباً متطرفاً إلى طعنه في رقبته محاولاً قتله؛ «بعد الحادث كان يشعر بمرارة شديدة، وعندما تأتي سيرة الرواية (أولاد حارتنا) يتكدر ويغير الموضوع». كما يشير إلى مسألة «البخل» الذي اتهم به محفوظ؛ «في مرحلة من حياته كانت لديه مسؤوليات عائلية ثقيلة بعد وفاة والده، وبعد وفاة زوج إحدى شقيقاته حيث أصبح مسؤولاً عنها وعن أولادها، وهو في النهاية يعتمد على راتب وظيفة حكومية؛ لكنه كان في الظروف الطبيعية يتسم بكرم حاتمي». وفي إحدى تلك الجلسات أبدى محفوظ إعجابه بالممثلة الراحلة فاطمة رشدي وقال إنها أفضل من جسدت (على المسرح) شخصية «زبيدة»، وهي إحدى شخصيات ثلاثيته الشهيرة: «رأيت مسرحيات وأغلبها مترجمة، أو تم تمصيرها، وقد شاهدت «هاملت»، و «يوليوس قيصر»، قد قامت فاطمة رشدي بدور أنطونيوس. وهنا يعلق الكفراوي: على رغم عدم تعليمها كانت مقنعة. فيستطرد محفوظ: كانت نابغة... رأيتها تلعب هذا الدور وترتدي الملابس الرومانية، وقد أظهرت فخذيها، كما مثّلت «بين القصرين» على المسرح في دور «زبيدة» وعملت ضجة فظيعة أثارت حملة على المسرحية، وكانت تقول أنا أمثل دور العالمة، وطبعاً أنا أرى أنها أحسن من قام بتمثيل دور «زبيدة»، ويحيى شاهين أحسن من مثّل دور «أحمد عبد الجواد»، وكل مخرج وله جماله، في إشارة إلى أن حسن الإمام شوّه الثلاثية عندما نقلها إلى السينما». وفي الليلة السابعة والثلاثين يذكره الكفراوي بقوله: «إن برلنتي عبد الحميد أرسلت إليه البوّاب تتهمه بكسر زجاج سيارتها وطلبت تعويضاً مئة جنيه فدفعتها أنت فوراً، وكانت قد طلبت منك قبل ذلك أن تكتب مذكراتها فلما اعتذرت افتعلت هذه المشكلة».

ويُشير عبدالعزير إلى واقعة شهيرة يكشف من خلالها كيف كان نجيب محفوظ حريصاً طوال حياته على ألَّا يسيء إلى أحد حتى لو أساء إليه الآخرون إلَّا إذا تعدّت الإساءة حدود الأدب؛ «كما فعل ذات مرة مع الناقد صبري حافظ حينما تورط في مهاجمته في مجلة «الأقلام» العراقية، ثم حين حصل على جائزة نوبل اتصل به هاتفياً ليهنئه فقال له محفوظ: تشتمني ثم تهنئني وأغلق السماعة في وجهه». وتحت عنوان «صافيناز كاظم وحوار الأسئلة الصعبة» يكشف عبد العزيز ما ورد ذكره في الجلسات حول حوارها مع «الأستاذ»، والذي كانت فيه أكثر من صريحة، فأسئلتها لا يجرؤ عليها أحد سواها، أمام صاحب نوبل الذي تلقاها بصدر رحب قائلًا: «لا أحد يستطيع أن ينرفزني».

كما يكشف أيضاً موقف محفوظ من غضب يوسف إدريس من حصوله على جائزة نوبل، واتهامه له بأنه لم يكن ليحصل عليها لولا رضى الدوائر اليهودية عنه. وعن لقاءاته بالأدباء الشبان في كازينو «أوبرا» ومقهى «ريش» وحواراته معهم، وهل كان ذلك عن تخطيط وتدبير؟ يعلق صاحب نوبل: «لا تخطيط ولا تدبير، ولكنها طبيعة الأشياء ووفق ظروف الكلام». ورداً على سؤال حول الأدب وعلاقته بالواقع؛ يقول: «هو تشكيل للواقع بإعادة خلقه».

ورداً على سؤال: هل كان الأدب مبشراً بثورة يوليو؟، يرد: «بشّر الأدب بالثورة ولكنها ليست ثورة يوليو، لأن الثورة التي توقعناها كانت كثورة 1919... توقّعنا أن يقوم بهذه الثورة الجناح اليساري في حزب الوفد أو الإخوان المسلمون».

وفي ليلة أخرى؛ كان الحديث حول غلاء الأسعار، حيث كانت لا تزال التعليقات جارية حول تخفيض حكومة أحمد نظيف في أواخر عهد مبارك للجمارك مع التأكيد أن هذا القرار مرتبط بحدوث انخفاض في الأسعار، ولكن الناس فوجئوا برفع سعر الوقود، ما انعكس سلباً على حياتهم وأفقدهم الشعور بأي تغيير متوقع إلى الأفضل. يقول عبد العزيز: لذلك سألت الأستاذ محفوظ: هل حدث خلال عمرك أن ارتفعت الأسعار ثم عادت إلى الانخفاض؟ فقال: «مافتكرش، لأن الذي يزيد ما ينزلش».