في الأيام الأخيرة، شنت "إسرائيل" ممثلة بأعضاء حكومتها مع اللوبي الصهيوني في بريطانيا هجوما حقيرا ضد زعيم حزب العمال جيمي كوربين. والجوهر في الهجوم هو أن كوربين يريد التخلص من نفوذ اللوبي وتصحيح مسار السياسة البريطانية لنصرة الفلسطينيين وتعويضهم عن الجرائم التي ارتكبتها بريطانيا بحقهم، وكوربين في هذه المعركة رجل شجاع ومحترم، لا يتردد ويقامر بمستقبله السياسي في سبيل الحقيقة.
بحقارة ووضاعة، استغل بنيامين نتنياهو الضجة التي أثيرت بعد الكشف عن زيارة جيرمي كوربين لتونس عام 2014 ووضعه إكليلا من الزهور على ضريح ضحايا العدوان الصهيوني المجرم على مقرات منظمة التحرير في حمام الشط في الثمانينيات.
في هذا الهجوم استخدم نتنياهو كل الأكاذيب الممكنة وتحريفات الواقع لإدانة كوربين بما لم يرتكبه، والادعاء أنه زار ضريح الفدائيين منفذي عملية ميونخ، لا نقول هذا لأن الفدائيين لا يستحقون الورد على ضريحهم ولكن لأن الواقع مغاير تماما، ولأن نتنياهو والجوقة الصهيونية في "إسرئايل" وبريطانية يكذبون، لأن الفدائيين الأبطال منفذي هجوم ميونخ دفنوا أصلا في ليبيا وليس في تونس، ولأن الضريح الذي زاره كوربين هو ضريح ضحايا جريمة صهيونية مصنفة أمميا كجريمة حرب، أدانها العالم كله بما فيه مارغريت تاتشر وحتى الولايات المتحدة لم تجرؤ على فدائيو ميونخ كما يعرف العالم كله نقلت جثامينهم الشريفة جوا إلى ليبيا ودفنوا في مراسم لائقة في مقبرة سيدي منيندس في طرابلس الغرب عام 1972.
كان كوربين قد زار تونس في عام 2014 لعقد مؤتمر يهدف إلى المساهمة في المصالحة الفلسطينية وخلال هذا المؤتمر توجه المشاركون إلى مقبرة الشهداء الفلسطينيين في حمام الشط لتكريم أولئك الذين استشهدوا في الغارة الجوية الصهيوينة عام 1985 ضد ما كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك.
في ذلك الهجوم المجرم شاركت 8 مقاتلات من سلاح الجو الصهيوني في الغارة في 1تشرين أول/ أكتوبر 1985، في عملية سميت صهيونيا الساق الخشبية"، وقد أقلعت طائرات F-15 من قاعدة تل نور الجوية بالقرب من تل أبيب وحلقت فوق البحر الأبيض المتوسط لتجنب اكتشافها من قبل رادار مصري وليبي وأميركي. وقد أسفر الهجوم الذي دام ست دقائق على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في المدينة الساحلية عن استشهاد 47 شخصًا، بينهم 15 مدنيًا تونسيًا، وإصابة 65 آخرين.
العمل الجبان الذي نفذته الطائرات الصهيونية أدين حينها في جميع أنحاء العالم، حتى رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر انضمت إلى انتقاد “إسرائيل"، وهو أمر آخر اختار نتنياهو أن ينساه في اندفاعه لمهاجمة كوربين. كما سجل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة غضبه "وأدان بقوة العدوان المسلح" من قبل "إسرائيل" في القرار 573 في 4 تشرين أول/أكتوبر. على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تجرؤ على استخدام الفيتو وامتنعت عن التصويت فكانت النتيجة 14-0، في قرار وصف الهجوم بأنه “عمل من أعمال العدوان المسلح التي ترتكبها إسرائيل ضد الأراضي التونسية في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة" حتى رونالد ريغان غير كلماته وبدلا من وصف القصف بأنه "رد مشروع" كما دأبت الإدارة الأمريكية على القول في وصف كل اعتداء صهيوني قال ريغان إنه" لا يمكن التغاضي عنه ".
ولكن في رغبتهما في عدم إفصاح الحقائق عن قصة جيدة، كان الأفراد والجماعات المناهضة لكوربين يقومون بالتأشير والإيماء منذ نشر الصور التونسية، ودعوة كوربين إلى الاستقالة.
وكان من بينهم وزير الداخلية ساجد جاويد، الذي اشتراه حزب المحافظين لاستغلال هذا الجدل باختياره، كما يقول البعض، لنسيان كلمات تاتشر التي ذهبت إلى إدانة الغارة الجوية الإسرائيلية خلال اجتماع في مجلس العموم يوم 29 أتشرين أول/ أكتوبر عندما - وفقا لهانسارد، وسجل البرلماني الرسمي - قالت وطُرح خلال أسئلة رئيس الوزراء التعليق على القصف الإسرائيلي لتونس. "لقد أدنا في الواقع الهجوم على تونس".
ولكن حتى لو ذهب كوربين إلى طرابلس لوضع إكليل من الزهور على ضريح الفدائيين، ألا تعقد منظمة الأرغون الإرهابية احتفالا سنويا لتمجيد جريمة تدمير فندق النبي داود في القدس الذي قتل فيه 91 شخصا بينهم 28 بريطانيا في هجوم يوم 22 تموز/يوليو 1946، ولم يمتنعوا عن الاحتفال أبدا، ولكن العجوز البريطانية الشمطاء تتمتع بذاكرة قصيرة وتميل للنسيان، وتميل للارتياح مع إفلات الصهيونية من العقاب.