لا تزال ردود الفعل المُندّدة بقرار الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب الوقف الكامل لتمويلها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، تتوالى، وسط إجماعٍ من كلّ المُندّدين على أنّ الخطوة مُستهجَنة، وفي حال لم تُواجَه بشكل عاجل، ستدفع المنطقة إلى مزيدٍ من الاضطّرابات.
فلسطينيًا، أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس دائرة شؤون اللاجئين فيها، أحمد أبو هولي، أن قطع المساعدات الأميركية لوكالة الغوث لن يُلغي التفويض الممنوح لها بالقرار الأممي رقم (302) في تقديم خدمات الإغاثة والتشغيل لأكثر من 5 مليون لاجئ فلسطيني.
واستنكر أبو هولي القرار الأمريكي لافتًا إلى أنّه "يأتي في إطار الابتزاز السياسي والضغط على القيادة الفلسطينية لتمرير صفقة القرن المرفوضة، والتي تهدف لإسقاط ملفيْ القدس واللاجئين من مفاوضات الحل النهائي".
وحذّر من تداعيات القرار على المنطقة، خاصة وأن وكالة الغوث شكلت على مدار 70 عامًا عامل استقرار للمنطقة، ومحاولات إنهاء دورها في ظل غياب الحل السياسي لقضية اللاجئين سيدفع بالمنطقة إلى دوامة عنف وحالة من عدم الاستقرار من الصعب السيطرة عليها.
ودعا إلى التحضير الجيد للمؤتمر الدولي الذي سيعقد في نيويورك نهاية الشهر المقبل، الذي يقام على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لتحشيد الدعم المالي والسياسي للوكالة وتأمين تمويل دائم ومستدام لميزانيتها.
ودعا المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتهما والتحرك السريع لحماية وكالة الغوث، وإنقاذ وضعها المالي قبل فوات الأوان. كما طالب الدول المانحة والممولة الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها المالية والتبرع بتمويل إضافي.
وشدد أبو هولي على وجود شبه إجماع دولي على بقاء واستمرار عمل الوكالة لحين إيجاد حل عادل وشامل لقضية اللاجئين الفلسطينيين طبقًا للقرار 194.
من جهته، اعتبر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، القرار مخالفة للقانون الدولي ولقرار الأمم المتحدة الذي أنشأ هذه الوكالة.
وقال إن "قرارات الإدارة الأميركية تجاه القدس واللاجئين والاستيطان تمثل تدميرًا للقانون الدولي وللأمن والاستقرار في المنطقة، وهدايا لقوى التطرف والإرهاب في المنطقة".
وأضاف عريقات أن "الأونروا ليست مؤسسة من مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، وعلى المجتمع الدولي بأكمله رفض وإدانة القرار الأميركي، وتقديم كل ما هو مطلوب من مساعدات للأونروا، لتمكينها من الاستمرار بالنهوض بمسؤوليتها كافة تجاه اللاجئين الفلسطينيين، إلى حين حل قضيتهم من جميع جوانبها كما نص القرار الأممي".
من جانبها، أكّدت حركة "فتح" أن حق العودة ثابت ومقدس، ومحمي دوليًا، وقالت "إنّ ترامب لا يستطيع أن يلغي هذا الحق بجرة قلم وتوقيع خاضع لإرادة اليمين الإسرائيلي والصهيوني المتطرف".
وقال عضو المجلس الثوري للحركة "إن ترامب يخطط لتصفية القضية الفلسطينية، وحسم قضايا الوضع النهائي من جانب واحد على حساب القانون والشرعية الدوليين، وعلى حساب كل حقوق الشعب الفلسطيني ولصالح المحتل الإسرائيلي"، مُشددًا على أنّ هذا "لن يحدث مطلقًا".
وأضاف "إن هذا القرار يفرض علينا مزيدًا من التحدي والمسؤولية والإصرار على رفض الضغوطات، وإسقاط صفقة القرن، وتكريس الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام على أسس وطنية بحتة". معتبرًا أنّ "استمرار المفاوضات بين حماس وإسرائيل يعني قبولاً بتلك القرارات الأميركية العدوانية على شعبنا" في إشارة للتحركات الجارية بشأن اتفاق تهدئة في غزة.
إلى ذلك، اعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن قرار الإدارة الأمريكية وقف تمويل وكالة الغوث تأكيدًا إضافيًا من قبل هذه الإدارة على شراكتها للعدو الصهيوني، في الحرب المعلنة التي تشنها ضد القضية والحقوق الفلسطينية، واستهدافها الممنهج للعناوين الرئيسية لهذه الحقوق: الأرض والقدس وحقوق اللاجئين الفلسطينيين وفي القلب منها، حقهم في العودة إلى أرض وطنهم الأصلي.
وأشارت إلى المخططات الأمريكية بشأن بتحديد عدد اللاجئين الفلسطينيين بما لا يزيد عن نصف مليون لاجئ، من أصل ما يزيد عن خمسة مليون لاجئ مسجلين لدى الأونروا رسمياً.
وقالت الجبهة الشعبية إنّ "هذا الاستهداف، يأتي تطبيقاً للمشروع الأمريكي – الصهيوني، الذي قد يصل في قادم الأيام إلى حد المطالبة بإلغاء القرار الأممي 194". داعيةً الجمعية العامة للأمم المتحدة الوقوف أمام استمرار التغول الأمريكي على واحدة من مؤسساتها الدولية المنشأة بقرار أممي.
وأضافت أنّ "حماية الحقوق الفلسطينية والدفاع عنها، هي مهمة ومصلحة شعبية عربية، كما هي قضية أممية وإنسانية، في وجه التغول الإمبريالي".
عربيًا أكد وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي استمرار الأردن بحشد الدعم السياسي والمالي لوكالة الغوث، لضمان الحفاظ عليها وعلى دورها وفق تكليفها الأممي". وهذا "تأكيدًا على أن قضية اللاجئين تُحَلّ وفق قرارات الشرعية الدولية بما يضمن حق العودة والتعويض".
وكان الصفدي أكد في مؤتمر صحفي مع المفوض العام للأونروا بيير كرينبول الخميس أن "المملكة والوكالة كثفتا جهودهما المشتركة لحماية الأونروا وتوفير الدعم المالي اللازم والسياسي لها لضمان استمرار قيامها بواجباتها إزاء اللاجئين وفقًا لتكليفها الأممي".
ومن المقرر أن تنظم الأردن بالتعاون مع الوكالة والسويد واليابان و تركيا مؤتمرًا دوليًا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، سبتمبر القادم، لدعم الوكالة ماليًا وحشد الدعم السياسي لدورها.
دوليًا، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن أسفه لقرار واشنطن وقف تمويل "الأونروا" ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم للوكالة الأممية.
كما أعلنت روسيا أنها ستواصل دعم "الأونروا"، لافتةً إلى أنّ نشاطها يتعدى الإطار الإنساني البحت ويهدف إلى تعزيز الاستقرار والإسهام في العملية السلمية في الشرق الأوسط.
وذات الموقف أعلنته الخارجية الألمانية، التي أشارت إلى أنّ الحكومة تعهد بزيادة كبيرة في تمويلها للوكالة بعد القرار الأمريكي. وقالت إنّ "ضياع هذه المنظمة يمكن أن يطلق سلسلة ردود فعل لا ضابط لها". داعيةً الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى على العمل لوضع "أساس مالي مستدام للوكالة".
وأعلنت الإدارة الأمريكية، أمس الجمعة، أنها لن تموّل بعد اليوم الأونروا، التي وصفتها بأنها "منحازة بشكل لا يمكن إصلاحه"، واتهمتها بأنها تزيد "إلى ما لا نهاية وبصورة مضخّمة" أعداد الفلسطينيين الذين ينطبق عليهم وضع اللاجئ.
وقلصت واشنطن تمويلها لميزانية وكالة الغوث للعام 2018 بشكلٍ كبير، ولم تدفع منها سوى 60 مليون دولار من أصل 350. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية في حينه هيذر نويرت "إن القرار يؤمل منه تشجيع الإصلاحات داخل الأونروا، والضغط على دول أخرى لتغطية المزيد من ميزانية الوكالة".
ويُشكل التمويل الأمريكي أكثر من ربع ميزانية الوكالة الأممية، التي تصل إلى 1.2 مليار دولار. وتُقدّم الأونروا خدماتها لأكثر من 5 مليون لاجئ فلسطيني، في مناطق عملياتها الخمس: غزة والضفة الغربية، والأردن، ولبنان، وسوريا.