مجدداً، يظهر أن الدولة اللبنانية لا تجيد فرض الأمن في المخيمات الفلسطينية، سوى بإذلال سكانها. المطلوبون يتحركون بين لبنان والخارج، والفصائل تنقل مسلحيها من مخيم إلى آخر، برعاية رسمية أحياناً كثيرة، وتوقيف المطلوبين يتم بعمليات أمنية خاطفة. فلماذا اللجوء إلى إذلال السكان بذريعة حمايتهم؟!
لم يكن المشهد منسجماً صباح أمس بين عين الحلوة ومداخلها. في شوارع المخيم، كان أهله من اللاجئين الفلسطينيين يحتفلون بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ويتبادلون البقلاوة ويرفعون أصوات الأناشيد الثورية. أما على حاجز الجيش اللبناني عند مدخل الحسبة، فاصطفّت طوابير طويلة من السيارات وصفوف من المارة الخارجين والداخلين إلى المخيم، ينتظرون دورهم لتفتيشهم والتدقيق بهوياتهم والأغراض التي يحملونها. وللمرة الأولى، بلغ التفتيش حد إلزام الرجال والشبان خلع ملابسهم وأحذيتهم في غرفة جانبية، والكشف عليهم من قبل الجنود. فيما تولت الجنديات تفتيش أجساد النساء في غرفة جانبية بشكل دقيق. الأسلوب المستجد أفقد سائق سيارة أجرة فلسطيني أعصابه أمام الجنود، رافضاً إخضاع سيدة كانت برفقته إلى التفتيش. فما كان منه إلا أن تشاجر بحدة مع إحدى الجنديات قبل أن يطلَق النار في الهواء احتجاجاً. فكان مصيره التوقيف.
هكذا من دون سابق إنذار، تجددت الإجراءات المشددة التي كان يفرضها الجيش عند مداخل المخيم. فما السبب؟ مصدر عسكري لبناني أشار لصحيفة "الأخبار" إلى أن الإجراءات جاءت «بناء على معطيات أمنية تفيد عن نية أشخاص مطلوبين الخروج من عين الحلوة». لكن مصدراً آخر قال إن السبب «تبديل العناصر بعد حاجزي الحسبة والمستشفى الحكومي. حيث أن القوة التي كانت منتشرة على مدخل المخيم الرئيسي عند المستشفى معتادة على فرض إجراءات دقيقة. وقد نقلت عاداتها معها إلى الحسبة!».
أسباب الجيش لم تقنع الفصائل والقوى الفلسطينية في عين الحلوة التي يُنادي قياديوها إلى اجتماع عاجل في مسجد النور. وصدر بيان عن القيادة السياسية الفلسطينية للقوى الوطنية والإسلامية في منطقة صيدا «على إثر الإجراءات المذلة لشعبنا»، دعت فيه المؤسسات الرسمية إلى «معالجة الإجراءات وتطبيق الأمن والاستقرار بعيداً من الذل». بعد الاجتماع، نفذ ممثلو الفصائل وقفة رمزية احتجاجية أمام حاجز الحسبة لجهة المخيم، ولوحوا بتنفيذ الإضراب العام في المخيم في موعد يقرر لاحقاً.
وكان مخيما عين الحلوة والمية ومية قد شهدا تحركات احتجاجية في شهر تموز الفائت عقب تركيب الجيش بوابات التفتيش الإلكترونية عند مداخل المخيمين، أعقبت تطويق عين الحلوة بجدار إسمنتي. وبعد مراجعات متكررة من القيادات الفلسطينية، أزال الجيش البوابات التي قال حينها إن الهدف منها «ضبط حركة المطلوبين من المخيمين وإليهما». علماً أن الإجراءات المشددة أمس لم تشمل مخيم المية ومية الذي شهد اشتباكات عنيفة، على مدى أسابيع، بين حركتي «أنصار الله» و«فتح». الجيش الذي تسلم حاجز قوات الأمن الوطني الفلسطيني عند مدخله الرئيسي أبقى على الإجراءات الروتينية التي لم تعدل منذ انتشاره منتصف شهر تشرين الأول الماضي.