تُواصل حركات مقاطعة الاحتلال وداعميه تسجيل الإنجازات والنجاحات في مُختلف أنحاء العالم، وما ينفكّ تأثيرها يتّسع في المجالات كافة، سيّما الاقتصادية والثقافية والرياضية. وبات الاحتلال يعتبرها "تهديدًا إستراتيجيًّا" لكيانه، لذا شكّل لمحاربتها مكتبًا خاصًا تابعًا لوزارة الأمن والشؤون الإستراتيجية، وأصبح هذا الملف ثابتًا على أجندة الحكومة الصهيونية، وتُصرف عليه ملايين الشواكل سنويًا.
من أقوى حملات المقاطعة في العالم العربي، حركة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان، التي تأسست بالعام 2002، ويتقاطع عملها مع حركات المقاطعة في سائر دول العالم.
بوابة الهدف حاورت د. سماح إدريس عضو مؤسِّس في حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان، الذي اعتبر أنّ "الحملة في لبنان حقّقت نجاحات لم يحققها أيُّ مكان آخر في العالم العربي".
وتطرّق د.إدريس لنشأة الحملة وأهدافها وأساليبها، كما استعرض جزءًا هامًا من إنجازاتها في مختلف المجالات. واعتبر أن عمل الحملة "دفعٌ للانتفاضة الفلسطينية وحركة المقاومة المسلحة".
وتحدّث عن الضغوط التي تُمارس على أعضاء ونشطاء الحملة بسبب حِراكها وفعالياتها المُناهضة للعدو الصهيوني، من محاربة وتشويه ومقاطعة وصلت حدّ رفع دعاوى قضائية ضدهم.
وخلال حديثه لـ بوابة الهدف فنّد د. سماح الرأي الذي ينتقد ويُهاجم العرب وغيرهم ممّن ينسحبون من الفعاليات والمهرجانات - على اختلافها- استجابةً لدعوات المقاطعة، في حين يبقى فيها "الإسرائيليون".
فيما يلي نص الحوار الكامل مع رئيس تحرير مجلة الآداب منذ العام 1992. وعضو مؤسِّس في حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان. د.سماح إدريس:
س/ ما السّبب الّذي دعا إلى إطلاق حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان، ومتى بدأت؟
ج/ بدأتْ حملة مقاطعة داعمي
"إسرائيل" في لبنان في ربيع العام 2002، في أثناء اجتياح مخيّم جنين، لإحساسنا أنّ المظاهرات والبيانات لم تعد تجدي نفعًا. هذا هو السّبب الأوّل. أمّا السّبب الآخر، فلإحساسنا إلى حدّ ما بأنّنا "منافقون"؛ فنحن نستهلك بضائع داعمة للعدو (نشرب نسكافه، وكوكاكولا، وندخّن المارلبورو، والمهندس يستخدم جرّافة كاتربلر التي جرفتْ مخيّم جنين)، وفي اليوم التّالي نصفّق لنضال الشّعب الفلسطيني!واعتبرنا أنّنا قادرون على مقاومة "إسرائيل" حتّى ونحن في منازلنا. وبعد مشاورات طويلة مع عدة فئات لبنانية، أسّسنا حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان.
س/ لماذا هذا الاسم؟
ج/ لم نسمّها "حملة مقاطعة إسرائيل" لأنّه لا توجد بضائع إسرائيليّة في لبنان (على الأقلّ كما ظننّا أول الأمر). ولم نسمّها "حملة مقاطعة البضائع الأمريكيّة" لأنّنا لا نستهدف جنسيّة أو بلدًا معيّنًا، ولأنّ العديد من الأمريكان يدعموننا؛ بل هناك شركات، ومصانع، ومحلّات صغيرة في الولايات المتحدة تدعم فلسطين، لذلك ليس هناك سبب لنستعدي الشّعب الأميركيّ؛ فمعركتنا ليست ضدّه بل ضدّ الإدارة الأمريكيّة.
ثم إننا لم نكن نريد أن نغذّي الشّعور الشّوفيني أو الطّائفيّ أو المذهبي من خلال عنوان حملتنا. فداعمو "إسرائيل"يشملون أيًّا كان. من الممكن أن يكون الداعم شركة مسلمة، تركيّة مثلًا. كلّ من يدعم "إسرائيل" نحن ضدّه بغض النظر عن جنسيته.
س/ ما هي الخطوات الّتي تمّ اتّباعها؟
ج/ في البداية كان تركيزنا على البضائع الدّاعمة لـ"إسرائيل" للأسباب التي ذكرت. لكنْ خلال عملنا اكتشفنا أن هناك شركات إسرائيليّة في لبنان تعمل بشكل سريّ؛ أو أنّ البضائع الإسرائيليّة تُشحن قبل دخولها إلى لبنان من دبي أو تركيا ، مثلًا، وهناك يُعمل على إعادة توضيبها بحيث تظهر وكأنّها بضائع من إنتاج الإمارات أو تركيا. وبعد اكتشافنا لهذه البضائع، عملنا على كتابة تقرير إلى مكتب المقاطعة، التّابع لوزارة الاقتصاد والتّجارة في لبنان، فأُلغي وجود تلك البضائع في بلدنا. ومن ضمن المنتوجات الإسرائيليّة آلات ليزر لنزع الشّعر؛ ما يعني أنّ جزءًا من الجمال اللّبنانيّ مسؤولة عنه "إسرائيل" (!) ونجحنا في وقف عمل هذه الشّركات بقرار من جامعة الدّول العربيّة.
بعد مدّة صار عملنا ينحو أكثر فأكثر باتجاه الفنانين لأنّ "إسرائيل" تهتمّ بشكل كبير بالنّاحية الفنّيّة، وتدفع أموالًا طائلة لأيّ مشروع أو مهرجان أو عمل فنّيّ إسرائيلي من أجل طمس صورتها الدّمويّة. فعملنا بدأب على منع أفلام ملكة الجمال الإسرائيليّة لعام 2004، غال غادوت، وكانت أيضًا جنديّة في الجيش الإسرائيليّ بين عاميْ 2005 و 2007. وأفلحنا في منع أفلامها ليس فقط في لبنان، بل في العالم العربيّ كلّه، بقرار من جامعة الدّول العربيّة أيضًا.
كما أنّ هناك فرقًا فنّيّة عالمية عديدة ضغطنا عليها لأنها كانت تزمع تقديم عروض في الكيان الصهيوني، متجاهلةً ما يقترفه من جرائم حرب. وبدلًا من أن نمنعها من دخول لبنان، فقد نجحنا في دفعها إلى أن تأخذ بنفسها قرارًا بعدم الدّخول إلى الكيان الصّهيوني، فرفعنا تحفّظنا عن دخولها إلى لبنان. وآخر مثال على ذلك كان الفنانة شاكيرا.
فشاكيرا كانت ستذهب لإقامة حفل في تل أبيب بعد لبنان، فبدأنا حملة كبيرة ضد هذا الحفل، وأشركنا معنا ناشطين من كولومبيا، مسقطِ رأس أحد والديْها. وبعد حملة شارك فيها أكثر من 4 ملايين مواطن في "تصفيقة رعدية" كبيرة، قالت شاكيرا إنها لم تكن ذاهبة إلى تل أبيب "في الأساس"؛ وهذا غير صحيح بدليل حصولنا على صور ومعلومات موثوقة تثبت أنها كانت تنوي إحياء عرض في الكيان الغاصب. ولذا اعتبرنا أنّ موقفها هو بمثابة انسحاب غير معلن.
كما بدأنا نُعير التطبيعَ التربويّ اهتمامًا خاصًا. فأصدرنا قبل شهور قليلة عريضة تربوية تحضّ المسؤولين على تدريس محور القضية الفلسطينية في المدارس، وعلى إدراجه في الامتحانات الرسمية اللبنانية، وعلى تدريس تاريخ الصراع مع العدوّ وتاريخ حركات المقاومة والمقاطعة في المدارس.
هذا وقد كشفنا كتبًا في المدارس تتضمّن ما يُشتمّ منه دعمُ العدو أو التساهلُ مع رموزه (العَلَم الإسرائيلي مثلًا)؛ ففي مادّة الرّياضيّات باللّغة الفرنسيّة، كانت إحدى المدارس تعتمد كتابًا فرنسيًّا يدرّس العلَم الإسرائيلي في وصفه مجرّد "شكل هندسي" ــ ــ وهذا نوع من التطبيع الخفيّ، لأنه يتجاهل أن هذا العلم "الهندسي" يخفي هندسة ممنهجة للقتل والتهجير والإبادة. وقد رفعنا هذا الأمر إلى الإدارة، التي نزعت الصّفحة من الكتاب (لا نستطيع إلغاء الكتاب، لأن الطلاب يحصلون على شهادة الباكلوريا الفرنسيّة وفقًا للمادة الموجودة فيه).
س/ إسرائيل: اعترفت أن حركة المقاطعة العالمية عرّضتها لخسائر كبيرة، كيف تفسّرون ذلك؟
ج/ قبل عدة سنوات صرّح نتنياهو أنّ "حركة المقاطعة العالميةBDS هي تهديد استراتيجيّ لدولة إسرائيل". وهو يعتبر أنّ هذه الحركة تهدف إلى نزع الشّرعيّة عن الدولة الصهيونية، ويشعر بخوف شديد بسبب الانتصارات التي تحققها. الجدير ذكره أنّ ديزموند توتو(كبير أساقفة جنوب أفريقيا) قال عن حركة المقاطعة العالمية إنها حقّقتْ في خمس سنوات ما لم تستطع حركة مقاطعة نظام الفصل العنصري أن تحققه في جنوب أفريقيا خلال خمسين سنة!
كما أنّ نتنياهو، ورهطه، منزعجون بشكل كبير لأنّ حركة المقاطعة العالمية استطاعت أن تخترق اليهودَ في العالم، بمن في ذلك يهودُ الولايات المتحدة، وصار جزء من هؤلاء أعضاء في الحركة.
الحكومة الإسرائيلية ألحقتْ محاربةَ المقاطعة بمكتب تابع لوزارة الأمن والشؤون الاستراتيجية، وصارت حركةُ المقاطعة العالمية بندًا أساسيًا من عمل الحكومة الإسرائيلية، ويقيم الإسرائيليون مؤتمرات من أجل محاربتها، ويصرفون في ذلك ملايين الشيكلات سنويًا. ومؤخرًا قام وزير إسرائيلي بتصميم"خريطة كراهية"(Hate Map)، ووضع على خريطة العالم أماكن توزّع حركات مقاطعة "إسرائيل" في العالم، وحدّد بالاسم حركة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان.
س/ كيف تقوّمون عمل حملة المقاطعة في لبنان تحديدًا؟
ج/ المقاطعة في لبنان هي أقوى حملات المقاطعة في الوطن العربي. وعملها يتقاطع مع عمل حملات المقاطعة خارج لبنان. والإنجازات التي حققها لبنان على هذا الصعيد لم يحققها أيُّ مكان آخر في العالم العربي. ونحن نعتبر أن عملنا دفعٌ للانتفاضة، دفعٌ للشعب الفلسطيني، ولحركة المقاومة المسلحة أيضًا.
س/ ما هي نسبة التجاوب مع الحملة في لبنان؟
ج/ ما نستطيع تأكيده هو أننا أوجدنا "جوّا"ً في لبنان مؤيّدًا للمقاطعة. بل أستطيع أن أؤكّد أنه يصعب أن تجد أيّ أكاديمي، أو فنان، أو مثقف، لبناني لا يحسب حسابًا لاحتمال التقائه بإسرائيليين، ولذلك يتحاشى ذلك في غالبية الحالات. وحتى المهرجانات في لبنان باتت أكثرَ تنبّهًا لهذا الأمر؛ فقد استطعنا الحؤول دون أن يَعرض بعض الفنانيين الذين يؤيدون "إسرائيل" في لبنان.
ونحن اليوم في طور توسيع عمل الحملة لتشمل قطاعَ التربية والإعلام. وعريضتنا التربوية ضد التطبيع حصدتْ مئات التواقيع في المدارس، وسنرفعها قريبًا إلى وزير التربية (فور تشكل الحكومة الجديدة).
س/ هل دفعتم أي أثمان مقابل هذه النجاحات؟
ج/ بالطبع. فلم نحقق ذلك كله من دون دفع أثمان. نحن نتعرض دومًا لحملات تشويه وتجريح واتهام. كما رُفعتْ ضدّنا دعوى قضائية، لكنّ صاحبها (جهاد المرّ) فرّ وهو يجرّ أذيال الخيبة بعد تضامن الآلاف معنا.
كما أنّ وسائل الإعلام تتجاهلنا في معظمها، وبعضُها يحاربنا. وهناك حملة لمقاطعتنا عبر وسائل الإعلام، لكننا استعضنا عنها بالفيس بوك والتويتر، وبإنشاء موقع خاص لحملة المقاطعة، وبنشر بياناتنا عبر جريدة الأخبار، وبإقامة ندوات كثيرة في النوادي والجامعات.
س/ عند إقامة أي نشاط رياضي أو غير رياضي في الخارج، فيه إسرائيليون، ينسحب المشاركون اللبنانيون، ويبقى الإسرائيليون. فهل يتم العمل في العالم العربي على أن يحصل العكس؟
ج/ في الدول العربية، الاتحادات الرياضية في كثير من الحالات تابعة لأنظمتها، وعليه فإنها لا تستطيع مقاطعة "إسرائيل" ولا الضغط على هذه الأنظمة حتى تسحب الفرق العربية. بعض الدول العربية مكلّفة، أميركيًّا، بالتطبيع. وهي تؤدّي هذا التكليف بـ"كفاءة".
أما الرياضيون في هذه الدول المطبعة فيقولون:"إذا تواجدنا مع إسرائيليين في مباراة ما سننسحب". لكنهم في بعض الأحيان لا يستطيعون الانسحاب خوفًا من عقاب أنظمتهم. المفارقة أنّ الرياضيين (والشعراء والموسيقيين) في بلدان الخارج، عربًا وغير عرب، كثيرًا ما ينسحبون من المشاركة مع أيّ إسرائيلي، وذلك بمجرّد أن نتصل بهم! منذ شهرين مثلًا كان هناك مهرجان صغير شعري موسيقي ببرشلونة، تحت عنوان" لقاء السلام"، وكان يُفترض أن يشارك فيه عرب وإسرائيليون، فانسحب العرب بعد أول اتصال أجريناه معهم.
وفي النمسا قبل أعوام كان هناك مهرجان موسيقي "للسلام".أخبرنا المشاركين العرب أنّ السفارة الإسرائيلية من ضمن الرعاة، فانسحبوا خلال أيام قليلة.
وفي ألمانيا كان هناك لقاء تطبيعي قبل أعوام، بمشاركة سوريين وإسرائيليين وغسان سلامة (وزير الثقافة اللبناني السابق). حين فضحنا طبيعة هذا المؤتمر انسحب سلامة، وانسحب السوريون، ففرط اللقاء من أساسه.
وبالعودة إلى سؤالك، خطتنا ببساطة هي الآتية: نحاول في البداية الضغط من أجل سحب الإسرائيليين، وإن لم نستطع سحبهم فإننا نطالب العرب الانسحاب.
س/ ما هو عدد البلاد العربية الّتي تتواجد فيها حملة المقاطعة؟
ج/ هناك حملات مقاطعة في مصر وتونس والمغرب وقطر والكويت وفلسطين ولبنان والأردن وغيرها. بعضها فروع لحركة المقاطعة العالمية (BDS)، وبعضها ينسّق مع هذه الحركة فحسب. في بعض الأقطار هناك أكثر من حملة مقاطعة: في الأردن مثلًا هناك "إتحرك" و"حملة غاز الاحتلال احتلال" فضلا عن فرع للحركة العالمية وحركات لمقاومة التطبيع ومقاومة الصهيونية. في مصر الأمر مشابه. وكذلك في تونس.
س/ هل من الممكن أن تواجه حملة المقاطعة السفارات الإسرائيلية الموجودة بعض الدول العربية؟
ج/ في الأردن مثلًا هناك مجموعة كانت كل يوم سبت تقف وقفة احتجاجية أمام السفارة الإسرائيلية. لكن أعتقد أنّ مثل هذه الحركات، على ضرورتها، رمزية، خصوصًا أن الشرطة العربية تمنع المتظاهرين من الاقتراب من سفارة العدو. وأعتقد أنه قد يكون من الأنجح التركيز على محاربة الشركات الداعمة للعدو (كشركة G4S وشركة كاتربيلر التي جرفتْ مخيم جنين) في كل قطر عربي، ومحاربة الاتفاقيات المعقودة معه.