من جديد تُستهدَف قضيّة الأسرى الفلسطينيين بمُحاولات التهميش والإقصاء، ويُهان الذين أفنوا أعمارهم وذاقوا أمرّ صُنوف المعاناة داخل سجون الاحتلال، بإزاحة ملفّهم عن الطاولة، بقرارات رسمية، لا تزال تدّعي الحكومة أنها تصبّ في مصلحة الأسرى. إذ قرّرت "تعديل مهام نادي الأسير، واعتباره أحد أذرع هيئة شؤون الأسرى".
مجلس إدارة نادي الأسير الفلسطيني، الأحد 2 ديسمبر الجاري، أكّد القرار بإعلانه "إنهاء عمله كمؤسسة رسمية تعنى بشؤون الأسرى الفلسطينيين"، وأوضح أنّ النادي الآن بات "ممثلًا بهيئة شؤون الأسرى والمحررين".
مسؤول لجنة الأسرى في الجبهة الشعبية، الأسير المحرر علام كعبي، أوضح لبوابة الهدف أنّ القرار نصّ على أن تختصّ مهام نادي الأسير بمتابعة شؤون الأسرى المحررين فقط، في حين تتولّى الهيئة شؤون الأسرى المعتقلين في سجون الاحتلال.
وقال كعبي، إنّ ما استماتت الحكومة في نفيه قبل نحو عامٍ ونصف، نراه يُطبّق اليوم تدريجيًا. في إشارة لاستهداف الأسرى والمؤسسات الوطنية التي تُعنى بهم، ومحاولات تهميش قضيّتهم استجابة للضغوط الأمريكية و"الإسرائيلية".
وكانت بوابة الهدف انفردت بكشف تفاصيل هذا المُخطط، في إبريل 2017، والذي كان يُطبَخ في أروقة السلطة الفلسطينية، بهدف تحجيم دور هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير وتكبيل مهامهما، رضوخًا للضغوط الدولية والصهيونية التي تُمارس عليها (السلطة) على خلفية المخصصات المالية التي تدفعها للأسرى والمحررين. وكانت المُشاورات في حينه تبحث تحويل مؤسستيّ "رعاية الشهداء والجرحى" و"هيئة شؤون الأسرى والمحررين" إلى جمعيّتيْن أهليّتيْن تخضعان لإشراف وزارة الداخلية الفلسطينية. الحديث ذاته يعود اليوم.!
وعلى مدار الشهور السابقة، أوقفت وزارة المالية بحكومة الوفاق صرف ميزانية نادي الأسير الفلسطيني، البالغة 75 ألف شيكل. ثمّ أقالت الحكومة رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع وتعيين اللواء بجهاز الأمن الوقائي قدري أبو بكر في المنصب، ولجنة لإدارة الهيئة غالبية أعضائها كذلك من الأجهزة الأمنية. سبق هذا كلّه تحويل الهيئة من وزارة تابعة للسلطة إلى هيئة وطنية تتبع مباشرة إلى منظمة التحرير.
الأسير المحرر علام كعبي قال "منذ إلغاء وزارة الأسرى وتحويلها لهيئة، أُدخلت الأخيرة في دائرة الصراع على مراكز القوة بين شخصيات مُتنفّذة في السلطة". وأضاف "من يقود الهيئة الآن هم مجموعة من قيادة جهاز الأمن الوقائي، بعد أن تم عزل المناضل عيسى قراقع، وهذا يعني محاولة فرض سيطرة أمنية على المؤسسة الوطنية التي يُفترض أن تكون تابعة لمنظمة التحرير".
واعتبر محاولات إلحاق الهيئة بوزارة الشؤون الاجتماعية "استهدافٌ وإقصاءٌ لقضية الأسرى، وتصويرهم على أنّهم "مُتسوّلون" ينتظرون المُخصّصات المالية التي تدفعها لهم السلطة الفلسطينية. مُشددًا على أنّ "هذه المخصصات هي أقل حق لهم، بحكم أنّهم الشريحة الأكثر تقدمًا في النضال الوطني، والشريحة التي وقع عليها القدر الأكبر من الضرر والمعاناة في سجون الاحتلال"، مضيفًا أنّ "ما يجري ضدّ الأسرى إهانة لهم ولنضالهم وصفعة لمكانتهم السياسية والوطنية".
وقال "قبل عامٍ ونصف العام تقريبًا تردّد حديثٌ عن تحجيم دور ومكانة هيئة شؤون الأسرى، وسارع المسؤولون لنفيه، ها نحن اليوم نرى ترجمة عملية ومُتدرّجة لهذا الأمر وأكثر".
وتابع كعبي لبوابة الهدف قائلًا "هناك أطرافٌ تتعامل مع هيئة شؤون الأسرى على أنها مؤسسة فتحاوية فقط، وقراءتنا للوضع الآن هي أنّ هناك صراعًا بين أقطاب في حركة فتح للسيطرة على المؤسسة الوطنية من أجل تقوية مراكز نفوذها، وهذه الأقطاب/القيادات تدفع باتجاه التماهي والتواطؤ مع الطلب الإسرائيلي الأمريكي بوقف تمويل ذوي الشهداء والأسرى المحررين، بصفتهم شرائح، تُصنّفهم الولايات المتحدة وإسرائيل على أنّهم إرهابيون".
هذا بالضبط ما تضمّنه تصريحٌ أدلى به الرئيس السابق للهيئة، عيسى قراقع، قبل يومين، حذّر فيه من "محاولات وتمريرات لإضعاف وتفكيك الهيئة وتهميش دورها كعنوان لقضية الأسرى والمحررين، في ظل استهداف إسرائيلي رسمي متعمد لهذه القضية، بالسعي إلى الانقضاض على مكانتهم النضالية والشرعية وحقوقهم العادلة". ودعا قرقع إلى "إبعاد الهيئة عن النزاعات الفردية والطموحات الشخصيّة، وتوفير كل الدعم والتعاون لها وتعزيز وتمكين دورها الوظيفي والوطني". مُشددًا على أنّ "هيئة الأسرى ليست ملعبًا لتحقيق أجندات سياسية أو شخصية".
قراقع الذي رفض التعقيب على التطورات الأخيرة، اكتفى خلال اتصال هاتفي مع بوابة الهدف، بالقول "بالتأكيد الفترة المقبلة ستكون صعبة جدًا على قضية الأسرى والمحررين الفلسطينيين".
عدّة بيانات استنكار وتنديد خرجت حتى اللحظة، من جهات مختلفة، أجمعت كلّها على ضرورة النأي بالمؤسسات الوطنية، سيما المعنيّة بشؤون الأسرى، عن الخلافات والمناكفات الشخصية والفئوية، وإعلاء قضية الأسرى السامية فوق كلّ اعتبار. في وقتٍ تُجري فيه لِجان الأسرى في مختلف محافظات الضفة المحتلة اجتماعات ولقاءات متواصلة من أجل بلورة موقفٍ لمواجهة السياسات والقرارات الخطيرة المُحدقة بقضية الأسرى.
علام كعبي لفت إلى أنّ تداعيات الهجمة التي تُمارس بحق الأسرى، في مقدّمتها العبث بمخصصاتهم المالية التي هي حقٌ لهم، لا تتعلّق بالمعتقلين والمحررين فحسب، وعددهم نحو مليونٍ، بل تتجاوزهم لتطال ذويهم، الذين يعتاشون على ما يُصرف من مخصصات أبنائهم.
وقال "إنّ كل ما تشهده قضية الأسرى، هو نتاجٌ سوء إدارة السلطة الفلسطينية لهذا الملف، ومعه كلّ الملفات التي جرى العبث بها مؤخرًا، ك القدس واللاجئين ووكالة الغوث (الأونروا)".
وفي إطار التحرّكات على الأرض، قال كعبي "ننتظر موقفًا من قيادة حركة فتح في سجون الاحتلال، وكذلك لجان الأسرى في الضفة المحتلة، والتواصل معهم في هذا الإطار لا ينقطع، من أجل تحديد الخطوات المقبلة لمُجابهة القرارات الخطيرة التي يتم اتخاذها بحق الأسرى". لافتًا إلى أنّ "هذا الملف سيكون ساخنًا في وجه السلطة خلال الفترة المقبلة، ولا بدَّ من وقفةٍ جادة، نطالب فيها باستعادة قضية الأسرى مكانتَها الطبيعية، كوزارةٍ ضمن الحكومة الفلسطينية، وليس ملفًا مُلحقًا بوزارة الشؤون الاجتماعية!".