Menu

هاني حبيب يكتب للهدف : "صورة" في الانتفاضة الأولى!

هاني حبيب

3d175dc8931bae020cbc2bee3fcca806.jpg

ما تزال صورة الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1991) ماثلة في ذاكرتي وأنا أتصفح ما وصلنا منها في مقر مجلة الهدف في دمشق لاختيار الصور المناسبة وإعدادها للنشر، عندما كان "الحجر" أداة أبطال الانتفاضة في المواجهات وملاحقة قوات العدو في الشوارع والأزقة والمخيمات، وما زلت أرى أن تلك الصور هي التي أدت إلى تركيز مختلف وسائل الإعلام الغربية على مجريات الانتفاضة والعدد الكبير من مصوري الصحافة الدولية الذين هرعوا إلى الأرضي المحتلة لتغطية يوميات الانتفاضة الأولى كان وراء التقريب الدولي لكلمة الانتفاضة واستخدامها بديلًا عن مسماها الإنجليزي "uprising”"، وفي ذلك الوقت أخذت مراكز الأبحاث خاصة تلك التي تعمل في مجال الإعلام، بالحديث عن تمايز الصورة في الحروب، حتى أن البعض منها أطلق على الانتفاضة الأولى "حرب الصورة"، خاصة بعدما قام مصور إسرائيلي بالتقاط ونشر صورة الجنود وهم يكسرون أذرع نشطاء فلسطينيين عزّل باستخدام الحجارة، وتم تحميل رئيس الوزراء آنذاك إسحاق رابين مسؤولية انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني الأعزل من خلال دوره بالقضاء على الانتفاضة بأية طريقة بما في ذلك الاستخدام المفرط للعنف.

الآن وبعد 31 عامًا على هذه الانتفاضة ومع ابتكارات أكثر حداثة في فنون التصوير والاستخدام الأفضل للصورة والفيديو، وامتلاك كل وسائل التصوير المريحة والرقيقة والجيدة، تظل تلك الصورة الثابتة، لها ما لها في التنويه والتذكير بدورها الكبير، بل الهائل في وصول رسالة الانتفاضة ما مكنها من الوصول غلى العالمية، وإذا جاز لنا المفارقة، فإنّ تلك الصور، مقارنة بصور الانتفاضات الفلسطينية التالية، حظيت بدورٍ أكبر بكثير في التأثير على الرأي العام العالمي، بما هو عليه الآن.

صور عديدة ما تزال تلتصق بمخيلتي وأنا أراجع ظروف تصفحها ومطالعتها وتعليقها مع مجموعة من محرري الهدف في ذلك الوقت، الآن صورة واحدة ما تزال لا تبرح مكانها  في ذاكرتي، كانت الأكثر تأثيرًا وانشدادًا ووصولًا، مقارنة مع كل الصور الأولى التي ساهمت في دون شك في وصول رسالة الانتفاضة الأولى، وهي صورة فتى يلاحق آليات الاحتلال، مكشوف الرأس والوجه، مع أن معظم النشطاء كانوا يتلثمون بالحطة الفلسطينية، لهذا الفتى عدة صور تم التقاطها بعدسات مصوّرين عالميين، تارة يحمل الحجارة وتارةً أخرى بمقلاع، وهو الفتى رمزي أبو رضوان، معظم صوره تشير وكأنه كان يعمل منفردًا وليس في مجموعة من النشطاء، ما جعل بعض وسائل الإعلام تعتبره مجرّد فتى شفي عنيف لا أكثر، مع أن ملامح وجهه وشدة إصراره وملاحقته الواعية لآليات وجنود الاحتلال، تجرّده من العنف الذاتي إلى العنف في مواجهة المحتل.

في مرور الوقت، أصبح هذا الفتى رجلًا، ولم يعد بمقدوره أن يحمل حجرًا أو مقلاعًا، بل حمل كمنجة، ولم يعد طفلًا شقيًا، بل رجلًا يقود الفرق الموسيقيّة ويحيي الحفلات والمهرجانات في فلسطين، بعد أن درس الموسيقى في فرنسا بعد أن تقررت له منحة دراسية.

هو واحد من كثيرين، بعضهم نعرفهم، ومعظمهم لا نعرفهم، وحتى من نعرفهم، ربما طواهم النسيات، حتى هذه الصورة الثابتة في الذاكرة الحقيقية التي تؤرخ للحظة التي كانت راهنة.