Menu

نظام التصاريح الاحتلالي: أداة للتمييز والسيطرة وليس الأمن

بوابة الهدف - ترجمة وتحريرأحمد.م.جابر/ عن 972mg

كانت السيطرة على حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ضبطها والتحكم بها، ومصادرة آفاق حريتها، الشغل الشاغل للدوائر الصهيونية ولأجهزة أمنها، وفي هذا السياق جاء نظام تصاريح العمل كأداة ضبط وتحكم وابتزاز وإسقاط لم تتردد السلطات الصهيونية في استخدامه بأبشع الصور مستغلة حاجة الفسلطينيين إلى العمل وإغلاقها كافة أبواب الحصول على عمل في مدنهم وقراهم، لتبقى هي من يمسك بمفتاح التجويع والإشباع لملايين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967.

وطالما استغل الكيان الصهيوني نظام التصاريح لاسقاط العديد من الحالالت، ولممارسات العقاب الجماعي، ولإخضاع الفلسطينيين لنمط حياة آمن لدولة الاستيطان عبر الفرز الأمني.

المقال التالي هو ترجمة بتصرف لمراجعة كتاب "طوارئ المعيشة 2017" للمحامية "الإسرائيلية ياعيل بيردا الأستاذة المساعدة في قسم علم الاجتماع في الجامعة العبرية وتكثيف لأهم ما جاء في مقابلة معها حول هذا الكتاب ونظام التصاريح "الإسرائيلي" الذي يناقش نظام االتصاريح باعتباره جزءا من آليات الفصل العنصري التي تنتهجها دولة الاحتلال ضد فلسطينيين الضفة والقطاع.

إنها صورة مألوفة لأي شخص على صلة ولو قليلة بالواقع الفلسطيني وواقع الاحتلال وطبيعته، صورة آلاف الفسلطينيين يتجمعون على البوابات الأمنية في الصباح الباكر منتظرين أن يأتي دورهم ويسمح لهم الجندي المناوب بعد فحص عميق وإذلال بالمرور إلى حيث يمكن الحصول على لقمة العيش وما يوفي باحتياجات أسرة تنتظر معيلها أن يعود ببعض الفتات أو لايعود أبدا كما في الكثير من الحالات.

ممر ضيق محاط بالخرسانة، أبواب دوارة، جنود مسلحون، سور وبرج مراقبة، تلك هي حالة بوابات العبور الأمني التي تمثل التلخيص الصارخ للاحتلال برمته، باعتبارها أداة قهر وإذلال وسيطرة.

بالنسبة إلى ياعيل بيردا، فإن نقطة التفتيش هي ما تسميه "الصندوق الأسود للاحتلال"، وهي تخفي بقدر ما تكشف عن الطبيعة الحقيقية لنظام التصاريح المتخفي للكيان الصهيوني، وفي كتابها "طوارئ المعيشة العام 2017" حاولت بيردا فك ألغاز هذا الصندوق الأسود، استناداً إلى مقابلات مع العمال الفلسطينيين والمسؤولين الصهاينة والمقاولين وأبحاث المحفوظات، ومثل الكتاب نظرة متعمقة على الطرق المختلفة التي يديرها هذا النظام عبر الشاباك والجيش والحكومة وما يسمى الإدارة المدنية التي تنسق الاحتلال في الضفة الغربية، عندما بدأت بيردا حياتها القانونية في عهد الانتفاضة الثانية تلقت اتصالات كثيرة من مقاولين "إسرائيليين" يتطلعون للحصول على تصاريح لعمالهم الفلسطينيين، عمال تعاقدوا معهم لأكثر من عشرين عاما ثم اختفوا بقرار عسكري واحد.

ونتيجة متابعتها الحثيثة بما في ذلك اتصالها بمنظمات حقوقية "إسرائيلية" اكتشفت بيردا أن ما يحدث هو قرارات آنية، ليس لها علاقة بالأمن بل بالسيطرة والفصل المبنيين على التمييز.

وبينما كان الفلسطينيون في الأراضي المحتلة يخضعون للحكم العسكري منذ عام 1967، حتى أوائل التسعينيات، كان القادة العسكريون يعتقدون أن أفضل طريقة لإدارة السكان في الضفة الغربية هي من خلال سياسة مفتوحة الحدود، حيث يتحرك الناس من وإلى "إسرئيل" بحرية عدا أوقات الليل

التصاريح لم تكن موجودة، تشرح بيردا، وبصرف النظر عن حظر التجول في قرى معينة، كان الاحتلال غير مهتم إلى حد كبير بحركة المدنيين، وقد اعتبرها مهندسوها، أولئك الذين كرّسوا التبريرات القانونية للحكم العسكري، جزءاً من "الاحتلال الإسرائيلي المتنور".

تقول بيردا: "لم ينظر الجيش إلى الفلسطينيين على أنهم تهديد أمني في ذلك الوقتو "آمن الجيش أنه ". كلما زاد عدد الفلسطينيين الذين يكسبون رزقهم في إسرائيل، كان ذلك أفضل حالاً."، واستند هذا في كل مرة إلى فكرة عنصرية مفادها أن الفلسطينيين ليسوا مستعدين بعد، وأننا "نستطيع مساعدتهم". كان (نظاما )أبويا جدا ".

لكن بحلول أوائل الثمانينيات، أصبح حكم الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عبئا على المؤسسة. الصهيونية، وهكذا أسست "إسرائيل" ما سمي "الإدارة المدنية"، التي كان هدفها إدارة حياة السكان المحتلين و بالنسبة للفلسطينيين، كان ذلك علامة على أن الاحتلال لم يكن مؤقتًا.

وبينما يعتقد العديد من الناس أن نظام التصاريح بدأ خلال الانتفاضة الثانية كجزء من حرب "إسرائيل" على ما زعمت أنه الإرهاب الفلسطيني تثبت بيردا أن هذا النظام في الحقيقة تم تأسيسه مبكرا مع الانتفاضة الأولى التي غيرت كل شيء، سواء في "إسرئايل" أو في حياة الفسلطينيين، الذين أصبحوا يمضون حياتهم تحت حظر التجول والإغلاق، وأصبح الجيش حاضرا بقوة في تفاصيل حياتهم، وأدخلت الحكومة المحتلة قانون الطوارئ الذي يلغي تصريح الخروج العام الذي سمح للفلسطينيين بالدخول بحرية إلى "إسرائيل" وبدأت تطالب جميع الفلسطينيين بالحصول على تصريح. وفي التسعينيات فرضت حكومة الاحتلال الإغلاق لأكثر من ثمانين يوما بحجة الأعياد اليهودية، على جميع الأراضي المحتلة.

ومع اندلاع الانتفاضة الثانية، حول الشاباك تركيزه إلى جمع البيانات وتوصيف كامل السكان الفلسطينيين، بدلاً من التركيز على منع العنف أو تصنيف مجموعات معينة فقط داخل المجتمع الفلسطيني تعرض الأمن "الإسرائيلي" للخطر. على حد زعمه، و من أجل القيام بذلك، قام الشاباك بإنشاء جهاز تنميط هائل تم بموجبه تصنيف أكثر من 200.000 من سكان الضفة الغربية - حوالي 20 بالمائة من السكان الذكور - على أنهم "تهديدات أمنية"، ومنعهم من الحصول على تصاريح دخول إلى "إسرائيل"، ووصف المسؤولون القائمة السوداء بأنها "شارع اتجاه واحد" - وهي قائمة تتوسع باستمرار من فئات المخاطر الأمنية التي استخدمها عملاء الشاباك لتحديد من سيمنع دخولهم.

لا يعرف الفلسطينيون ولا البيروقراطيون الذين يديرون النظام السبب وراء حظر أحد الأفراد، تحت حجة المعايير السرية للشاباك الذي يمتنع عن التصريح لماذا يعتبر شخص محدد تهديدا أمنيا.

السيطرة المتزايدة لـ "الشاباك" سمحت له بالبدء في تجميع مجموعة من الأشخاص يمكنهم تجنيدهم كمخبرين، وكان هذا تطوراً غير متوقع، كما ترشح بيردا، إذ طالما أن القوات "الإسرائيلية" موجودة في المدن الفلسطينية، فهي تتمكن من جمع المعلومات الاستخباراتية من خلال عملاء سريين "إسرائيليين"، فجأة أصبح لديهم 40.000 مخبر، يمنحونك غطاء معلوماتيا عن الجميع، وأولئك الرافضين يضافون فورا للقائمة السوداء، وهكذا خلق الشاباك نظاما للتبعية خاضعا لأهوائه.

في الكتاب، تروي بيردا قصة عمر، الفلسطيني البالغ من العمر 41 عاماً والذي عمل لسنوات كميكانيكي وتم منحه تصاريح لدخول "إسرائيل" ولكن في العام 1996، مُنع من الحصول على المزيد من التصاريح، و بعد عقد من الزمن بدأ عملية الطعن في تصنيفه كتهديد أمني و روى حديثه مع كابتن في الشاباك الذي قال له بوضوح في نهاية الحديث "أنا مستعد لمساعدتك، إذا ساعدتني". فهم عمر أن الطريقة الوحيدة لإزالته من القائمة السوداء هي التعاون مع الشاباك، و رفض العرض، وبعد ذلك طلب منه التوقيع على وثيقة باللغة العبرية، تؤكد أنه منع من الدخول إلى "إسرائيل" مرة أخرى.

كيف يبدو نظام التصاريح اليوم؟ كيف تكيف مع واقع متغير في الأراضي المحتلة؟

تقول بيردا إن "إسرائيل" تمكنت من تحويل الفلسطينيين إلى عمال مهاجرين مما يعني أنهم لم يعودوا قادرين على تحدي إدراجهم في القائمة السوداء، من خلال أي استئناف للمحكمة العليا، واليوم أيضا لايمكنهم إلا الاستئناف أمام المحاكم المحلية للحصول على تعويض قانوني، وهذه المحاكم أكثر حرصًا على قبول تصنيفات الشاباك على أن هؤلاء الملتمسين يشكلون تهديدات أمنية.

الشاباك طبعا كما هو معروف يواصل بالتعاون مع المنسق الاحتلالي هذه السياسة، فالمنسق يضع على صفحته الرسمية على الفيس بوك باستمرار دعوات للممنوعين من الدخول للتوجه إلى وحدة خاصة لفحص شكاواهم ومن المعلوم أن هذه الوحدة تتبع الشاباك وليست سوى فخ لللإيقاع بالعمال وتجنيد من هو مستعد للتساقط منهم.

في هذا الوضع، أدى صعود نظام التصاريح إلى إنشاء نظام من الوسطاء والسماسرة الذين يساعدون أرباب العمل "الإسرائيليين" في الحصول على تصاريح للعمال الفلسطينيين حيث تضرر كثير من أصحاب العمل هؤلاء بشدة من نظام التصاريح، حيث أن الكثير من الأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة المستوى قد بنيت على ظهور العمال الفلسطينيين. ويساعد الوسطاء "الإسرائيليون" أصحاب العمل بينما يساعد الوسطاء الفلسطينيون العمال على الحصول على تصريح من مكاتب التنسيق المحلية التابعة للإدارة المدنية (DCO)..

تشير التقارير إلى أن العمال يدفعون أحيانا ما بين ألف إلى 3000 شيكل للحصول على تصاريح وهي أحيانا مبالغ تعادل ثلث الراتب، ويمكن لأصحاب العمل الحصول على تصاريح أكثر مما يحتاجون بالفعل، ثم يبيعونها لأرباب العمل الآخرين الذين قد يواجهون صعوبة في الحصول على تصاريح. في الواقع، ما نراه هو سوق سوداء ضخمة للتراخيص التي يستفيد منها كل من أرباب العمل والوسطاء، كما تحلل بيردا.

.توثق بيردا اعتقال عدد من ضباط الجيش الصهيوني بين عامي 2004 و 2005 بتهمة بيع عشرات من تصاريح الدخول المزورة للعمال والمقاولين، وقد أدت الجرائم إلى تثبيت برمجيات لإدارة السكان في نقاط التفتيش في جميع أنحاء الضفة الغربية، والتي تربط التراخيص المسجلة بقاعدة بيانات واحدة، مما يسمح للسلطات بالتحقق بسهولة من صحة التصاريح، و على الرغم من حملة القمع، أصبحت عمليات التزوير أكثر انتشارًا وتطوراً بين عامي 2007 و 2017، وتم اتهام ثلاثة جنود فقط بتهمة التزوير، في حين ازداد عدد لوائح الاتهام ضد المدنيين المتورطين في تزوير التصاريح.

تتحدى بريدا حجة الأمن في نظام التصاريح وتقول "ليس السوق السوداء غير شرعية تماماً فحسب، بل إنه أيضاً خرقٌ أساسي للأمن، والذي غالباً ما ينخرط فيه بشكل مباشر أفراد إسرائيليين.، ومع ذلك، لا يتم وضع أي شخص في السجن بسبب المخالفات الأمنية الخاصة ببيع التصاريح للفلسطينيين على القائمة السوداء و في أحسن الأحوال يتم تقديمهم للمحاكمة بتهمة الرشوة أو الاحتيال، فإذا كان نظام التصاريح في الواقع يتعلق بالأمن، فإن هؤلاء الأشخاص سيُسجنون بتهمة الخيانة "..

تقول بيردا أنها أثناء العمل على كتابها علمت أن صاحب العمل الذي يريد الحصول على تصريح لفلسطيني للعمل في المستوطنات لا يجب أن يمر عبر جهاز" الشاباك " أو الشرطةو بدلاً من ذلك، يتحدث إلى (رافشاتز (منسق أمن المستوطنات، وهو مدني، ويقرر من يستطيع أو لا يستطيع الحصول على تصريح، و لديه العديد من التصاريح كما يريد، مما يعني أن البناء في المستوطنات يصبح تجارة مربحة بشكل لا يصدق.

لماذا تهتم المؤسسة الأمنية بالفلسطينيين الذين يدخلون إسرائيل ولكن ليس أولئك الذين يدخلون المستوطنات؟

لا يوجد إجابة على هذا السؤال وتضيف بيردا " يبدو الأمر كما لو أن الفلسطينيين القادمين إلى المستوطنات لا يمكنهم إيذاء اليهود حسب الزعم مع العلم إن معظم الهجمات على الجنود والمستوطنين تحدث بالفعل في المستوطنات، وليس داخل إسرائيل ".

ةتشرح بأن هذا يعني أن الأمر لايتعلق بالأمن بل بالفصل والاحتواء، ولذلك فمنطق الأمن يختلف هنا عن منطق الاستيلاء على الأرض الفلسطينية.

وتقول بيردا إنها اكتشفت أن عملها الحقوقي في الواقع يساعد نظام الاحتلال عبر اضطرارها للعمل مع المؤسسة الأمنية ولهذا توقفت، وترى أنه "يجب تفكيك نظام التصاريح والعمل فيه يؤدي إلى تعزيزه".

كما إنه لاتوجد طريقة لإصلاحه لأنه يستند إلى التسلسل الهرمي العنصري الذي يقول إن كل فلسطيني هو إرهابي محتمل، والفلسطينيين الذين يسمح لهم بالمرور عبر هذا النظام يجب أن يكونوا من عمر معين ويتم تحييد أولئك المنخرطين في نشاطات سياسية أو ثقافية أو مدنية، في محاولة لقطع رأس أي قيادة سياسية فلسطينية قد تظهر.

ترى بيردا أن الحل الوحيد هو تعزيز الحلول الاقتصادية القابلة للحياة والاكتفاء الذاتي للفلسطينيين، وهذا يعني خلق مشاريع جديدة داخل فلسطين لعمال البناء على سبيل المثال، وهذا يعني أيضا أنه يجب على السلطة الفلسطينية أن تفعل المزيد لمحاربة نظام التصاريح وبدلاً من التعاون مع السلطات "الإسرائيلية"، يمكن للسلطة الفلسطينية أن تطلب تصاريح دخول لجميع العمال الفلسطينيين الذين تزيد أعمارهم على 25 عاماً، مما يضع حداً فعلياً للقائمة السوداء.

كيف يقاوم الفلسطينيون حاليا نظام التصاريح؟

تقول بيردا أن الفلسطينيين يقاومون نظام التصاريح بطرق عدة عبر الالتفاق حول نقاط التفتيش والانصراف إلى محاور اقتصادية واقتصادات صغيرة، وهم لايقومون بأي مقاومة أثناء مرورهم إلى "إسرائيل"، بل يفعلون عكس ما يتوقعه النظام منهم، إنهم ينضمون معا لمنع إسرائيل من إقامة نقاط تفتيش جديدة، كما رأينا في العديد من أحياء القدس الشرقية خلال ما يسمى "انتفاضة السكين"..

تسجل بيردا أن مهندسو الحكومة العسكرية دعموا فكرة "الاحتلال المستنير" وحكم القانون وبعد بناء نظام التصاريح أدركوا عقم الأمر برمته، وحاليا لا أحد يقف ويقول إن فكرة التصاريح جيدة حتلا رئيس الشاباك الحالي سيقول بأنه إجراء ضروري، لكن هناك دائماً طرق أفضل ومختلفة للقيام بذلك. إنه غير فعال. "