Menu

تقريرجراح غزة مفتوحة

الذكرى الأولى للعدوان الأخير 2014.

الهدف - رمزي المغاري

مع الذكرى الأولى للعدوان الأخير 2014 على قطاع غزة المحاصر، زادت معاناة الأسر الغزيّة أضعاف ما كانت عليه، القطاع في حصار منذ ما يزيد على ثماني سنوات يتخللها مجازر أتت على البشر والحجر في غزة، قصف تجمّعات سكنية بأكملها، أطفال في منتزهات، أطفال على الشاطئ، عائلات تحتمي في منازلها من بطش صواريخ الاحتلال الصهيوني، تدهور الحالة الاقتصادية بالكامل بسبب الحصار الخانق على القطاع، وفقدان معظم المواطنين أعمالهم.

مرّ على العائلات الغزيّة فصل الشتاء بمأساته المتكررة في خذلان المواطن في كل عملية إعادة إعمار بعد كل عدوان، وكأن من فقد منزله بفعل احتلالٍ غاشم، يتوجّب أن يعاقب من كل العالم على ذلك، وكأن خسارته في ولده وبيته لم تكن كافية، أو أن العالم يقولها للفلسطيني بمليء الفم "هذا ثمن كرامتك".

التقى فريق من بوابة الهدف الإخبارية في جولة له في مدينة بيت حانون شمال القطاع بالكثير من العائلات الفلسطينية المتضررة بسبب فقدان أحد أفرادها أو حتى معظمهم في قصف طائرات الاحتلال الصهيوني خلال فترة العدوان. ما أدى إلى اختلال كبير في حياة معظم العائلات. فغياب الركن الأساسي من العائلة أفقدهم قوت يومهم، عدا عن تجاهل المؤسسات الدولية ووكالة الغوث وحتى حكومة "الوفاق" بشقيها في غزة والضفة المحتلة لمعاناة الناس.

من جانب، تأخّر وتقصير في استدراك الحالة الكارثية التي ألمّت بالعائلات النازحة خلال فترة العدوان نفسها، ومن جانب آخر، المماطلة في تعويض العائلات أو دفع مبالغ بما لا يتناسب مع حاجتهم في فترة ما بعد العدوان، فلم يكن بمستطاع الكثيرين إيجاد مكان للإقامة نظراً لارتفاع أسعار الإيجار بشكل خيالي، ورفض البعض تأجيرهم خوفاً من استهداف طائرات الاحتلال، وكأن من استشهد له ابن أو أخ أو أي من أفراد عائلته لا بد من معاقبته حتى مجتمعياً. بالإضافة لمماطلة ملف إعادة الإعمار حتى اللحظة.

"أبو محمد" يعيش وأفراد أسرته المكونة من (12) فرد في منزله المدمر والذي لا يقيه سوى سقف تحمله أعمدة البيت المدمر، والذي يشكل خطراً على العائلة فهو آيل للسقوط في أي لحظة، لكن الرجل اختار ذلك ليصن كرامته بدلاً من الحاجة لمسؤول هنا ومؤسسة هناك كما قال.

ابو محمد يسرد قصة المعاناة التي يعيشها بعد أن فقد بيته وماله وكل ما يملك ليبقى في أروقة بيت مدمر لا يقي من حر الصيف ولا من برد الشتاء، يستذكر (51) يوماً من وجعٍ ألمّ به وبأسرته. في نهاية حديثه تمنّى أمنية ولم يناشد أحد، أن تعود أوضاعهم كما كانت عليه سابقاً، بيت يأوي وأب يعمل ليجني قوت يومه وليطعم أسرة من (12) فرد.

محمد الكفارنة (40) عاماً، يستذكر ما كان في السابق، منزله المكون من ثلاثة طوابق والحياة المعيشية البسيطة قبل العدوان الأخير فيقول "كنا نعيش في بيت متواضع وحياة بسيطة أنا والعائلة بأكملها فجأة جائت حرب غوغاء قلبت حياتنا رأس على عقب ونعيش الآن في كرافانات مشردين، أنا في كرفان والعائلة في كرافان آخر وفي منطقة أخرى نحاول أن نتعايش مع الواقع لكن يصعب علينا ذلك، البيت الذي تربينا فيه أسرة واحدة."

عندما سألناه حول أنباء عن إعادة الإعمار قريباً وأن هناك مفاجأة خلال الأيام القادمة كما يُذكر في الاعلام نقلا عن مسؤولين، فأجاب بكل حسرة "تعوّدنا دائماً على هذه الأقاويل، أن هناك إعمار للقطاع منذ فترة ونحن نسمع بهذا ولكن للأسف كالمجانين نصدق، كالمصالحة الفلسطينية هرمنا ونحن نسمع بالوحدة الوطنية وللأسف الأوضاع تزداد سوء، خليها على الله."

وإن أردنا الحديث عن النازحين في مدارس الإيواء فهم ما زالوا يعيشون أسرة واحدة في مدرسة واحدة، في ظل اوضاع اقتصادية صعبة ومرور فصل الشتاء ببرده وحاجتهم لأماكن أكثر دفئاً، وحرارة الصيف في الغرف الصغيرة، وافتقارهم للخصوصية وانتظارهم في صفوف لقضاء الحاجة، وتعاطي وكالة الغوث معهم على أنهم عبء ثقيل وغير مرغوب فيه.

"أبو علاء" أمضى سنواته من عام 2008 متنقلاً من بيت إلى آخر، ومن بيت إلى مدرسة لإيواء المتضررين، يسرد قصته المأساوية فيقول "منذ عدوان 2008 لم نستقر في بيت واحد فتنقّلنا مراراً وتكراراً، فقدت منزلي أثناء عدوان 2008 ومن بعدها استأجرت منزلاً تلو الآخر، كي تسترنا جدران منزل صغير ونعيش حياة كبقية البشر نتشارك معاً في لقمة العيش ولكن حتى البيت المستأجر ذهب في العدوان الأخير، ومن ثم انتقلنا لمدارس وكالة الغوث، حتى فيها تنقّلنا وما زلنا نعيش حياة صعبة في ممرات وغرف المدرسة كي نتعايش مع واقعنا المرير ويبقى أملنا في الله أن تعود الحياة كما في السابق."
جل ما حدث منذ وقف اطلاق النار من تأخير للاعمار، وتمديد للحصار، لا يمكن فهمه بأنه ناجم عن خلل " تقديري" في منظومة ادخال البضائع لغزة، او في برامج عمل الجهات المخولة بالاعمار، بل نتكلم عن استراتيجية ممنهجة لاخضاع الناس، عبر ترك جراحهم مفتوحة، على امل ان يعلو صوتهم بصراخ الاستجداء. 

عدوان همجي دمّر الأخضر واليابس على شعب يحلم بالعودة التي يسمع فيها منذ 67 عاماً، وما زال المواطن الغزي يحلم بالقليل، كل حلمه أن تعود الأمور كما كانت في السابق، وكأن السابق كان أفضل بكثير، وهذا ما يحتاجه الاحتلال الصهيوني، الانشغال بإعادة إعمار وفك حصار وتفضيل السيء على الأقل سوء وتحويل قضية شعب وأرض إلى حالة إنسانية متضخّمة.