Menu

قراءة في كتاب"الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا"

إفريقيا عنق العرب الذي تخنقه إسرائيل

غلاف الكتاب

أحمد البان

هناك حقيقتان اثنتان؛ أولهما أن إسرائيل تمسك بتلابيب إفريقيا بشكل لا يقبل الإفلات، والثانية أنها تقوم بخنق العرب في أمنهم القومي والاقتصادي والاستراتيجي من خلال قميص افريقيا الواقع في قبضتها الشرسة، هذا ما يمكن أن يخرج به القارئ لكتاب “الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا” لمؤلفه الخبير بالشؤون الإفريقية حمدي عبد الرحمن.

يقع الكتاب في 126 صفحة من الحجم العادي وهو من منشورات منتدى العلاقات العربية والدولية2015، ويضم ستة فصول تحت كل واحد منها جملة مباحث، وقد خصص الفصل الأول لأهداف ومحددات السياسة الإسرائيلية تجاه إفريقيا، بينما اضطلعت الفصول الموالية برسم مسار تاريخي تسلسلي لتطورات العلاقات الإسرائيلية الإفريقية، ليأتي الفصل السادس متحدثا عن أدوات الاختراق والهيمنة الإسرائيلية لإفريقيا.

البحث عن المشترك..العبيد والإبادة

يرى الكاتب أن الخطاب السياسي والإعلامي الصهيوني الموجه لإفريقيا استخدم منذ البداية قضية المقارنة بين تجارة العبيد ومحرقة اليهود لكسب قلوب وعقول الأفارقة، وتعطي علاقة إسرائيل ورواندا مثالا آخر على محورية التوظيف السياسي لخبرات الإبادة الجماعية المشتركة.

حيث قامت امرأة يهودية تعيش في جنوب افريقيا بتكريس كل حياتها لدعم الروابط بين إسرائيل ورواندا، فأنشأت مؤسسة المحرقة والإبادة الجماعية بغرض نشر الوعي بين طلاب المدارس، وتبادل الخبرات المشتركة للضحايا.

أهداف إسرائيل في افريقيا

سياسيا، لا توجد علاقة بدون عائدات، وتعتبر إسرائيل أن إفريقيا ـ خصوصا دولها المسيحية ـ هي عمقها الاستراتيجي في منطقة تنظر إليها كسرطان مرضي يجب أن يزول. سياسيا، تسعى إسرائيل ـ حسب المؤلف ـ من خلال علاقتها بإفريقيا إلى تحقيق هدفين متلازمين هما: الهيمنة والسيطرة في إطار محيطها الشرق الأوسطي، ثم شد أطراف نظم الجوار الإقليمية الكبرى بما يمكنهما من تحقيق الاختراق والسيطرة المنشودة، أما ثقافيا، فتسعى إلى تحييد إفريقيا المسلمة عن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، باعتباره قضية عربية لا شأن للأفارقة بها.

إن هذين الهدفين تنبثق خمسة أهداف تفصيلية، هي:

1 ـ كسر حدة العزلة الدولية التي فرضتها عليها الدول العربية ومن سار في فلكها،وفقا لقواعد النظرية الصفرية Zero_sum game.

2 ـ كسب تأييد الدول الإفريقية من أجل تسوية الصراع العربي الإسرائيلي باعتبارها دول غير منحازة.

3 ـ العمل على تحقيق أهداف إيديولوجية توراتية باعتبار إسرائيل شعب الله المختار

4 ـ السعي لتحقيق متطلبات الأمن القومي الإسرائيلي وعدم ترك البحر الأحمر للعرب

5 ـ بناء قاعدة استراتيجية لتحقيق الهيمنة الإقليمية Hegemony لإسرائيل وذلك من خلال سياسة شد الأطراف.

تاريخ العلاقات الاسرائيلية الإفريقية

لفهم تاريخ إسرائيل في إفريقيا يجب أن نتذكر أن نجمة داود ارتفعت في سماء أكرا قبل حصول غانا على استقلالها. إذ ترجع الاتصالات الإسرائيلية بغانا إلى 1954، وكان واضحا أن هدف إسرائيل هو محاصرة النفوذ المصري في إفريقيا، وتمتلك إسرائيل أسهما معتبرة في الشركات الغانية الأولى مثل شركة النجم الأسود للملاحة وشركة التعمير الوطنية وغيرهما.

مرت العلاقات الإسرائيلية الإفريقية بثلاث مراحل، كان عصرها الذهبي في سنوات 1957 ـ 1967، فقد كانت نتائج مؤتمر باندونغ (1955) ومؤتمر الدار البيضاء (1961) بمثابة الوخزة المؤلمة التي جعلت الصهاينة يضعون إفريقيا في أولوية أجندتهم الخارجية، “إن علينا كسر الطوق العدائي الذي فرضه علينا العرب”ـ يقول بن غوريون ـ، لم يدخل سنوات الستينات إلا وإسرائيل تمتلك علاقة ديبلوماسية مع 33 دولة إفريقية، واستضافت إسرائيل بين 1960 و1963 عشرة رؤساء أفارقة، أي معدل ثلاث زيارات رئاسية كل سنة.

وقد استخدمت إسرائيل علاقات فرنسا بمستعمراتها في بناء العلاقات، وركزت على دعم اقتصادات الدول الإفريقية الناشئة، حيث قدمت إسرائيل في سنوات 1958 ـ 1960 قروضا بقيمة 43 مليون دولار لثلاث دول إفريقية هي: غانا ـ ليبيريا ـ نيجيريا.

بعد حربي 67 و73 تدهورت العلاقات الإسرائيلية الإفريقية، وقد يعزى ذلك إلى تغير مدركات الزعماء الأفارقة تجاه أزمة الشرق الأوسط، وكذلك نجاح جهود الدول العربية في منظمة الوحدة الإفريقية، وقد قطع الأفارقة علاقاتهم الديبلوماسية مع إسرائيل باستثناء خمس دول هي: جنوب إفريقيا ـ ليسوتو ـ مالاوي ـ سوازيلاند ـ موريشيوس.

لكن إسرائيل عوضت هذه القطيعة الديبلوماسية في هذه المرحلة بتعزيز العلاقات التجارية فضاعفت مبادلاتها التجارية مع إفريقيا، فتضاعفت بين 1973 ـ 1978  من 54.8 مليون دولار  إلى 104.3 مليون دولار، وتركزت هذه التجارة بالأساس في الزراعة والتكنلوجيا.

بنهاية عقد الثمانينات كانت العلاقات الإسرائيلية مع إفريقيا قد عادت إلى سابق عهدها، لقد نجحت إسرائيل في هذه المرحلة في تحييد الدول الإفريقية عن الصراع العربي الإسرائيلي، ولا أدل على ذلك من أن ثلاث دول إفريقية هي: إفريقيا الوسطى وكينيا واثيوبيا أعلنت عن عودة علاقاتها مع إسرائيل  ساعة وصول الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية و غزة إلى ذروتها.

أطلق المؤلف على هذه المرحلة “مرحلة إعادة تأسيس العلاقات” بين إسرائيل وإفريقيا بين 1991 ـ 2011، وقد أسهمت في ذلك معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وانسحاب اسرائيل من شبه جزيرة سيناء وتوقيع اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين وكذا خيبة آمال الأفارقة من الدعم العربي.

في  نهاية 1996 كانت 40 دولة إفريقية قد طبعت علاقاتها مع إسرائيل وهو ما يتجاوز العدد في العصر الذهبي للعلاقات في الستينات، وقد تميزت هذه الفترة بانضمام دول لم تكن لها علاقات قبلية مع الكيان الصهيوني، مثل المستعمرات البرتغالية (أنجولا ـ موزمبيق ـ غينيا بيساو ـ ساوتومي ـ بارنسيب) بالإضافة إلى زيمبابوي وناميبيا وأريتريا وموريتانيا.

أدوات الاختراق والهيمنة الإسرائيلية لإفريقيا

عرف القادة المؤسسون للكيان الإسرائيلي منذ أول وهلة أن القوة العسكرية وإن حققت تأسيس كيان الدولة فإن تأمين شرعية الوجود يتطلب أدوات وسياسات أخرى غير الأداة العسكرية، فاعتمدوا مبدأ القوة الناعمة (Soft Power).

وقد تمكنت إسرائيل من اختراق افريقيا سياسيا وثقافيا من خلال المساعدات التنموية وبرامج التدريب وتوفير الخبرة خصوصا في مجالات الري والزراعة وتخطيط المدن والتعاونيات، وأشهر برامجها في هذا المجال هو مشروع حديقة السوق الإفريقية(Th African Market Garden)، ويهدف هذا المشروع إلى تقليل المخاطر وزيادة الإنتاجية في المزارع العائلية الصغيرة التي تقع في نطاق الأراضي القاحلة وشبه القاحلة.

وطبقا لإحصاءات وكالة التعاون الدولي الإسرائيلية (مشاف)، فإن إجمالي الأفارقة الذين حضروا دورات تدريبية داخل إسرائيل خلال المدة 2002 ـ 2009 قد بلغ 3284 متدربا، وعدد الذين حضروا تدريبات إسرائيلية داخل بلدانهم 4670 متدربا، كما بلغ عدد الخبراء الإسرائيليين الذي دخلوا إفريقيا لمهام استشارية بلغ 191 خبيرا إسرائيليا.

وقد شملت هذه التدريبات جوانب عسكرية فقد كانت إسرائيل تقوم بتدريب جيوش إثيوبيا وغانا وكينيا وسيراليون وتنزانيا وأوغندة وزائير، كما أن أول دفعة من طياري كينيا وأوغندة وزائير قد تلقت تدريبها في إسرائيل.

كما أن دور إسرائيل في تجارة السلاح بإفريقيا ودعم النظم الشمولية والحركات الانفصالية في إفريقيا لم يعد خافيا على أحد.

مبدأ شد الأطراف

في نهاية الخمسينات بدأت إسرائيل في تنفيذ “مبدأ شد الأطراف” (Peripheral Doctrine)، ويعني إقامة تحالفات غير رسمية مع الدول الواقعة على أطراف منطقة الشرق الأوسط، وتربط إسرائيل بالمثلث التركي الإيراني في الشمال والإثيوبي في الجنوب، ومن الملاحظ أن هذه الدول الثلاث غير العربية لديها مخاوف من الرابطة العربية الإسلامية.

يتجه الاهتمام الإسرائيلي نحو البحر الأحمر، إذ لا تريد إسرائيل أن يتمحض بحيرةً عربية لأن ذلك يحاصرها استراتيجيا، لذلك تبذل كل ما تملك من أجله، دعمت إثيوبيا ضد إريتريا خشية أن يؤدي استقلال إريتريا إلى تحالف مع العرب يغلقه في وجه إسرائيل.

انتبهت إسرائيل مبكراً إلى أهمية أن يكون لها منفذ بحري على البحر الأحمر، حيث أصدر بن غوريون تعليماته لوزير حربه موشيه ديان 1949 أن يضحي بأي شيء مقابل منفذ مائي عليه، وهو ما حدث بالفعل حيث احتلت القوات الإسرائيلية موقع قرية أم الرشراش، وحولتها إلى ميناء إيلات الاستراتيجي، وتحاول إسرائيل دائما خلق توازن استراتيجي يميل لصالحها في البحر الأحمر، لذلك احتفظت بعلاقات وثيقة مع كل من إثيوبيا وإريتريا.

كما تشير التقارير إلى وجود عسكري واستخباراتي في جزر دهلك وفاطمة وحالب من أوائل سبعينات القرن الماضي.

كما لإسرائيل دورها البارز في إشعال الخلاف بين دول المنبع والمصب لحوض النيل، كما أنها تحاصر مصر من جنوب السودان عبر العلاقات الوطيدة مع حكومتها، وهي ضالعة ومشاركة من الخلف في مختلف الأزمات والسياسات في إفريقيا الزنجية والعربية.

الربيع العربي وتغيير العقيدة الأمنية لإسرائيل

مع اندلاع الربيع العربي أدركت إسرائيل خطر التحولات التي تشهدها المنطقة على أمنها الاستراتيجي، وناقش المفكرون الاسرائيليون هذا الموضوع في الاجتماع الرابع عش لمؤسسة إدموند بنجامين دو روتشيلد بهرتسيليا في يونيو 2014، وطرحوا ضرورة تغيير العقيدة الأمنية التي قامت عليها إسرائيل والتي تعرف بـ”القانون الشفوي”، ويستند إلى ثلاثة مبادئ هي:

ـ الردع

ـ الإنذار المبكر

ـ التفوق العسكري

واقترح المجتمعون إضافة أربع مكونات أخرى جديدة بهدف تطويع العقيدة الأمنية الإسرائيلية وجعلها قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية الجديدة، وتتمثل هذه المكونات الأربعة في:

ـ الوقاية

ـ الاستباق

ـ التحالف ىمع الولايات المتحدة والقوى الإقليمية

ـ التكيف

وإذا كانت العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة تمثل أمرا مفروغا منه في أدبيات الفكر الاستراتيجي لكل من البلدين، فإن إسرائيل تتجه لبناء قاعدة تحالفات إقليمية جديدة سواء بشكل رسمي أو غير رسمي عبر مستويات ثلاثة:

ـ المستوى الأول: ويشمل السعودية ودول الخليج العربية من خلال دعم مبادرة السلام العربية.

ـ المستوى الثاني ويشمل منطقة شرق إفريقيا ولا سيما دعم العلاقات مع دول مثل كينيا وإثيوبيا وجنوب السودان وأوغندة.

المستوى الثالث: ويشمل دول حوض المتوسط ولا سيما اليونان وقبرص.

ما السبيل عربيا

لا شك أن الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا ترجع نتائجه سلبا على الأمن القومي والسياسي العربيين، ومما يزيد خطورته أن يرتبط بمحاولات استعمارية جديدة لإعادة صوغ حدود العالمين العربي والإفريقي من خلال عمليات فك وتركيب جيوستراتيجية، ولا يخفى ان الإعلام الغربي ما فتئ يروج لمقولة الصدام بين العرب والأفارقة في مناطق التماس الكبرى ابتداء من القرن الإفريقي وحتى الساحل الموريتاني على المحيط الأطلسي.

كما أن مدة الانقطاع التاريخية بين الشعبين العربي والإفريقي والتي امتدت منذ مجيئ الاستعمار تمثل تحديا خطيرا أمام دعم جهود التضامن العربي الإفريقي، ويقدم المؤلف مجموعة مقترحات لحوار عربي إفريقي جديد يتجاوز إشكاليات الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على دول الأركان للعالمين العربي والإسلامي في القارة الإفريقية، هي:

ـ إعادة تصحيح المفاهيم التي تعكس المخزون الثقافي والحضاري المتعلق بالعروبة والإسلام، والإفريقانية وإزالة أي إمكانية متصور للصدام.

ـ عدم اختزال العلاقات مع دول المنطقة في مجال واحد من المقايضات السياسية والمقابل التجاري

ـ الاتفاق على اسس جديدة للتعاون بين العالمين العربي والإفريقي

ـ التركيز على المدخل غير الحكومي، ونعني بذلك مؤسسات ومنظمات المجتمع الأهلي.

ـ التوكيد على مدخل ووسائل القوة الناعمة لبعض الدول العربية الكبرى مثل مصر والجزائر والسعودية و ليبيا .

كما تمكن الاستفادة من تراث اللحظات النضالية والبطولية التي جمعت كلا من العرب والأفارقة في مسيرة التحرر.

المصدر: وكالات