Menu

صفقة القرن والعامل العربي

نتنياهو في عُمان

في مرات عدة عبَّر جاريد كوشنر عن رهانه على دور عربي في فرض صفقة القرن على الفلسطينيين، وهذا ما تشير له بنود رئيسية في الخطة حسب كل ما نشر أو تسرب عنها حتى الآن؛ فالإدارة الأمريكية لا تخفي عملها الحثيث الهادف لدفع العرب للتحول إلى أداة لتصفية القضية الفلسطينية.

فلسطينيًا تتوالى التصريحات والمواقف التي تعلن إسقاط هذه الصفقة/ المؤامرة، أو الاستعداد لمواجهتها، ولكن الإجراءات المشتركة أمريكيًا وصهيونيًا تتواصل على أرض فلسطين أو في المحافل الدولية، لتصفية الحقوق الفلسطينية وأبرز ملفات الصراع تباعًا، دون اعتبار للموقف الفلسطيني، ودون حصول رد فعل عربي أو دولي يرقى لمستوى ما يحدث، وكأن هناك من لديه ظن أن التصريحات وإعلان المواقف كفيل بالتصدي لهذه المؤامرة على الوجود الفلسطيني.

لعل فهم هذا الخلل يتطلب العودة للقطع الخطير الذي أصاب فهم طبيعة الصراع، والذي بات ينظر له بوصفه اشتباك بين الفلسطيني والمحتل الصهيوني، فيما يدرك العدو جيدًا دوره في هذه المعركة الواسعة بين القوى الإمبريالية وشعوب هذا العالم، ويلعب هذا الدور بإتقان كرأس حربة لهذه المنظومة الإمبريالية في منطقتنا العربية، ويحرص على انتزاع الدعم والمكتسبات من حلفائه مقابل هذا الدور، وهو ما تصر النظم العربية الرسمية على تسهيله، بل وانقلبت أكثر هذه النظم رجعية للعب دور في دعم هذا الدور وإسناده.

فخلال الأعوام الأخيرة انتقلت العديد من نظم الرجعية العربية، من مواقف التطبيع السري مع الكيان الصهيوني ومحاولة ترك الفلسطيني لمصيره، إلى مواقف باتت فيها جاهزة لتوجيه كل الضغط على الفلسطيني، ومحاصرة قضيته، والتحالف معه ضد الشعوب العربية، وفي هذا الإطار انغمست في ترتيبات تتعلق بالتضييق المالي والعقوبات على قوى المقاومة الفلسطينية والعربية، بجانب دورها في الحصار على قطاع غزة، بل وضغوطاتها الدائمة على القيادات الفلسطينية، وخصوصًا على القيادة الفلسطينية الرسمية.

لم تعد النظم العربية ترضى بأن تضع قضية فلسطين خلف ظهرها فحسب، بل باتت تسعى لتحصيل مكتسبات مقابل أدوار ستلعبها في تصفية هذه القضية، وانفتح سباق من التنافس المحموم حول الدور الذي سيحظى به كل نظام في هذه الترتيبات، بجانب اللهاث الدائم في مضمار التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومحاولات هذه النظم لاستدخاله في كل بلد عربي وتمكينه من اختراقه.

المواقف الفلسطينية الرافضة لتصفية القضية مطلوبة أن تكون واضحة، وتعبر عن أصالة هذا الشعب، وحيوية فعله وتعبيراته السياسية، ولكن لا يجب أن تغفل الجبهة العربية ودورها فيما يحدث، وإمكانية تغيير هذا الدور لمصلحة الفلسطيني إذا ما تم استدعاء العامل الجماهيري العربي. 

المسارعة إلى بذل كل الجهود التعبوية والتنسيقية مع القوى الجماهيرية العربية بات أمرًا لا يمكن تأجيله، وضرورة وطنية وعربية لمواجهة محاولة فرض الهيمنة الصهيونية على العالم العربي بأكمله، هذه المحاولة الصهيونية التي لن تمر دون تصفية الصمود الفلسطيني، والتي أيضًا لن تسقط دون استعادة الدور الجماهيري العربي الرافض لوجود هذا الكيان الصهيوني.