في مواجهة الموجة الحالية من حراك الشعوب العربية تتبدّى ملامح وأنماط عمل النّظم الرجعية والمعادية للشعوب، ومن بينها أنماط جديدة طورتها هذه النظم بما يسمح لها بالحفاظ على نظم الاستبداد والقمع دون تغييرٍ، مهما علا سقف الحراك الجماهيري أو تصاعد زخمُه.
في الحالة السودان ية، حاول رجال النظم الرجعية الخليجية، ومن خلال وجودهم المفروض على رأس المؤسسة العسكرية السودانية، خداعَ الحراك الشعبي السوداني، باتجاه استخدام الحراك والمطالب الجماهيرية كغطاءٍ لتوسيع نفوذ هذه النظم في السودان وداخل مؤسسات الدولة السودانية.
لم يعد الدفع بالميلشيات وقوات القمع للشوارع هو النمط الأجدى في حماية منظومات القمع وعروش الفساد، وفي مقابل تطور أدوات الحراك الثوري للشعوب، عمل أعداء الشعوب على تطوير أدواتهم، وتغليفها بأشكال متعددة، وأصبح التبني الشكلي لمطالب الثورة، والتنكيل ببعض خصومها من رموز الحقبة السابقة، نطاق رئيسي لعمل قوى القمع، بل ويحاول هؤلاء تجاوز الدور الأساسي للقوى الثورية الحقيقية، التي تقود الحراك الجماهيري وتقدم التضحيات بين صفوف الجماهير.
إثارة النزعات العرقية والطائفية والمحلية، كانت أبرز أدوات النظم لمواجهة الثورات في المرحلة السابقة، وتنفير الجمهور من أي فعل ثوري باعتباره مدعاة للحروب الأهلية والتناحر المجتمعي، لم تغب هذه الأدوات في هذه المرحلة، ولكنها باتت أكثر التواءً وخبثًا، باستحضارها للعامل الطائفي إما كأداة تخريب أو أداة تخويف للجماهير، من الاحتراب الداخلي أو انفلات الظواهر والحالات الإرهابية.
في مواجهة هذه الأنماط ومحاولات سرقة صوت الجماهير، وتزييف إرادتها، تبرز قيمة الوعي الثوري وضرورات تطويره، واعتناق روح العصر في نشر الوعي الجماهيري، باعتبار هذه المهمات تحضيرًا أساسيًا لا غنى عنه لأي فعل ثوري، وضرورة تنظيمية ليس على مستوى الحزب الواحد، ولكن على المستوى الشعبي والجماهيري العام.
في غمار الثورة لا بد من صناعة فعل مضاد لسياسات التزييف والإخضاع، تمارسه القوى الثورية حاليًا في أكثر من موضع، وهو ما يتطلب انحيازًا إعلاميًا واضحًا لمواقف هذه القوى وسردياتها، ومواقف داعمة من مختلف القوى التقدمية العربية، كأساس لتغليب الحقيقة على الزيف، والحرية على الاستعباد، والثورة على القمع.