Menu

عصر جديد ونظام جديد

غسان العياش

اتفاق إيران مع الدول الغربية حول برنامجها النووي ليس مفاجأة لأحد.
كان واضحا كل الوضوح أن خيار التفاهم مع إيران، والانفتاح عليها والتعاون الاقتصادي معها، هو خيار استراتيجي كبير للولايات المتحدة، التي طالما شبّهت هذا الاتفاق الموعود بالصفقة التاريخية التي عقدتها، قبل نصف قرن، مع الصين. كما غيّرت الصفقة الأولى وجه النظام السياسي الدولي، فإن الصفقة الجديدة، بتصوّر الأميركيين، ستغيّر وجه الشرق الأوسط بأكمله.
بالمقابل، التفاهم مع أميركا والغرب أصبح لدى إيران، منذ نهاية عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد، الطريق الوحيد للخروج من عزلتها الاقتصادية، وإعادة السيطرة على مواردها الطبيعية وأموالها المحجوزة. كان توقيع الاتفاق، رغم المناورات المضنية والطويلة مسألة وقت فقط، وقد جاء الوقت وأنجزت الصفقة.
وهكذا ستعود إيران قوية داخل حدودها وفي محيطها الاقليمي، الذي يشمل منطقتنا الغارقة في صراعات مدمّرة وأنهار من الأحقاد والدماء. إيران تعود قوية باقتصادها ومواردها المالية، وليس بالسلاح النووي ولا بالصواريخ البالستية. فالجائزة التي حصلت عليها إيران من الاتفاق هي الإفراج عن أموالها الهائلة وتمكينها من تصدير نفطها وقبض ثمنه. اشترى الغرب قدرة إيران على انتاج قنبلة نووية، ودفع بأموالها ثمن الصفقة.
مقابل الضمانات التي حصل عليها الغرب لتأخير قدرة إيران على انتاج قنبلة نووية، ظفرت الجمهورية الاسلامية برفع العقوبات المفروضة عليها من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. العقوبات الأميركية والأوروبية التي تحاصر القطاع المالي وقطاعي الطاقة والنقل يجب رفعها في مطلع العام المقبل، بعد التأكد من وفاء إيران بالتزاماتها. يلي ذلك رفع عقوبات الأمم المتحدّة في مدة مماثلة وبإجراءات مماثلة.
إنه عصر جديد في الشرق الأوسط، ونظام جديد. والأنظار تتركز على تأثير هذا الاتفاق التاريخي على المنطقة وصراعاتها المتفجّرة. فهو إما أن يكون مفتاحا لعصر إسلامي ذهبي ورافعة لنضال الشعب الفلسطيني، أو يكون، بالعكس، سببا في مزيد من الانقسام والنار والدمار في المشرق العربي، بل العالم العربي كله.
إيران تعود قويّة، كما كانت قبل الثورة. ولكنها هذه المرّة جمهورية إسلامية تتطلع باهتمام كبير إلى محيطها العربي، وتشارك مباشرة في نزاعاته المتفجّرة ومسائله البالغة التعقيد.
الآمال تتركز على حوار عميق وتاريخي بين إيران من جهة والأطراف المواجهة لها في المعسكر العربي. يجب أن يؤدّي هذا الحوار إلى التفاوض حول دور إيران في المنطقة وحقوق الأقليات التي استجارت بها، فينشأ نظام عادل ومستقرّ يكون أساس وحدة إسلامية في وجه اسرائيل وكل الطامعين بإيران والعرب.
بديل الحوار أن توضع القدرات الإيرانية الجديدة بتصرّف الصراع وبعض قواه الرئيسية، فيضع الخليج، بالمقابل، قدراته الكبيرة في خدمة الأطراف المقابلة، وتدور حرب تدمير للعالم الإسلامي، تنتهي المنطقة ولا ينتهي.
المال العربي والإيراني يمكن أن يكونا نعمة، أو أن يكونا نقمة لأصحابهما.
ايران تعود قويّة، هذا لا خلاف عليه، ولكن العقل في جانبي الصراع هو المعيار وهو الحكم، فهو الذي يقرّر المسار والمصير.

نقلا عن السفير