عادت قضية السفينة "مرمرة" للواجهة من خلال القضية المرفوعة على الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية، والتي تُطالب بمُحاسبة الاحتلال على الجريمة التي ارتكبها بحق المتضامنين الأتراك والدوليين الذين كانوا على متن سفينة كسر الحصار عن قطاع غزة، الجهود المبذولة لفتح تحقيقٍ رسمي من قبل المحكمة الجنائية الدولية في هذه القضية تعيد للأذهان التقصير الرسمي الفلسطيني. فلا زالت السلطة الفلسطينية تجمد ملف ملاحقة الاحتلال أمام المحاكم الدولية، رغم وفرة الملفات الجاهزة بهذا الشأن، ملفات حافلة بجرائم الاحتلال، يجري تجميدها بما يساعد الاحتلال على طمسها ومواصلة الجرائم التي على شاكلتها، وذلك بما يشكل تجاوز فظ للإجماع الوطني حول هذا الأمر، ويتجاوز كذلك قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الذي دعا مرارًا وتكرارًا لمُلاحقة الاحتلال دوليًا، ضمن قراراته المُتعلقة بوقف التعامل مع الاحتلال وإعادة صياغة علاقة السلطة الفلسطينية معه.
هذا التعطيل لا يوجد ما يُبرره، وحتى التعلل بالانقسام الفلسطيني يبدو واهيًا إذا ما نظرنا لهذا الملف، فهناك إجماع وطني وشعبي على ضرورة تفعيل جهود ملاحقة الاحتلال، والإشكال في هذا الجانب يعود بالأساس لخلل في موقف السلطة الفلسطينية، يهدر فرصة وطنية حقيقية لإعطاء زخم حقيقي للجهود الشعبية المبذولة دوليًا لمُقاطعة الاحتلال، وذلك بما يشكل تناقض مع حالة التضامن المتزايدة مع القضية الفلسطينية، ومع الاستجابة المتزايدة من قبل مؤسسات وشرائح مختلفة لدعوات مقاطعة الاحتلال ومحاسبته.الانقسام
في هذا الملف كما غيره تبدو حالة الشرذمة وغياب الاستراتيجية الوطنية الموحدة ذات تأثير سلبي، بما يترك المجال لتفرد مستمر في اتخاذ القرار وصياغة السياسات الرسمية الفلسطينية، وتجاوز كل مقررات الإجماع الوطني، بل يمكن القول اليوم ودون تجاوز للحقيقة، أن نقاط الإجماع الوطني باتت خارج حسابات المؤسسات الفلسطينية الرسمية، وذلك بفعل هذه الحالة من التفرد بالقرار الوطني.
إن استمرار هذا التعطيل سواء لهذه القضية، أو لمهمة صياغة استراتيجية مواجهة موحدة، يبدو متعارض وبشكل واضح مع مقولات الحكومة الفلسطينية الجديدة، ومع مقولات القيادة الرسمية الفلسطينية التي تؤكد في تصريحاتها المختلفة على وجود مواجهة مع مساعي ومؤامرات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، مؤكدة على رفضها لتمرير صفقة القرن.
أبسط ما يقال ختامًا، أن مواجهة صفقة القرن لا يمكن أن تكون بمهادنة الأطراف التي تحاول تمرير هذه الصفقة، وهذه المواجهة تحتاج لاستخدام واستحضار أدوات المواجهة، فلا يعقل أن هناك من يتخيل مواجهة الاحتلال باستخدام أدوات التسوية والتنسيق الأمني؛ فالكل الوطني يقر بوجود مرحلة جديدة من التحديات تواجه القضية الفلسطينية، وعلى هذا الكل الوطني التداعي للتوافق على تعامل جاد مع هذه التحديات، بما يحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه ووجوده في أرضه التاريخية، ويحميه من جرائم الاحتلال المُستمرة.