Menu

العيد جزء من معركة الاسرى مع المحتل

الهدف- سليم النباهين

يعيش الأسرى الفلسطينيون ظروف صعبة في سجون الاحتلال، فذلك المحتل الغاصب يقتنص كافة الفرص لكسر إرادتهم، بما في ذلك خلال المناسبات سواء الوطنية أو الدينية أو الاجتماعية، وهي فرصة الأسرى ليتشاركوا في هذه الأحداث الجماعية كعائلة واحدة، وهم بعيدين عن عائلاتهم وبيوتهم.

داخل الأسر

ما إن تحل مناسبة، يشرع الاحتلال بتخفيف حدة إجراءاته الأمنية ما يقلل من حالات التصادم المباشرة بين إدارة فرع السجون والأسرى المحتجزين وهذا ما يؤكده الأسير محمد حسن أبو غالي أحد أسرى سجن نفحة الصحراوي والمحكوم عليه 25 عاماً وقضى منها 13 عام.

يقول أبو غالي: "طيلة الثلاثة عشر عاماً التي قضيتها كان هناك مجموعة من التسهيلات قامت بها الإدارة فيما يتعلق بالكنتينة وزيادة ساعات الفورة وكذلك السماح للمعتقلين بالخروج من زنازينهم لأداء صلاة العيد والتزاور ما بين الأقسام، بالإضافة لتغييرات في نظام زيارات الأهالي المعتاد، بأن تسمح للأطفال ما دون عمر 10 سنوات بالدخول إلى  أبيه من خلف السياج العازل، ودائماً ما تحاول الإدارة أن تقلل من حدة الإجراءات كي تحتوي حالة الغضب العارم الذي يجتاح الأسرى بشكل عام من جهة ومحاولة للظهور بالمظهر الإنساني من جهة أخرى.".
الوضع الذي يصفه ابو غالي ليس ثابتا في سياسة ادارة سجون الاحتلال، بل يجري استخدام هذه التسهيلات كاجراءات عقاب وابتزاز للاسرى، من خلال مساومة الاسرى على سحبها متى رغبت ادارة السجون، وذل في اطار مساعيها الدائمة لتركيعهم.

يحتفل الأسرى الفلسطينيون بالعيد داخل القضبان بطريقتهم الخاصة والبسيطة إلى حدٍ ما، وعياً منهم بضرورة التحدي الواقع على عاتقهم أمام أقرانهم الأسرى الجدد وإدارة مصلحة السجون التي دائماً ما تحاول اصطياد نقاط تكسر بها إرادة الأسرى وصمودهم. يقول أبو غالي: "لقد أتممنا استعداداتنا للعيد بكثير من الصلابة لنرفع من أزر الأسرى الجدد ونوصل رسالة للسجان بأننا لا نُقهر، بدأنا فعلياً بإرسال التهاني لإخواننا الأسرى المحررين ولم نستطع شراء الحلوى المسموح لنا بها وهي 700 غم لكل أسير لأن إدارة مصلحة السجون فرضت عقوبات جديدة علينا، وفي أول أيام العيد نقوم كالعادة بتهنئة بقية الأسرى في الزنازين الأخرى."

 الأسير المحرر أشرف علي عوض من محافظة رفح والذي تم الإفراج عنه في مطلع شهر يونيو من العام الجاري، بعد قضاء محكوميته البالغة 8 سنوات. كان قد حُرم من زيارة ذويه لأكثر من 5 أعوام. يقول أشرف: "العيد في السجن كأي يوم عادي، بمعنى أن الفرحة مقتصرة على تبادل التهاني بين الأسرى وزيارات الغرف وتقديم العصير والحلويات للزائرين والمعمول إن وجد."

يحاول الأسرى جاهدين إضفاء شيء من البهجة والسرور خارج زنازين الاعتقال بطريقة تجعلهم يتعايشون مع واقعهم وتخفف من حرمانهم؛ فيقول عوض "تكون تهانينا لبعضنا البعض كمن يهنئ ذويه واعتبار زيارات الغرف كزيارة الأرحام، إن وجد لدينا الجوال نقوم بالاتصال بذوينا ونهنئهم ونشعر من أصواتهم مدى الألم والحسرة لعدم وجودنا بينهم جسدياً وإن كنا متواجدين معهم وجدانياً وعاطفياً "

خارج الأسر

الأسير المحرر أحمد إسماعيل العويني؛ أمضى 13 عاماً في سجون الاحتلال وحرم خلالها من الزيارة لمدة 10 سنوات، وقد تم الإفراج عنه في نهاية عام 2013 بعد أن أنهى حكمه في سجون الاحتلال؛ عائداً إلى قطاع غزة وعائلته. احتفل بالعيد الأول له في القطاع على أصوات القنابل والانفجارات إبان العدوان الأخير في العام المنصرم فلم يستطع استعادة الصورة الحقيقية للعيد في أول عيد يقضيه خارج الأسر.

قابلنا أحمد وسألناه عن شعوره في هذه الأيام وهو حر طليق بين عائلته وذويه، فأجابنا بشيء من الألم: " أي عيد اللي بنحكي عنه! العيد على الأسرى المحررين مجرد نافذة تربطهم بمن تركوهم هناك في الأسر فهم العائلة والأهل الحقيقيين وهذا الواقع الذي نعيشه خارج الأسر إنما واقع مزيف ولا يوجد به أي نوع من الاحترام للأسرى المحررين على كافة الصعد سواء الاجتماعية أو المؤسساتية أو الحزبية، فالجميع هنا يتاجر في قضيتنا دون أن يرهق نفسه بأن يعيد إلينا جزء من حقوقنا."

يعتبر الأسرى المحررين أن خروجهم من سجون الاحتلال لم ينهي ارتباطهم برفاقهم الذين لا يزالون في الأسر. أشرف عوض يقول: "صدقني لا أستطيع أن أصف لك شعوري لأنه مزدوج من حيث التركيبة، بالرغم من أنني لم أخض غمار أجواء العيد، بمعنى القيام بزيارة الأرحام ومشاهدة الأطفال يلهون بالطرقات معبرين عن ابتهاجهم بطريقتهم الطفولية البريئة، إلا ان أكثر ما شدني هو سماعي لمقارنة الناس هذا العيد بعيد العام الماضي حيث الحرب، بشكل عام تغمرني الفرحة بأن هذا اول عيد لي سأكون فيه بين أهلي وأبناء شعبي بعد غيابي قسرياً لمدة 16 عيد، شعوري بالفرحة أتمنى أن يعيشه ويعايشه من تركتهم خلفي في السجون عاجلاً غير آجلاً."
أحمد البالغ من العمر 36 عاماً ويعاني منذ خروجه من الأسر، من عدم انتظام مخصصه المالي الذي يُصرف من وزارة الأسرى فتارة ينزل راتبه وكثيراً ما يتم قطعه لأسباب غامضة على حد قوله.

جسر من الثقة

يحافظ الأسرى المحررين والذين مازالوا في الأسر على قناة تواصل قائمة على الثقة والأخوة وما هو أبعد من ذلك بكثير، وتكاد لا تمر أي مناسبة لأي أسير مهما كان انتمائه التنظيمي أو حتى توجهاته الفكرية إلا وتجدهم أول المساندين لبعضهم.

وفي مثل هذه الفترة من السنة تزدحم جسور التواصل بينهم مهنئين ومودّعين، ومنهم من يوصي الآخر بالقيام بواجباته تجاه عائلاتهم. يقول العويني: "إلى حد الأن طلب مني 5 أسرى بأن اقوم بشراء هدايا وإيصالها لأهاليهم في أول أيام العيد."

بالإضافة إلى تلك الأعباء التي يحملها الأسرى المحررين من رسائل وواجبات زملائهم الأسرى يواجهون في مثل هكذا مناسبات نوع من الإرباك وتشتت في البوصلة وتأنيب للضمير، خصوصاً بوجود واجبات والتزامات اجتماعية ملقاة على عاتقهم فعلياً تجاه عائلاتهم. يقول العويني: "أنا عن نفسي مش عارف شو أعمل عندي أخواتي 7 وخالاتي 7 وهاد راح يكون أول عيد فعلياً إلي بعد السجن وجميعهن ينتظرن دخولي عليهن في أول ساعات العيد وفي ذات الوقت لا أجرؤ داخلياً وأخلاقياً أن أقوم بزياراتي الاجتماعية قبل أن أقوم بالزيارات التي طلبها مني زملائي ورفاقي المأسورين."

وهذا يمثّل المعنى الحقيقي لجسور الثقة التي ينسجها الأسرى بين بعضهم بسبب فقدانهم الثقة الحقيقية بالمؤسسات  المُناط بها أن تُعبّر عنهم وتكفيهم حاجاتهم وذلك ما أكده العويني في مجمل حديثه عندما سألناه عن سبب إثقال كاهل المحررين بأعباء المأسورين.

تتجلّى كافة التناقضات في هذه المناسبات، في ما يحاول الأسرى اقتناصه لا يعرفون ما إذا كان حزناً أو فرحاً، والتقصير والمساعدة والأعباء التي أثقلت كواهلهم بعيداً عن عائلاتهم أو حتى بينها في ظل انتهاك المحتل لكافة حقوقهم، وتجاهل المؤسسات لأعبائهم.