ضجَّت مواقع التواصل الاجتماعي بصورة الطفلة عائشة اللولو (5 سنوات)، والتي توفيت أمس الجمعة في قطاع غزة، بعد رحلة علاج قضتها وحيدةً في مدينة القدس المحتلة، بعد منع الاحتلال جميع أفراد عائلتها من مرافقتها خلال إجرائها عملية مُعقدةٍ في الدماغ.
"بوابة الهدف" تواصلت مع وسام اللولو، والد الطفلة عائشة، والذي روى القصة الكاملة للمُعاناة التي عاشتها طفلته خلال مرضها، قبل السفر وخلاله وبعده.
يقول اللولو "كانت عائشة تُعاني من استفراغٍ مُريب يُصاحبه الصداع، ذهبنا بها لمستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع لإجراء صورة (سي تي)، وبعد ذلك قاموا بتحويلها لمجمّع الشفاء الطبي، وهناك أدخلوها غرفة العمليات بشكلٍ طارئ لصعوبة حالتها، في ظل أنها كانت تعاني من حالات تشنج وإغماء".
وأضاف أن "الأطباء أجروا لها صورة (رنين)، وبعدها قرّروا أنها بحاجةٍ ماسةٍ لعمليةٍ مستعجلة ويجب تحويلها فورًا إلى مشافي القدس. أخذنا النموذج رقم 1 لمقر العلاج في الخارج، وجعلونا ننتظر 5 أيام بحجة الاجراءات، وهي كانت تحتاج لساعتين فقط لإخراج التحويلة لأن حالتها عاجلة ومُستعصية جدًا، وبعد حصولنا على التحويلة منع الاحتلال جميع أفراد عائلتها من مُرافقتها للقدس".
وتابع اللولو "رفضونا عدّة مرات، فأرسلنا معها سيدة ليست من العائلة لترافقها إلى مستشفى المقاصد، وهناك أخّروا إجراء العملية بسبب الأعياد اليهودية. وصلت هناك يوم الأربعاء 17 أبريل الماضي، وتم إجراء العملية يوم الأحد، قبل العملية أصاب عائشة حالة غريبة، أصبحت تبكي بكاءً شديدًا وتقول (بدي ماما، بدي ماما)".
"يوم الأحد، طمأنونا بأن العملية نجحت، وتكلمت عائشة بعدها، لكن لم تكتمل هذه الفرحة، إذ تعرضت عائشة لانتكاسة جديدة ودخلت في غيبوبة لمدة يومين، بعدها أفاقت منها، وأكلت، وعندما كنا نقوم بالاتصال على السيدة المُرافقة ونقول لها (هاتي نكلم عيووش)، لا نسمع سوى صوت بكاء عائشة لأنها كانت مُشتاقة جدًا لنا، ناشدنا كافة المؤسسات الحقوقية، والشؤون المدنية، لتغيير المُرافق ونرى طفلتنا، إلاّ أن كل هذه المناشدات قوبلت بالتهميش"، يُكمل اللولو "بقيت تَئِن وحيدةً طوال فترة وجودها في مستشفى المقاصد، وأخبرنا الطبيب المُعالج أنه لابد من وجود أحد من أهلها ليدعمها نفسيًا، حالة الطفلة تتجه نحو الانهيار".
وأكمل خلال اتصالٍ هاتفيٍ مع "الهدف"، "بعد كل هذه المعاناة، يبدو أن عائشة استسلمت للأمر الواقع، فهي بكل معنى الكلمة كانت وحيدة، امتنعت عن كل شيء، الطعام وحتى البكاء، وتم تحويلها لمستشفى المطلع ليتم علاجها بالكيماوي، وبعد يومين في المطلع فقدت بصرها وسمعها، وطلب الأطباء إرجاعها إلى قطاع غزة لأن حالتها لا تتحسن"، مُتسائلاً "نحن في غزة نعيش في حصار وأرسلناها إلى هناك لتتعالج، فكيف يطلبون إرجاعها إلى غزة؟".
وبصوتٍ مُتقطّع، أضاف والد عائشة "أخبرني الطبيب أن حالتها تستدعى عودتها إلى غزة بسيارة إسعاف لخطورة وضعها الصحي، لكن مستشفى المطلع أخبرتني صعوبة ذلك (هاتوا إسعاف على حسابكم بـ 1500 شيكل)، فأخبرتهم عدم مقدرتي على هذا الأمر، فقرّروا إرسال طفلتي لغزة بسيارة أجرة، ومكثت عند حاجز بيت حانون/ إيرز شمال القطاع عدّة ساعات في انتظار انتهاء الاجراءات قبل دخولها، وعند وصولها إلى الحاجز الفلسطيني تفاجأت بأنهم أرسلوها بـ (تكتك)، كانت السيدة المُرافقة لها تحملها وتجلس فوق الحقائب في التكتك، مع أن التكاليف مُغطّاة في التحويلة الطبية!".
بعد ثوانٍ من الصمت، أضاف اللولو "احتضنت طفلتي التي لم تعرفني يوم الثامن من مايو الجاري، كانت شبه جثة، ذهبتُ بها إلى مستشفى الرنتيسي، عدّة مرات أخبرني الأطباء أنه لا أمل من حالتها، وأنهم ينتظرون خروج الأنفاس الأخيرة"، تمالك دموعه وقال "ماتت هناك نفسيًا، وحيدةً، مُشتاقةً للمسة من أبيها، لحضنٍ من أمها، رحلت روحها في مستشفى الرنتيسي بغزة. ماذا يحتاج مريض السرطان سوى الدعم النفسي والحب والحنان في محيطه، رحلت عائشة".
وختم الوالد الذي لديه الآن ثلاثة أطفال حديثه مع "الهدف"، "للأسف تداول الاعلام رواية خاطئة وهي أنها ماتت في مستشفى المطلع لوحدها وركّز على هذه الرواية وهي خاطئة، لتخرج علينا المستشفى "غاضبةً" وتقول لا "لقد ماتت في غزة"، ولكن لم يركز الجميع على المُصيبة الأكبر، وهي أن الطفلة المريضة لم تتلقى العناية الكافية هناك وجاءت في سيارة أجرة من القدس إلى غزة بدلاً من الإسعاف، وتم نقلها لداخل القطاع عن طريق (تكتك) مع مجموعة من الحقائب في الهواء الطلق، في أيّ دينٍ أو عرفٍ هذا!، أنا الآن أتكلم بحرقة ليس من أجل طفلتي فقد ماتت، ولكن من أجل أطفال الآخرين".
ويفرض الاحتلال إجراءات قاسية ومُعقّدة بحق الفلسطينيين على الخروج من قطاع غزة، في ظل الحصار المفروض منذ 13 عامًا، إذ يرفضُ غالبية طلبات استصدار التصاريح اللازمة للخروج، باستثناء حالات محدودة جدًا.
وتشكل القيود المُشدّدة التي تفرضها سلطات الاحتلال على حرية الحركة والتنقل للمرضى أحد أبرز الانتهاكات المنظمة التي تُهدّد حياة المرضى وتحرمهم من حق الحصول والوصول للعلاج.
ويُستدل من إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، أن عدد حالات السرطان في قطاع غزة بلغت 8.515 حالة مرضية، من بينهم 608 أطفال بواقع 7% من إجمالي الحالات، فيما بلغ عدد النساء 4.705 حالة بما نسبته 55.3% من إجمالي الحالات المسجلة في قطاع غزة.
وبحسب المُعطيات المُتوفرة من الإدارة العامة للصيدلة بوزارة الصحة في غزة فقد بلغ متوسط نسبة العجز في الأدوية اللازمة لعلاج مرضى السرطان وأمراض الدم 58% في العام 2018، وتتكون هذه الأدوية من 65 صنفًا.
ويُعتبر السفر خارج قطاع غزة للخضوع إلى العلاج الإشعاعي، غير المتوفر في القطاع المُحاصر، وغياب الأجهزة التشخيصية المُناسبة، وتراجع المنظومة الصحية، ضرورة لا غنى عنها، ولكن القيود استمرت سواء برفض منح التصاريح أو المماطلة في الردود، حيث تُشير المُعطيات المُتوفرة أن 38% من المرضى لم يتمكنوا من الوصول إلى المرافق الصحية خارج قطاع غزة لتلقي العلاج.
وواصلت سلطات الاحتلال استغلال المعابر كمصيدةٍ للإيقاع بالفلسطينيين وابتزازهم، حيث تعرض 5 من المرضى والمرافقين للاعتقال خلال العام 2018، وقد أفضت هذه الإجراءات والممارسات إلى وفاة العديد من المرضى، وقال مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة إنه وثق وفاة 45 مريضًا من مرضى السرطان منذ العام 2016 ولغاية نهاية العام 2018 بسبب القيود "الإسرائيلية".