Menu

الاتفاق النووي واحتمالات تغيير الواقع الاستراتيجي

حلمي موسى

يجري التعامل في إسرائيل الرسمية مع واقع إبرام الاتفاق النووي مع إيران على أنه كارثة محققة. وتحاول حكومة نتنياهو الإيحاء بأنها ستحاول إزاحة صخرة هذا الاتفاق عن صدر الدولة العبرية أولاً عن طريق الاعتماد على أصدقائها في الكونغرس من جمهوريين وديموقراطيين لمنع إقراره. ولكنها بالمقابل تحاول التأكيد على أن خيار الضربة العسكرية المنفردة لا يزال قائماً، رغم مخالفته لكل المنطق ولمبدأ الخسائر والأرباح.

والواقع أن المعارضة الإسرائيلية، عدا القائمة العربية وبعض اليساريين، سايرت حكومة نتنياهو في تقديرها بأن الاتفاق كارثة وهو يلحق الضرر بإسرائيل. وتنبع هذه المسايرة أساساً من إدراك أغلبية الإسرائيليين أن كل اتفاق بين الدول العظمى وإيران، خصوصاً أنه تم على الرغم من الموقف الإسرائيلي، يعني خفوت نجم الدولة العبرية ونشوء معادلات جديدة في المنطقة. فتحول إيران إلى دولة حافة نووية يعني عند الإسرائيليين كسر الاحتكار الإسرائيلي من ناحية واحتمال دخول المنطقة برمتها في سباق تسلح من ناحية أخرى. وإذا كان ما بات يعرف بالصراع السني الشيعي ساري المفعول ويخفف من الأضرار راهناً فليس ثمة ما يمنع مستقبلاً من التصالح والتعاون بينهما.

ولهذا السبب لم يكن صدفة أن زعيم «هناك مستقبل» يائير لبيد هاجم بشدة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، معتبراً أن الاتفاق النووي هو «الفشل الأكبر للسياسة الخارجية الإسرائيلية منذ إعلان الدولة». وفي نظره «هذا فشل هائل، وهو فشل بحجم يستدعي تشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في كيفية إبرام اتفاق قضية المراقبة فيه سخيف، ودولة إسرائيل لم تكن هناك لأن أحداً لم يكن على استعداد للحديث مع نتنياهو». وشدّد لبيد على أن نتنياهو جعل من الشأن الإيراني طوال سنوات موضوع اهتمامه لكنّه «حقق الفشل الأكبر ليس فقط مع أميركا وإنما أيضاً مع روسيا وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي والصين، فكل الأبواب موصدة أمامه. في لحظة الحقيقة عندما كان ينبغي لنا منع هذا الاتفاق السيئ، لم يكن أحد على استعداد للإصغاء لنتنياهو ولا أحد مستعد للحديث مع نتنياهو».

وواضح أن الاتفاق النووي مع إيران سيترك آثاراً داخلية كبيرة على إسرائيل التي، على الأقل بحكم ما توحيه أغلب قياداتها السياسية، تقف عند مفترق طرق حاسم: فهناك عواقب الاتفاق وطريقة التعاطي معه على العلاقات الأميركية الإسرائيلية وعلى قوة الجيش الإسرائيلي وعلى الميزانية والأهم على الحكومة الحالية. فاستشعار الخطر يزداد في ظل وجود ائتلاف حكومي يستند إلى أغلبية صوت واحد ويعجز عن تمرير قرارات أو قوانين في الكنيست أو عن إدارة سياسة خارجية متفق عليها. ولهذا السبب تزايدت الاتصالات من أجل إما توسيع الائتلاف الحالي أو العمل على خلق ائتلاف بديل من دون الاضطرار لخوض الانتخابات مرة أخرى.

ومن الجلي أن الوضع الداخلي في إسرائيل لن يحسم القضايا الكبرى المتعلقة بعلاقات إسرائيل مع دول الإقليم ولا مع الاتحاد الأوروبي ولا حتى مع أميركا. فالتوازنات القائمة لا تسمح بالتراجع من ناحية كما أنّها لا تسمح بتجاهل ما كانت إسرائيل تعلن طوال سنوات أنه خطر لا يمكن التعايش معه. ويزيد الطين بلة أن خطاب إسرائيل حول هتافات الموت لإسرائيل لم تثر أي تعاطف في الغرب، كما تجلّى في موقف وزير الخارجية البريطاني في مؤتمره الصحافي مع نتنياهو في تل أبيب.

ولهذا السبب تركّز إسرائيل على معركتها في أميركا لكنها تبدو وكأنها تحرق الجسور. فاللوبي الصهيوني، إيباك، يستعدّ لمحاربة الرئيس أوباما داخل الكونغرس بكل قوة. وهناك تقديرات أن الجهد الإسرائيلي في أميركا سوف يفشل ليس بسبب ضعف إسرائيل ولا بسبب قوة أوباما ولكن أساساً بسبب أن الأميركيين ضجروا من خسائر الحروب وهم لا يريدون حرباً مع إيران. ولذلك فإن الموقف الإسرائيلي وموقف اللوبي الصهيوني في أميركا قد يفاقم حالة العزلة والمقاطعة و «العداء للسامية» التي تعتبر في نظر الكثيرين من أنصار إسرائيل خطراً وجودياً.

إن الكثير يعتمد على ما سوف يحدث في الشهرين المقبلين. ومن غير المستبعَد أن تسهم الغطرسة الإسرائيلية في إشعال فتيل عداء متزايد لإسرائيل في أميركا والغرب عموماً. وتسخيف كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري والكثير من المعلقين الأميركيين لمواقف نتنياهو من الاتفاق يخلق صورة بالغة السوء لنتنياهو لدى الرأي العام العالمي. وما حديث يائير لبيد عن أن أحداً لا يسمع نتنياهو ولا أحد يتحدث إليه إلا مجرد ترجمة لواقع ينشأ وقد يتفاقم خلال الشهور المقبلة.

ومشكلة إسرائيل أنها وهي تقف هذا الموقف تجد نفسها عاجزة عن الدخول في مفاوضات مع أميركا لتلقي تعويضات تسليحية مقابل ما تدّعيه من أضرار. صحيح أن وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر يصل اليوم إلى إسرائيل في محاولة لتلطيف الأجواء، لكن كثيرين يعرفون أن حكومة إسرائيل غير معنية بتلطيف هذه الأجواء قبل اتضاح موقف الكونغرس وقراره. ومشكلة إسرائيل الأخرى أن قرار الكونغرس مهما كان لن يُعيق الاتفاق النووي مع إيران على الأقل لأن قرار الكونغرس قد يسري على الإدارة الأميركية، لكنه لا يسري على العالم بأسره.

الشهور القليلة المقبلة حبلى بالمفاجآت ويبدو أن أغلبها من العيار الثقيل والتي قد تكون لها آثار استراتيجية بالغة الوضوح، خصوصاً في منطقتنا.

المصدر: السفير