ظهرت للعلن في الآونة الأخيرة عدّة أنشطة تطبيعية داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلة، وخلال شهر رمضان فقط رصدت "بوابة الهدف" ثلاثة أنشطة تطبيعية بين شخصيات أو جمعيات أو فرق فلسطينية وأخرى صهيونية بحجّة الشعار الزائف والمُبرِّر الحاضر دائماً "التعايش والسلام"، ومنهم من ذهب لأبعد من ذلك واصفًا إياه بـ "الاشتباك السياسي".
الحدث الأول كان إفطارًا رمضانيًا تطبيعيًا بين شخصيات فلسطينية في مدينة الخليل ومستوطنين، ما أثار غضبًا عارمًا بين أوساط الفلسطينيين، وسط دعوات لمُلاحقة القائمين على الإفطار.
وضجَّت مواقع التواصل الاجتماعي مساء الاثنين 13 أيّار/مايو بمجموعةٍ من الصور التي تُظهر تناول مجموعة من المستوطنين طعام الإفطار في منزل شخصيّات معروفة بالتطبيع في مدينة الخليل تقطن بجوار مستوطنة "كريات أربع" الصهيونية المُقامة على أراضي الفلسطينيين.
والحدث الثاني كان أيضًا إفطارًا مُشتركًا تطبيعيًا عقده ما يُسمى "منتدى الحرية والسلام الفلسطيني"، و"برلمان السلام الإسرائيلي"، الجمعة 31 أيّار/مايو، يضم شخصيات من الطرفين.
وشاركت شخصيات فلسطينية مائدة الإفطار مع شخصيات برلمانية صهيونية، برز منهم محمد المدني مسؤول ما تُسمى "لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي"، ووزراء سابقين.
أمَّا الحدث الثالث فكان مهرجانًا غنائيًا تطبيعيًا يُدعى "غابات مَنَشِّي"، وهو مهرجانٌ فني صهيوني تطبيعي بامتياز نُظّم هذا العام على أنقاض قرية اللجون المُهجّرة والمُدمّرة وهي إحدى قرى أم الفحم داخل الأراضي المحتلة عام 1948، بالتزامن مع ذكرى احتلالها وسقوطها بيد العصابات الصهيونية في 30 أيار/مايو عام 1948.
وعُرف من الفرق الفلسطينية والعربية المُشاركة: بوب أب بلدي، خيمة إبراهيم، نغمات فلسطين، لوحات مفاتيح الرعد، فرقة نساء ترنّم - سهام حلبي (دالية الكرمل)، وفرقة شهريار- صالح هيبي، والمُغنية المغربية تيما وفرقتها.
هذه الأنشطة التي تم تنظيمها خلال شهر واحد فقط جاءت في ظل رفضٍ شعبيٍ واسع في فلسطين وعدّة دول عربيّة، في الوقت الذي يُراوغ الاحتلال لانتهاك المزيد من حقوق الفلسطينيين وأراضيهم وبتأييدٍ من الإدارة الأمريكية.
تسونامي تطبيعي
الكاتب الصحفي راسم عبيدات رأى أنّ "الحالة الفلسطينية تشهد حالة تسونامي تطبيعي تحت مُسميات "لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي"، هذا المجتمع الذي يجنح منذ عام 1996 نحو اليمين والتطرف والعنصرية، ليس فقط على الصعيد الشعبي بل على صعيد القيادات اليمينية المتطرفة التي تتصارع الآن على الكنيست."
وقال عبيدات لـ "بوابة الهدف"، أنّ اللجنة المُسماة "لجنة التواصل والحوار مع المجتمع الإسرائيلي هي تشكل غطاءً لكل مُطبّع، فما الذي يمنعه في ظل وجود هذه اللجنة التي يُحاول الجميع من خلالها التغنّي بمُحاولة التأثير على المجتمع الإسرائيلي واستقطابه إلى ما يُسمى معسكر السلام."
وتابع "عندما نقول للعرب لا تُطبّعوا مع دولة الاحتلال في ظل ما نشهده من تسونامي تطبيعي عربي ما بين دولة الاحتلال وبعض الدول العربية لا يجوز أن نكون كطرف فلسطيني المدخل للتطبيع العربي الصهيوني، أو نكون رأس حربة لهذا التطبيع."
حلالٌ لهم حرامٌ علينا!
وشدّد عبيدات في حديثه لـ "الهدف" على أنّ الأنشطة التطبيعية الثلاثة التي حدثت خلال رمضان "واللقاء الذي حصل في يافا على وجه التحديد الذي حضره وزيرين سابقين في السلطة الفلسطينية أحدهما أشرف العجرمي الذي كان له لقاءات تطبيعية سابقة، هي نشاطات تعطي الفرصة والمجال لكل من يُريد أن يُشرعن ويُصبح التطبيع لديه علنيًا بأنّ هؤلاء يقومون بالتطبيع فلماذا نحن لا نقوم بمثل هذه العملية؟".
وحول الهدف المنشود من كل هذه الأنشطة، أكَّد عبيدات "بكل تأكيد ليس لمصلحة شعبنا الفلسطيني لا من قريب ولا من بعيد، بل هي عبارة عن تجارة يُريد البعض أن يُحقّق له مكاسب شخصية اقتصادية واجتماعية"، وفي ذات الوقت أشار "يجب أن نميّز جيدًا بين اللقاءات التطبيعية وبين ما يجري من بعض الفعاليات الميدانية الاحتجاجية على هدم بيت مثلاً أو مُصادرة قطعة أرض من بعض ممن يقفون إلى جانب شعبنا في هذا الاتجاه."
وأضاف "لكن هناك لقاءات تطبيعية بحتة كمؤتمر هرتسيليا الذي يُعقد سنويًا ويرسم إستراتيجية دولة الاحتلال وتحضره النخبة الصهيونية من كافة التخصصات، وعندما يذهب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث، أو أحمد مجدلاني وهو وزير وأمين عام لفصيل فلسطيني وعضو لجنة تنفيذية في منظمة التحرير أيضًا ويقول (إننا نذهب لنشتبك سياسيًا)، للأسف هذا عمى سياسي وليس كما ادّعى، من يذهب لوكر الصهيونية ويرسم سياسات للحركة الصهيونية لا أعتقد أنه يشتبك سياسيًا، بل يُطبّع علنيًا."
وأكَّد عبيدات خلال حديثه مع "الهدف"، على أنّ "كل اللقاءات التطبيعية التي نشهدها اليوم تأتي في ظل غياب الرادع والمُحاسب. عندما تزور وفود إسرائيلية من أحزاب متطرفة كالليكود رام الله بشكلٍ علنيّ وطبيعي وتُستقبل من رأس الهرم السياسي أو من قوى سياسية، فهذا يُعطي المجال لمن يقوم بعمليات التطبيع للمُجاهرة بهذه الأفعال."
وختم حديثه بالقول "الحالة السياسية الفلسطينية حالة منقسمة ومتشظية ولا يُوجد رأس قيادي مُوحَّد، فبالتالي حبل التطبيع متروك على غاربه، وكل شخص أو جماعة تقوم بالتطبيع تدّعي أنها تقوم بذلك من أجل المصالح العليا للشعب الفلسطيني"، مُؤكدًا أنّ السبيل الوحيد للحد من هذه اللقاءات "هو كشف وتعرية وفضح كل من يقوم بالتطبيع، لا يجوز أن نستمر في الحديث بالعموميّات، بل يجب الحديث بشكلٍ واضح ومُحدّد أنّ هذه اللجنة أو تلك هي لجنة تطبيعية ولا بد من التحريض عليها علنًا لأنها تمس بحقوق شعبنا الفلسطيني، والثوابت الفلسطينية."
ما يُسمى بـ "لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي" شدّدت في بياناتٍ عديدة على أنّ "كل نشاطٍ تقوم به تكون مهمّته نقل الموقف الفلسطيني الرسمي والرؤية الفلسطينية الشاملة إلى الجانب الإسرائيلي بكل مكوناته وليس تماهيًا بأي شكلٍ من الأشكال مع الاحتلال أو تطبيعاً معه."
وقالت إنها "ستستمر في عملها الوطني المُناط بها، من خلال التواصل مع مختلف الشرائح في المجتمع الإسرائيلي ومكوناته، كما مع الجاليات اليهودية في أنحاء العالم."
ويرى مراقبون أنّ مثل هذه اللقاءات التطبيعية "تُسيء للنضال الفلسطيني، وتمس الجهود المبذولة لمقاطعة إسرائيل، وتُشجّع التطبيع العربي. ومثل هذه الإفطارات التطبيعية تُعطي مسوّغًا لعدد من الدول العربية بممارسة التطبيع."
ويوظّف العدو الصهيونيّ التطبيع أداةً بالغة الأهمية من أجل فكّ عزلته المتصاعدة عالميًّا، وسعيًا إلى تبديل صورته في عيون العرب على أنّه ليس عدوّهم الأوّل. ولكنّه، على الرغم من هذه المحاولات، ورغم نجاحه في التطبيع مع هذا النظام العربيّ أو ذاك، وسقوط بعض الأشخاص في وحل التطبيع، فقد عجز عن تلميع صورته في أذهان شعوب منطقتنا التي ما تزال، تعتبره عدوّها الأوّل.
ويُشار إلى أنه في الوقت الذي تعمل فيه بعض الدول العربية، على تطبيع علاقاتها بشكلٍ فجٍ مع دولة الاحتلال الصهيوني ويتطوّع عدد من الشخصيات السياسية والصحفية والثقافية العربية لتسويغ ما تقوم به حكوماتهم من وراء ظهر شعوبها، هناك نماذج وفعاليات ومواقف على المستوى الدولي تنتصر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتدعو إلى مقاطعة دولة الاحتلال وعزلها باعتبارها دولة احتلال استيطاني ودولة تمييز وفصل عنصري.
ولا زالت حركة المقاطعة (BDS) تُحقّق نجاحات على المستوى الدولي، وتُسبّب إزعاجًا لحكومة الاحتلال وللإدارة الأمريكيّة، وذلك رغم ما تواجهه الحركة من صعوبات ناتجة عن الحرب المُضادة التي يشنّها ضدها كل من واشنطن والكيان الصهيوني.