Menu

كيف نكسب أصواتا فى مجلس الأمن؟!

كيف نكسب أصواتا فى مجلس الأمن؟!

عبد المنعم سعيد

مرتين خسرنا التصويت في مجلس الأمن: المرة الأولى كانت عند التصويت على قرار إقامة دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية. ورغم أنه كان متوقعا استخدام الولايات المتحدة لحق «الفيتو»، إلا أن حصول القرار على ٩ أصوات، أي الأغلبية اللازمة لقرار من المجلس، كان سيعطى الموضوع قيمة أدبية وسياسية لا تحد، ويضع واشنطن في حرج بالغ. ولكن القرار لم يحصل إلا على ٨ أصوات، بعد أن قررت نيجيريا، الدولة الإسلامية وعضو الاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وفى اللحظة الأخيرة الامتناع عن التصويت. ما كان يجب فعله، وكيف جرت القصة بعد ذلك، ربما يكون له مكان آخر. والمرة الثانية جرت في الأسبوع الماضي عندما تقدمت مصر، بعد قيام «داعش» بإعدام ٢١ مصريا، إلى مجلس الأمن طالبة إصدار قرار دولي يضع الإرهاب في ليبيا موضع العقاب، أى داخل بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويرفع حظر تصدير السلاح إلى الحكومة الليبية الشرعية. وبينما أدان المجلس الواقعة الإرهابية، إلا أنه في الجزء «العملي» و«الإجرائي» من القرار دعا إلى استمرار البحث عن حل «سلمى» للنزاع في ليبيا. لم يذكر في القرار ما إذا كانت «داعش» سوف تكون ضمن الأطراف التي سيتم البحث عن حل «سياسي» معها، أو أنها مستبعدة، ولم يرد ذكر عما إذا كانت المنظمة الإرهابية سوف تقبل بأي حل في حالة اشتراكها، أو عدم اشتراكها. من ناحيتنا فإن المؤكد لدينا أنها لن تقبل، وسوف تستمر في الإرهاب والقتل.

لماذا فشلنا في المرة الأولى ليس موضوعنا الآن، ولكن في المرة الثانية فإنه موضوعنا الملح، حيث إن الإرهاب في ليبيا يمثل تهديدا حالا وخطيرا للأمن القومي المصري، سواء من حيث استهدافه لمواطنين مصريين، أو من حيث استهدافه للأراضي المصرية بالتحالف القائم بين «داعش» الليبية، وتنظيم بيت المقدس الذي أعلن ولاءه لداعش تحت اسم إمارة سيناء «الإسلامية». المعركة الدبلوماسية والدعائية لا تزال مستمرة على أى الأحوال حينما اشترك وزير الخارجية السفير سامح شكري في مؤتمر لمقاومة الإرهاب، ومن ناحية ثانية فإنه وضع المسؤولية على كاهل الولايات المتحدة ومن أيدوها في مجلس الأمن عندما أيد «الحل السياسي»، بينما احتفظت مصر بأوراقها فى الدفاع عن مصالحها الوطنية سواء بالقوة المسلحة كما حدث عند ضرب «درنة»، أو عندما جرى التعاون المسلح وغير المسلح مع الحكومة الليبية الشرعية، أو بالتعاون والتحالف مع الدول العربية الشقيقة، والتي ترى ما نراه، وتسمع ما نسمعه، على واقع الأرض.

الدرس الذى نتعلمه مما جرى أن الولايات المتحدة، والغرب، وحتى معهم دول كبرى أخرى مثل الصين وروسيا، لا تزال تنظر للإرهاب على أنه ظاهرة محلية ناجمة عن ظروف الاغتراب الحضاري، أو الحكومات «الديكتاتورية»، أو التخلف الاقتصادي والاجتماعي، أو الظلم السياسي. ورغم أن «الإرهاب» لم يترك بلدا من بلدان العالم، بما فيها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن دون مسها بعملية أو عمليات موجعة، وكذلك دول أخرى في العالم إسلامية وغير إسلامية، فإن الاعتقاد في «محلية» الظاهرة لا يزال شائعا. بشكل ما فإن ما يجرى مع الحركات الإرهابية سواء كانت «داعش» أو «القاعدة» أو «أنصار الشريعة» أو «بيت المقدس» أو «جند الله» أو أيا من هذه الأسماء من قبل دول العالم لا يزال ينظر لها كظاهرة أو ظواهر محلية وينبغي التعامل معها وفق الظروف القائمة حولها. المعارك مع الإرهاب هنا معارك منفصلة، ومتباعدة، وبعضها لا يمس الأمن الدولي مثل ذلك الذي يأتي من الصومال خاصة بعد تحييد ظاهرة القرصنة، أو ذلك الذي يأتي من نيجيريا فذلك يخص أفريقيا، أو أنه نتاج صراعات عرقية أو قبلية، أو لأن الدولة لم تكن موجودة من الأصل كما في تشاد أو مالي أو ليبيا.

من هذه النظرة جاء ما عرف باستراتيجية أوباما لفك الارتباط مع مواجهة الإرهاب في العراق وأفغانستان، ثم بعد ذلك التدخل «النوعي» حسب الحالة كما يجرى الآن في التحالف الدولي للحرب على «داعش» في العراق وسوريا. مواجهة هذه النظرة هي ما ينبغي عمله من خلال جهد دبلوماسي وسياسي دءوب لأن ما يواجهه العالم لا يقل خطورة عما جرى في ثلاثينيات القرن الماضي عندما برزت الفلسفات الفاشية والنازية والعسكرية اليابانية العنصرية. وفى البداية جرى غض البصر عن هذه الأفكار والحركات، وساد الظن بمحليتها، وأن ما فيها من عنصرية وبغضاء وقسوة تخص شعوبها أولا، كما أنها ثانيا نتائج الظلم الذي ألم بدولها سواء كان معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى، أو عدم التوزيع «العادل» للمستعمرات، أو لأن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية تنتج مثل هذه الأفكار المتشددة. أيامها لم يجد الغرب مشكلة فى استيلاء اليابان على منشوريا، ووجد ضم ألمانيا للنمسا وتكوين «الأنشيلوس» أمرا طبيعيا لتوحيد «الأمة» الألمانية، وفى ميونخ وقعت بريطانيا من أجل التهدئة عقد تسليم تشيكوسلوفاكيا لألمانيا وقبلها إثيوبيا لإيطاليا. احتاج الغرب ست سنوات لكي يدرك أنه، وبقية العالم، أمام خطر عالمي قوامه العنصرية والإبادة.

«داعش» و«القاعدة» و«بوكو حرام» وأمثالها لا تختلف كثيرا في جوهرها عن النازية والفاشية، وهى تقف على أكتاف تنظيمات وحركات جماهيرية مثل الإخوان المسلمين لديها نفس الأفكار العنصرية عن «أستاذية» العالم، ورفض الحدود القومية، والقسوة ساعة «التمكين». الدين هذه المرة، وليس أفكار مفكرين وفلاسفة، وزعماء مثل هتلر وموسوليني، هو السلاح الرئيسي، وباسمه يكون الذبح والتدمير، لا فرق بين مسلم ومسيحي، وأمريكي وياباني وفرنسي. ومن أجل تحقيق أهدافها فهي تدير ستة مسارح للعمليات العسكرية الإرهابية: أفغانستان/باكستان، العراق/سوريا، اليمن/القرن الأفريقي، سيناء، ليبيا/ شمال أفريقيا، نيجيريا/الصحراء الأفريقية من تشاد حتى موريتانيا.

هذا التعريف الآخر للقضية هو مفتاح التعامل ليس فقط مع مجلس الأمن، وإنما مع دول العالم المختلفة وخاصة الولايات المتحدة وأركان السلطة فيها. لقد قرر نتنياهو أن يذهب إلى الكونجرس مباشرة بتعريفه الخاص، لقضية السلاح النووي الإيراني من فوق رأس البيت الأبيض. قضيتنا لا تقل خطورة على أمننا، وأمن المنطقة، وأمن العالم. وهذه المرة فإن الولايات المتحدة لن تكون وحدها، أو بمشاركة من دول غربية أخرى، وإنما معها دول المنطقة التي أخذت المبادرة في ليبيا، وفى العراق وسوريا. وهى مبادرة لا تحتوى فقط على الأبعاد العسكرية وإنما تتضمن إصلاحات جوهرية في استرداد دين مخطوف من يد عناصر وحركات فاشية وإرهابية. الأمر يحتاج قدرا كبيرا من الصبر لأن الحرب العالمية تحتاج مواجهة عالمية كذلك.

 

نقلاً عن: المصري اليوم