Menu

الجيش الإسرائيلي يشن حرباً على «لجنة لوكر»

حلمي موسى

لا شيء أشد إثارة للجدل في إسرائيل من الجيش، خصوصاً عندما يجري الحديث عن ميزانيته التي تقتطع حصة كبيرة من الميزانية العامة.
وعلى مدى السنوات الأخيرة التي تنامى فيها الاقتصاد الإسرائيلي من ناحية، وتزايد الاهتمام بالرخاء والرفاهية الفردية من ناحية أخرى، وبالمقابل تقلصت المخاطر الأمنية، لا حديث في الشأن العام يخلو من إشارة إلى وجوب تقليص ميزانية الدفاع. ولكن كل خطة حاولت التعاطي مع هذا الجانب، سواء أشارت إلى نفقات التسلح والإدارة أو رواتب وامتيازات العاملين في السلك الأمني، تنطلق التهديدات وتظهر المخاطر.
وهذا يجري حاليا مع تقرير «لجنة لوكر»، التي حاولت وضع توصيات تناسب بين المخاطر والمتطلبات والوضع الاقتصادي العام في إسرائيل. وفور نشر التقرير بدا وكأن حرباً عالمية أعلنت على اللجنة وأعضائها، وتكررت اتهامات تصل إلى حد الخيانة، لكن أكثرها ركز على خطيئة الجهل. ولم يكلف المتهمون أنفسهم عناء الأخذ بالحسبان واقع أن رئيس اللجنة هو في الأصل جنرال قضى معظم حياته في الجيش، ما يجعل التقرير في أسوأ الحالات مجرد اجتهاد. ولكن، كما سبق، يعتبر كل نقاش في هذا السياق يخالف الرأي السائد في الجيش نوعاً من الخيانة، خصوصاً إذا صدر عن عسكريين.
والصحيح أن الجيش الإسرائيلي تعامل مع تقرير «لجنة لوكر»، الذي طالب بتقليص قوام القوة الدائمة في الجيش إلى 38 ألف ضابط وجندي، بسخط. وفي النقاشات التي دارت حول التقرير تم للمرة الأولى كشف النقاب عن عديد القوة الدائمة في الجيش الإسرائيلي، وتبلغ 44 ألف ضابط وجندي. وقد أشار إلى ذلك المدير العام لوزارة الدفاع الجنرال دان هارئيل في لقاء إذاعي أمس، في حين أن الجيش يقول أن عدد من يتلقون الرواتب ضمن هذا التصنيف هو 41400 ضابط وجندي. وكان رئيس الأركان الجنرال غادي آيزنكوت قد قرر أن عديد أفراد القوة الدائمة في الجيش لن يتجاوز في العام 2017 رقم الأربعين ألفاً، ما يعني أن الجيش ينوي تسريح المزيد من أفراد هذه القوة.
وبحسب صحيفة «هآرتس» فإن جنود القوة الدائمة أكبر بـ 8 في المئة مما كانوا في العام 1985، وأن عديد هذه القوة بلغ ذروته في العام 2012 حينما وصل عديده إلى 45 ألفاً. وقد انتقد تقرير «لجنة لوكر» بشدة هذه الزيادة، واعتبرها مناقضة تماما لتوصيات «لجنة برودت» ورفض تبريرات الجيش بأن الزيادة نبعت من إنشاء منظومات جديدة بينها منظومة «السايبر». ويقول الجيش إنه اضطر لزيادة عديد القوة الدائمة بألفي جندي وضابط في سلاح الاستخبارات ومنظومة «السايبر».
وأشار تقرير «لجنة لوكر» إلى وجوب زيادة ميزانية الدفاع رسميا إلى 59 مليار شيكل، وتقييدها بهذا المبلغ للسنوات الخمس المقبلة. ومعروف أن ميزانية الجيش الإسرائيلي تزيد في العادة عن تلك المقررة، سواء نشبت حرب أو لم تنشب. وهذه الزيادة ملحوظة بشكل واضح في العقد الأخير. ويطالب التقرير بتخصيص عشرة مليارات شيكل من ميزانية الجيش لتعاظم القدرات وبناء جاهزية عملياتية. ويركز على نجاعة الإنفاق، وعلى ضرورة تسريح المزيد من العاملين في الجيش بشروط أقل من المعمول به حالياً، وتقليص مدة الخدمة الإلزامية. وهناك ما يعرف بـ «خطة جدعون»، والتي تقضي بتسريح ما لا يقل عن 100 ألف من جنود الاحتياط في السنوات المقبلة لتقليص التكاليف، عبر إغلاق ستة ألوية مدرعة وكتائب مدفعية والتركيز على توسيع الاستخبارات.
وكتب المعلق العسكري في «يديعوت احرونوت» أليكس فيشمان أن توصيات «لجنة لوكر» لن تنفذ، لسبب بسيط وهو أن وزير الدفاع ومدير عام وزارة الدفاع ورئيس الأركان ضدها. وفي نظره لا توجد قوة تستطيع أن تفرض على الجيش تغييراً مثيراً كهذا من دون تعاون كل قادته، خصوصا في ظل أزمة الاتفاق النووي مع إيران وضعف الائتلاف الحكومي. وفي نظره لن يتحقق من توصيات هذه اللجنة إلا بند أو اثنان، حتى رغم تبني وزير المالية لهذه التوصيات. ويرى فيشمان أن بوسع الجيش عرض خطط تفرغ تقرير «لجنة لوكر» من مضمونه، ومن بين هذه الخطط «خطة جدعون» التي عرضها رئيس الأركان، وهي تقوم على مبدأ تدريبات اللياقة لتخفيض الوزن وزيادة العضلات.
أما المعلق العسكري للقناة العاشرة ألون بن دافيد فكتب، في «معاريف»، أن الجيش الإسرائيلي خرج إلى الحرب ضد توصيات «لجنة لوكر». وفي نظره فإن التقرير، الذي يحوي توصيات بإلحاق الضرر بمتقاعدي الخدمة العسكرية، يثير خواطر الجيش الذي خرج إلى معركة هدفها أن هذه التوصيات لن تنفذ، لأنها، وفق كبار الضباط «رصاصة بين العينين لكل الجيش الإسرائيلي».
أما المعلق العسكري في «إسرائيل اليوم» يؤآف ليمور فكتب أن التوصيات تعني أولاً وأخيراً أنه لن تعود للجيش جاذبية لبقاء الجيدين والأكفاء فيه. ولكن افتتاحية «هآرتس» طالبت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بصم أذنيه عن تهديدات وزير الدفاع ورئيس الأركان وتبني التوصيات، وفرضها على الجيش «بسبب العبء المالي والاجتماعي الذي يفرضه نموذج الخدمة الحالية على المجتمع».

نقلا عن السفير