Menu

عن رواية (البنت التي لا تحبُّ اسمها) لأليف شافاك 

الاسم مكانٌ وحكاية

خاص الهدف _ تغريد عبد العال.

تبتعدُ معظم الروايات عن عالم الطّفولة ، كونهُ عالمٌ له مكانه الآخر بين قصص الأطفال والقصص المصورة ، لكنها كانت مغامرة جديدة للروائية التركية أليف شافاك التي آثرت أن تكون بطلتها طفلة هذه المرة تقوم هي الأخرى بمغامرة صغيرة لتنقذ القارة الثامنة من الجفاف .

تسرد صاحبة (قواعد العشق الأربعون) قصة ساردونيا التي تكره اسمها الذي يسخر منه أصدقاءها في المدرسة ، فتجد الكتب والقصص أصدقاء لها بعيدًا عن العالم الواقعي ، وعندها تكتشف ساردونيا كرة سحرية موجودة بين الكتب ، وتكتسب طاقة سحرية من الكتب. تتعرف الطفلة على القارة الثامنة ، القارة التي تستورد الخيال وتصدر الحكايات ، ثم تتعرف على صديقين لها غريبي الأطوار ،  لتذهب معهما في رحلة طويلة لكي ينقذوا الخيال والقارة الثامنة .

في الرواية ، رغبة للولوج أكثر في عالم الطفولة ، ورؤية الأشياء من زاوية مختلفة ، كونها الزاوية التي يهملها العالم والتي لا يراها الناضجون ولا ينتبه إليها المعلمون المنشغلون بإسقاط إرشاداتهم ونصائحهم على عالم الطفل البريء . قد يقع القارئ أحيانًا في فخ السّذاجة في الرواية فيشعر وكأن عالم الرواية قد تحوّل إلى ملعب للطفولة ، ملعب سحري وبسيط ، يكاد يخلو من أبطال وتعقيدات تمتلئ بها الكتب والأفلام والروايات . فالبطلة الطفلة هي ما يلفت في رواية شافاك التي جعلتها تبتعد عن عالمنا الواقعي وتقترب من فانتازيا الطفولة.

والقارة الثامنة هي ذاك العالم الآخر ، الذي نكتشفه بالقراءة ، عالم الحكايات والأساطير والشعر ، عالم الجمال الذي تقترح الرواية على الأطفال المشاركة به حتى يصبح واسعًا وممتلئًا بالأشجار ، هو اقتراح بقدر ما هو مهم جماليًا وفكريًا ، إلا أنه واضح ومباشر منذ بداية الرواية حتى نهايتها ، فلم تترك لنا الروائية مساحة لاكتشاف ذلك. فمنذ البداية توضح الكاتبة أن أسئلة الطفلة كانت مهملة ولم تكن ترضى بالإجابات عن أسئلتها وكان عالمها بعيد عن عالم الكبار ، فهذه إشارة مبكرة أن عالم الطفولة هامشيّ بالنسبة لنا وعلينا أن نعطيه الأهمية لأنه مختبر هائل للخيال وللقصص ، كان عالم الرواية واضح بالنسبة لنا حتى رحلتها الغرائبية إلى القارة الثامنة ولقائها بالكلمات السحرية التي تتشكل كلما طلبت ساردونيا ، فقد كانت شبيهة بعوالم أليس في بلاد العجائب.

يمكننا القول أن الرواية التي بطلتها طفلة حاولت أن تكون موجهة للكبار ، ولكن بقيت حبكتها وقصتها في عالم الطفولة. لا ينتقص ذلك منها كرواية بقدر ما يجعلنا نسأل هل نحن بحاجة لرواية عن الطفولة بكل عوالمها العفوية والبسيطة أم نحن بحاجة لرواية هرمة عن طفلة؟

تحاول الرواية أن تكون طفلة بكل حبكتها وعوالمها خاصة حين طرحت قضية الاسم وهذا ما يجعلها رواية للأطفال وللكبار معًا.

فالاسم هو الهوية وهو الشيء التي ترفضه الطفلة في بداية الرواية ، كونها لم تتدخل به وكونها أتت إلى الحياة وهي تحمله وكأن الأهل هم المسؤولون عن هذا الشيء الذي يأتي معنا دون أن يناقشوننا به ، فتسأل الكاتبة في بداية الرواية: لماذا لا يسمون الأطفال بأسماء يناقشونهم بهم. وهذه قضية كبيرة ، فربما يرمز الاسم إلى كل تلك الأشياء التي لم يكن باستطاعتنا اختيارها. وإذا كان الاسم هو المكان ، فقد اختارت الطفلة عالم الخيال لأنها قد ترى هناك أسماء كثيرة ويمكنها الاختيار ، ولكن حتى عالم الخيال  كان محفوفًا بالمخاطر .

  ففي رحلتها في القارة الثامنة تصادف الطفلة طرقا ومصاعب كثيرة تضعها أمام خيارات صعبة تنتهي بطلبها للأطفال في القارة الثامنة بأن يكتبوا ويرسموا ويلعبوا حتى تعود الحياة إلى بلاد الحكايات وتنتهي الرواية بعودة ساردونيا إلى منزلها وإلى مدرستها ، حيث تواجه من يسخرون من اسمها بعدم الاكتراث ، ثم تعود وتهتم بالكتب والطبيعة.

تأتي النهاية أيضًا متوقعة ، ولكن مؤثرة حيث تنتهي بعبارة (هيا أكتب حكاية متعلقة باسمك). هي دعوة مفتوحة للإبداع وأن يعطى كل طفل مساحة لابتكار مكانه وعالمه الذي سيغني عالمنا بما هو أجمل. فهل هذه هدنة روائية للكاتبة التركية أم هي رواية للطفولة بعيدًا عن عالمنا.