Menu

عربان المنامة والمآته في محرقة العصر

يوسف عبد الحق

 

صحيح أنه لم يكن مفاجئاً التحاق الحكم الأردني والحكم المغربي والحكم المصري بمحرقة العصر في عرب المنامة والمآته،  فالحكم الأردني منذ تأسيسه  يسير في الفلك الصهيو بريطاني والامريكي واعترف بالنظام العنصري الإسرائيلي. والحكم المغربي يعمل عراباً للتحالف الصهيو أمريكي منذ ستينيات القرن الماضي. أما الحكم المصري فقد بات تحت الهيمنة الصهيوأمريكية منذ كامب ديفيد واعترافه بإسرائيل العنصرية منذ كامب ديفيد. كذلك فلا غرابة من دول الخليج العربي التي كانت وليدة التحاف الصهيو بريطاني الأمريكي والتي تعمل منذ نشأتها على تدمير كل محاولة عربية نهضوية بدءاً من مصر ناصر مروراً بعرق صدام  ثم مصر الانتفاضة  وصولاً إلى ليبيا، سوريا، اليمن والسودان حالياً.

لكن الغريب العجيب والمحزن أن القيادة الفلسطينية المتنفذة ظلت رغم كل هذا التدمير الذي قام به هذا التحالف الصهيوأمريكي لهذه الدول العربية، بل ورغم قيام هذا التحالف بدعم إسرائيل العنصرية في تدميرها لثلاث دول عربية مصر وسوريا و الأردن واحتلال أراضيها، وحتى أكثر من ذلك بدعم إسرائيل العنصرية في تصفية المقاومة الفلسطينية في لبنان،  أقول رغم كل ذلك ظلت هذه القيادة الفلسطينية المتنفذة تقدم التنازل تلو التنازل لهذا التحالف منذ حوار أبو مازن مع القوى اليهودية الصهيونية، كما ادعى  في بدايات سبعينيات القرن العشرين، وحتى بدايات حكم ترامب عام 2017، حيث عرض أبو مازن على ترامب موافقته على تبادل الأراضي مع إسرائيل العنصرية بنسبة 6.5%، أي أكثر مما عرضه الرئيس الفلسطيني السابق بثلاثة أضعاف، متوهماً بأنه بذلك يحول الوحش إلى إنسان!!   

طبعا تم قبل ذلك اعتبار الميثاق الوطني منتهي (كادوك)، بعد قيام التحالف الصهيوأمريكي  بتدمير عراق صدام، وصولاً إلى دخول شرك أوسلو، حيث مكّن هذا التحالف الإمبريالي من سيطرة الاحتلال العنصري الإسرائيلي التامة على كل صغيرة وكبيرة من قرار هذه القيادة، بل ومن كل ما في فلسطين المحتلة من حجر وشجر وبشر.

والأدهى والأمر أن تظل هذه القيادة المتنفذة تهرول في هذا الطريق دون أن تقف ولو مرة واحدة لمراجعة مسارها بشكل موضوعي وجدي وصادق، حيث ظلت تحكم بالتفرد وغياب المؤسسية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة حتى بات شعبنا يتجرع يومياً سوس الفساد، والتنفيع والانتفاع، وسياط القمع والاعتقال وفوضى الحكم، في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والذي تجلى بأبشع صوره في ظل الحكومة السابقة، هذا إضافة إلى سرطان الاحتلال الإسرائيلي العنصري، وذلك دون أن يرى شعبنا بصيص أمل في تغيير واقع الحال نحو الأفضل، الأمر الذي أدى إلى استمرار خطيئة الانقسام التي تنهش في كل الجسد الفلسطيني منذ حوالي 12 عاماً.

في ظل هذا الضعف الفلسطيني غير المسبوق منذ النكبة، وتحت طغيان التحالف الصهيوأمريكي الإمبريالي غير المسبوق في الوطن العربي، جاءت محرقة العصر في المنامة لتضع كل القيادة الفلسطينية، بل والشعب الفلسطيني برمته في الزاوية، فهذه المحرقة أطلقت يد إسرائيل العنصرية لتفعل ما تريد في الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة والثابتة وغير القابلة للتصرف، في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس والتي أقرتها قرارات الأمم المتحدة. فقد منح ترامب مناقضاً القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، تفويضاً لإسرائيل العنصرية بضم القدس، وضم بقية الضفة الفلسطينية المحتلة، وحرمان الشعب الفلسطيني من حق العودة حتى للضفة أو غزة، وتدمير غزة حتى تخضع للهيمنة الإسرائيلية والتحاف المصري العربي النفطي،  بالإضافة لضم الجولان العربي السوري.

ورغم هذه الخطورة البالغة والجامحة على المصير الفلسطيني، لا زال الفلسطيني الحقيقي  ي قطر دماً وهو يرى القيادة المتنفذة تجتر كلاماً ممجوجاً بخصوص الدعوة لاجتماع الأمناء العامين لجميع الفصائل الوطنية في الخارج ليتمكنوا جميعاً من المشاركة في صياغة توافق وطني ضد صعقة القرن، وذلك بالرغم من بيان المقاومة والقوى الشعبية العربية الذي انعقد في بيروت قبل حوالي أوائل شهر يونيو الجاري، واعتمد شعاراً له: "متحدون ضد صفقة القرن". فهل يعقل أن يكون ذلك ناجماً عن "قصر" عقل قيادي أو عن نرجسية أو عن .... أو عن ...؟ حقيقة لست أدري!

لكن هذا واقع حال القيادة الفلسطينية رغم الرفض اللفظي الذي تعلنه، أما عن محرقة العصر لعربان المنامة والمآتة فلنتحدث عنكم بلا حرج، لقد بدأت حكايتكم تسير إلى نهايتها، ذلك أن ربكم ترامب قد أرسل لكم ابليسه صهيون يغويكم بوهم الخطر الإيراني ويخدعكم بأنه وربه ترامب هو الحامي الأمين لرؤوسكم وعروشكم، كل ما عليكم أن تفعلوه من أجل حمايتكم هو أن تسلموا بلادكم بقضها وقضيضها لربكم وابليسه، وحينها سيحولكم  من مجرد منامات لا تعي ما يجري ولم تعد حتى لازمة في عصر المحرقة التي ستأكل الأخضر واليابس منكم، اإلى مآتات من الخشب المصلّب الملبوس بالغترة والدشداشة لحراسة تكنولوجية لنفط ربكم وابليسه. فلقد خططت الإمبريالية الأمريكية لمصيركم منذ ربكم السابق بوش، حيث زينت لكم خطر الهلال الشيعي من جارتكم إيران المسلمة التي تقاوم التحالف الصهيوأمريكي ببسالة.

المفجع هنا، أنكم لم تفكروا لحظة واحدة أن الطريق للتفاهم مع إيران هو الطريق لحماية المصالح العربية، وليس الدخول معها في حرب طويلة ومدمرة لكل شيء في المنطقة، فلن تنجدكم جيوش الرب ترامب وابليسه صهيون، بل ستعيث فساداً وتدميراً في بلادكم، وفي كل المنطقة العربية، وستقسم المقسم من المنطقة، بحيث لا يبقى فيها سوى وجه ربكم ترامب وابليسه صهيون، وحينها ستندمون حيث لا ينفع الندم؛ وتأكيداً لهذا القول: اقرءوا تجربة الفلسطينيين تحت الحكم العنصري الإسرائيلي قبل أن يسبق السيف العدل.

وهنا نصل للحديث إلى استحقاقات التصدي لمحرقة العصر فلسطينياً، باعتبار أن نجاح أي برنامج للتصدي لهذه المحرقة، لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت القاعدة الأساسية لانظلاقته هي قاعدة فلسطينية أولاً؛ وتتمثل الخطوة الأولى في هذا الخصوص في اجتماع الأمناء العامين لجميع الفصائل الفلسطينية في الخارج  للتوافق على خطة عمل وطني مقاوم لعل أهم بنودها:

  1. سياسياً: التمسك ببرنامج الاجماع الوطني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الخالدة، وإلغاء أوسلو، وسحب الاعتراف بإسرائيل، والتفعيل الجدي للمقاومة بمختلف الوسائل المتاحة، وتفعيل المقاطعة للنظام العنصري الإسرائيلي.

  2. هيكلياً: إعادة هيكلية م.ت.ف والسلطة الفلسطينية، وذلك على أساس قيادة جماعية ملتزمة بالديمقراطية والمؤسسية وحرية الاعتقاد والرأي والتعبير، بما يخدم بند (1)، وذلك من خلال عقد مجلس وطني موحد يرسِّم كل ذلك بقرارات واضحة لا لبس فيها.

  3.  إدارياً: ترسيخ حكم ديمقراطي حقيقي يقوم على مبدأ فصل السلطات وسيادة القانون والمواطنة والمساواة.

  4. السياسات الاقتصادية الاجتماعية: اعتماد سياسات اقتصادية اجتماعية تعود بالفائدة على الشعب الفلسطيني، وتقوم على اقتصاد تشاركي حكومي شعبي، وعدالة اجتماعية في توزيع الدخل والثروة.  

وختاماً، إن الشعب الفلسطيني رغم كل المحن والمؤامرات وسياسات التطهير العرقي  التي حاكها ولا يزال يحيكها التحالف الصهيوأمريكي وتابعيه سينتصر عاجلاً أو آجلاً. فقد ثبت موضوعياً وتاريخياً  أنه شعب حي لا يموت، فهو شعب قد تدمر مدنه وقراه ويقتل أبنائه، لكنه لن يهزم مع اعتذاري من همنجواي.