Menu

تقريرالزيّ في مدارس الثانوية.. قراراتٌ مزاجية والوزارة "على الحياد"!

بيسان الشرافي

طابور من طالبات الثانوية العامة في إحدى المدراس - ارشيف

غزة_ خاص_ بوابة الهدف

تتجدّد حالة الجدل في قطاع غزة، مع بداية كل عام دراسي جديد، على إثر إجبار إدارات بعض مدارس الثانوية العامة بضرورة التزام الطالبات بارتداء "الجلباب"، ومنع ارتداء الزي المدرسي الرسمي، المُحدد من وزارة التربية والتعليم، المُتعارف عليه باسم "طقم الجينز".

"الالتزام بالجلباب" تُبرره إدارات المدارس بأنّه "اتباعٌ للشرع، ولأنه أكثر احتشامًا وملاءمةً للطالبات"، في حين عبّر كثيرون من أولياء الأمور عن استيائهم وامتعاضهم من القرار، سيّما وأنّه غير صادرٍ عن الوزارة، بل عن مدارسَ بعينها، وفي بعض الحالات تصاعدت تداعيات الأمر ليصل إلى تصادم بعض أهالي الطالبات مع إدارات تلك المدارس، لرفضها بشكل قاطع الزي الرسمي، واشتراطها ارتداء الطالبة الجلباب فقط، وإلّا "تُطرد من المدرسة"، وفق توثيق "الهدف".

مصادر من التعليم أكّدت لـ"بوابة الهدف" أنّ وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة لم تُصدِر قرارًا رسميًا يمنع ارتداء الزي الرسمي (طقم الجينز) في مدارس الثانوية العامة، أو أن يكون الزي "الجلباب فقط"، وفي الوقت نفسه أقرّ عددٌ من إدارات المدارس لـ"بوابة الهدف" أنّ لا قرار مماثل وصلها من الوزارة، والأمر كلّه يصدر عن إدارات بعض المدرسة بصورة منفردة.

الأكاديمية والإعلامية ديما اللبابيدي قالت للهدف "من أعطاهم الحقّ لفرض اللباس الشرعي على الناس؟" قاصدة إدارات المدراس، وأضافت "اللباس مسألة شخصية، ومدى الالتزام بتعاليم الدين ينبع من الإنسان نفسه، وليس من القوانين الوضعية". وختمت بالقول "ليتهم يضعون معايير للأخلاق كما يضعون معايير للمظهر!".

أما الناشطة المجتمعية والنسوية تغريد جمعة، والتي قالت "لنا باعٌ طويل مع مديرات المدارس في فرض ما هو مخالفٌ للتعليمات"، أوضحت في حديثها للهدف أنّ "الوزارة- شكليًا- ليس لديها قرارٌ صريح بمنع الزي الرسمي وفرض الجلباب، ولكن تُوعز للمدراء بفرض الأخير".

واستدركت جمعة بالقول "من تجربتنا، عندما يُصرّ الأهالي على الرفض والتصدّي لهذا القرار، ويتهم تهديد إدارة المدرسة بفضح أمرها وتعنّتها بشأن الزي، تنصاع وتتغاضى عن بعض الطالبات في حالات مُحددة".

الشابة نور اللبابيدي، روت لـ"الهدف" تجربتها مع إدارة مدرستها في المرحلة الثانوية، والتي كانت تُطالب الطالبات كافة بالالتزام بارتداء الجلباب، بحجة أنّه "يستوفي شروط اللباس الشرعي"- في حين كانت المديرة والمُعلّمات أنفسهن غير ملتزمات به، ما جعل الطالبات في حالة اضطّراب، مع عدم الاقتناع بالحجج المُعلنة.

وأضافت نور، التي أنهت دراستها منذ سنوات، أن الأثر السلبي لما تركته هذه المواقف في نفسها يتجدّد مع تكرار ذات الجدل كل عام، ما جعلها تشعر أنّها "حاقدة على كل شخص تسبب في هذا الإشكال، من دون إعمال عقلِه!".

وأوضحت أنّ منع مدرستها ارتداء الزي الرسمي وتعنّتها في تطبيق هذا القرار حتّم عليها الانتقال إلى مدرسة أخرى لا تُخالف قرارات الوزارة، وقالت "لم أكُن ضدّ ارتداء الجلباب، بل ضدّ فرض القرارات بناءً على الأهواء، وإلغاء العقل". مُعتبرةً أنّ "فرض الدين بهذه الطريقة يُعد أسلوبًا مُنفّرًا".

وطرقت الشابة بابًا يفتح على ثقافةٍ مجتمعيّة اعتبرت أنّها "واقع مؤسف"، وهو "ملاحقة الفتيات في كل شيء، في حين يُترك الشاب على راحته المطلقة!".

في حين ذهبت افتخار الشرافي إلى انتقاد السلوكيات التي تُرافق تطبيق القرار الجدَلي في المدارس، إذ تمنع إدارة المدرسة الطالبة "المُخالفة لقوانينها الخاصة" من دخول المدرسة أو فصول الدراسة، بحجة أنّها غير ملتزمة بالزي "الجلباب".

مثل هذه السلوكيات، واجهتها الطالبة هلا، التي بدأت منذ أيام عامها الأول في المرحلة الثانوية، في مدرسة "الفالوجا"، بمخيم جباليا، شمالي مدينة غزة، مرتديةً الزي الرسمي المُكوّن من قميصٍ وتنورة، فرحةً بالمرحلة الجديدة التي تُدشّنها، قبل أن تصطدم بقرار المدرسة، التي منعتها من الدخول إلى فصلها الدراسي لمدة ساعة كاملة، بحجة "عدم التزامها بالزي".

والد الطالبة هلا، وهو الأكاديمي د.ياسر رضوان قال للهدف إن إدارة المدرسة استدعت طفلته من بين زميلاتها في أثناء الطابور الصباحي، ووبختها ومنعتها من دخول الفصل الدراسي، وتساءل "بأيِّ حقٍ يتم إيقاف الطالبات وتأخيرهنّ عن الدراسة بحجة عدم الالتزام بالزي؟!".

وتابع رضوان قائلًا "سبق واشترى الأهالي الزي المدرسي، وهو المعتمد من الوزارة، التي لم تُعلن عن أية تعليمات جديدة بشأن منعه أو فرض الجلباب"، مُعبّرا عن سخطه من ما تُمارسه إدارات هذه المدارس من ضغوطٍ على الطالبات وذويهنّ".

ورأى والد هلا أنّ "الزي المدرسي مهما كان شكله لا يعكس أخلاق الطالبة، داعيًا إلى أنّ يكون التركيز على السلوك والتربية، الأهم من المظاهر الخارجية".

من جهتها، لفتت المواطنة سمر حمارنة إلى وجود طالبات لا يرتدينَ حجاب الرأس أصلًا، فكيف يُفرض عليهنّ من إدارات مدارسهنّ ارتداء الجلباب؟! وفي حديثها للهدف أكّدت حمارنة أنّ الالتزام والانضباط يجب أن يكونا نابعين من داخل كل فتاة، مهما يكن لباسها.

أمّا المواطنة فداء الأعرج، التي استهجنت ترك الأمور لتُقرر فيها كل مدرسة بشكل فردي، قالت "هذا يفتح الباب للأهواء والخلفيات الشخصية، كما أنه يؤدي إلى إقصاء وتمييز ضد فئات مختلفة، سواء من ناحية دينيّة أو اجتماعية"، مُعتبرةً أنّ هذا "تعزيزٌ للانقسام المجتمعي"، فوق الانقسام السياسي الذي نعاني منه. وزادت بالإشارة إلى أنّ التركيز دومًا في مثل هذه المسائل يكون على الفتيات، قائلةً "إن طبيعة مجتمعنا الذكورية لا تضع إلا البنات والنساء تحت المجهر، أما الذكور فهم فوق أحكام المجتمع"، ودلّلت على هذا بأنّه قلما تتم محاسبة الطلاب على عدم التزامهم بالزي المدرسي الرسمي.

هذه الآراء كانت لفريق المُعارضين للقرار المثير للجدل، في حين اعتبر مُؤيّدوه أنّ القرار صائبٌ ويصب في مصلحة الطالبات، اللاتي يجب عليهنّ "الاحتشام"، وارتداء الزي المُلائم لكونهنّ طالبات يتوجهنَ للمدراس طلبًا للعلم، لا استعراضًا لأزيائهنّ، على حد تعبير بعضهم.

المواطن علي (اسم مستعار) رأى أنّ المدرسة لها الحق بفرض أي قرار للمصلحة العامة بدون الرجوع إلى الوزارة. فيما اعتبرت المواطنة أم محمد زقوت أن الزي الأنسب للمدرسة هو الجلباب، نافيةً أن يكون هناك حالة استياء من قبل الأهالي بسبب القرار المذكور.

وفيما بدا أنه جهلٌ من قبل غالبية أولياء الأمور، المستطلعة آراؤهم، أو ربما تضليلٌ من إدارات المدراس، وفق رصد "الهدف"، اعتقدَ كثيرون من الأهالي أن هناك قرارا رسميّا صادرا عن وزارة التربية والتعليم يمنع "طقم الجينز" ويُلزِم الطالبات بارتداء الجلباب، وذهب البعض إلى تفصيل القرار "المزعوم" أكثر بالقول " إن الوزارة اعتمدت الجلباب الجينز (القطعة الواحدة)  شرط أن يكون فِضفاضًا، بلونٍ أزرق، بدلًا من الطقم (التنورة والقميص)، وهذا حفاظًا على الفتيات وتطبيقا للشرع"على حدّ قولهم.

أمّا المواطن إسلام زياد، فرأى أنّ المشكلة تكمن في ما تُقدم عليه بعض الطالبات من إحداث تغييرات على الشكل الأصلي للزي الرسمي، تجعله غير مُلائمٍ للمدرسة، وقال للهدف "ربما في السابق كان زي الجينز مناسبًا للمدرسة، ولكن اليوم مع التغييرات الزائدة عن الحدّ المعقول، جعلته لا يصلح أن يكون زيًا مدرسيًا، وعليه فالأفضل توحيد الزيّ بالجلباب، ومنع الموديلات الجديدة من أزياء الجينز".

ورغم تأييده قرار "فرض الجلباب"، اعتبر المواطن أحمد فيصل أنّ "هناك وسائل وأساليب أخرى يجب على وزارة التربية والتعليم اتباعها لتربية الطلبة تربيةً سليمةً قائمة على الأخلاق الحميدة".

المديرة السابقة إصلاح الغنيمي أكدت كذلك عدم وجود قرار وزاري بمنع "الجينز". الغنيمي التي عملت معلمة ومديرة في مدارس الثانوية لأكثر من 11 عامًا، أوضحت أن "بعض أنواع الزي الرسمي (الجينز) يكون ضيق لدرجة ان الطالبة لا تتمكن من المشي السريع، كما أن هناك ما اسمتها مظاهر مُخجِلة، وأضافت أن الأطقم الجينز المُلائمة والفضفاضة قليلة في الأسواق، وهو ما كانت تعاني منه شخصيًا حين كانت تبتاع لبناتها أزياء المدرسة حين كُنَّ في المرحلة الثانوية، وفق ما بيّنته للهدف.

وإلى جانب الآراء المعارضة والمؤيدة، كان للمواطن أحمد الكحلوت رأيًا مخالفًا، إذ اكتفى بالقول للهدف، إن "إثارة مثل هذه الموضوعات يهدف إلى خلق مشكلة!"

ووفق ما وثّقته الهدف، سادت حالة استياء بين الأهالي بعد مُراجعة إدارات المدارس لهم، ومطالبتهم بإلزام الفتيات بارتداء الجلباب فقط، وإلا عليهم نقلهن من تلك المدارس، ولا تقتصر أسباب حالة الاستياء هذه على أن نقل الطالبة من مدرستها ومن بين زملائها ومعلماتها إلى مدرسة وبيئة أخرى جديدة عليها، ربما تكون بعيدة عن مكان سكنها، أو غيرها من الإشكاليات التي يتضمنها هذا الخيار، فهناك أمرٌ بيّنه الأهالي للهدف، وهو التكلفة المالية لهذا القرار الإجباري، الذي يغصب الأهل على شراء زي جديد بمواصفات "تُرضِي إدارة المدرسة"، في وقتِ بالكاد تمكّن فيه أولياء الأمور من توفير ثمن الزي الحالي، علمًا بأن عددٌ من الأهالي أقرّ للهدف بأنهم لم يبتاعوا زيًا جديدًا للعام الدراسي الجديد، وإنما أعادوا استخدام الزي الخاص بالعام الماضي.

يحدث هذا كلّه، في وقتٍ تقف فيه وزارة التربية والتعليم على الحياد، وهو موقفٌ تتبعه الوزارة منذ سنواتٍ يتكرّر فيها الجدل حول الزي المدرسي، فيما يبدو أنّه مُحاولةٌ لتجنب حالة سخطِ واسعة من المواطنين، عملًا بالمقولة الدارجة "الباب الذي يأتي منه الريح سُدَّه واسترِح"، وربّما هذا يُفسّر عدم استجابة عددٍ من المسؤولين في الوزارة على اتصالات "الهدف"، في حين برّر أحد العاملين في الوزارة بأنّ "هذه من المواضيع الحساسة التي تُفضّل الوزارة عدم الانشغال بها".

وفيما يُبدو وكأنه تفسيرٌ لهذا الموقف المُحايد من الوزارة، قالت المحامية صبحية جمعة إنّه "منذ البدء لم يجرؤ أحدٌ بصفته الرسمية على القول إن القرار صادرٌ عن الوزارة - لا قديماً ولا حديثاً- تاركين الأمر دون تدخلٍ، اتباعًا لقول (خطأ شائع ولا صوابٌ مهجور)". وأضافت "لا أعتقد أنّه كان من الصعب على الوزارة البتّ في الأمر، ولكنّ كما هو الحال في كل قضايانا، تظلّ رخوةً ، وعلى أهواء البعض، ولا أحد يتحمّل المسئولية، لتبقى المسألة وكأنها تخص صاحبها فقط، بدون أية تعليمات ناظِمة".

المواطنة أم محمد عاشور انتقدت موقف الوزارة كذلك، لأنها لم تبتّ في الجدل القائم حول الزي المدرسي، هذا العام أيضًا، وقالت "لماذا لم تُعلن الوزارة طبيعة الزي المفروض في وقتٍ سابق"، مُضيفة "الأهالي سبق واشتروا زي المدرسة، ماذا سيفعلون الآن ومن أين يجلبون زيًا آخرًا".

وقالت أم محمد "الله أعلم بحال الناس، وكذلك حال التجّار، فأين سيذهب هؤلاء ببضاعتهم التي اشتروها وعرضوها في الأسواق إن امتنع الأهالي عن ابتياع (الجينز)"، ورغم تفضيلها ارتداء الطالبات الجلباب، لم تعترض عاشور على ارتداء الزي الرسمي، وقالت "البنت تفرض احترامها بأخلاقها وليس بزيّها".