التعذيب هو سمة لصيقة بالنزعات العنصرية والفاشية، تعبر عن رغبة هائلة بالتسلط على الإنسان جسدًا وروحًا، وتسعى لتحطيم إرادته من خلال إفراغ العنف على جسده، وفي حالة الصهيونية، فقد ورث الكيان نصيبًا أساسيًا من منظومات القمع الاستعمارية التي يقع التعذيب في صلبها؛ كأداة أساسية للإخضاع.
ولعل المقاومة والتمرد هي المقتل الأساسي لفعل التعذيب، فكما يهدف القمع لإخضاع البشر لسلطة قهرية، تدور فكرة المقاومة حول رفض الخضوع، وإبراز الإرادة كمعادل مضاد للعنف، وكلما كانت هذه الإرادة أنقى وأوضح كانت أكثر قدرة على تقويض فعل التعذيب وإفقاد صاحبه صوابه وهدفه.
سامر عربيد، عاش حياته مقاومة، بكل سبلها وأدواتها وأطوارها، مُصرًا على رفض الخضوع لمنظومة القهر الصهيوني، وعاملًا على إلحاق الهزيمة بها، فالرجل الذي تتهمه المنظومة الصهيونية بمقاومتها وتنفيذ عملية فدائية، قدم نموذجًا آخرًا من المقاومة في مواجهة التحقيق/ التعذيب الذي تتبعه منظومة الأمن الصهيونية.
قيل كثيرًا أن الصمود في التحقيق هو صراع بين إرادة المحتل وإرادة الأسير، وقدم سامر تعبير واضح عن هذا الصمود، فيما قدمت المنظومة الأمنية الصهيونية تعبيرًا راسخًا وإثباتًا جديدًا عن مدى هشاشتها، غطرسة القوة والقهر والتنكيل، وسياسات التعذيب، سقطت أمام سامر، لينهال الفاشيين المهوسين على جسده، ومع انهيار الجسد أكثر، كانت إرادة سامر تنتصر أكثر، وتسجل نقاط جديدة لشعبه وقضيته في هذه المعركة.
في المعركة بين الأسير الفلسطيني ومنظومة التعذيب الصهيونية، تشتبك مدرستين، حيث يستحضر الأسير كامل وعيه وثقافته وإرادته، والخبرة النضالية التي سلحته به قوى الثورة، فيما يستحضر الجلاد أيضًا ما لقنته إياه المنظومة الأمنية الصهيونية، أن الضغط والترهيب والتنكيل هو سلاح نافذ يخضع الكل أمامه، وأن لا قيمة للحق أو الرحمة أو العدل، وفقط القيمة العليا هي للقوة وأدوات التنكيل.. حين تسقط كل هذه المنظومة ولو لثانية أو بضعة أجزاء من الثانية أمام جسد الأسير، هنا يكون هذا الجسد جيشًا وشعبًا ومقاومة، تنتصر على الذات الضيقة العنصرية الأنانية للمحقق وللمنظومة الصهيونية بأكملها، وإرث الصمود والتحرر والمقاومة للإنسانية بأكملها، ينتصر على إرث قرون من التعذيب والقهر الذي مارسته المنظومات الاستعمارية المتلاحقة.
صُممت السجون الصهيونية، ومن خلفها المنظومة الأمنية الصهيونية، كأداة للتعذيب، فيها يختبر الاحتلال قدرته على الاخضاع بواسطة القهر، لا للأسير كشخص، بل للأسير كتمثيل عن شعبه، عما علمه إياه هذا الشعب، والقيم التي حمله إياها ورباه عليها، وفي مثل هذه المواجهات من الخطير جدًا أن يترك الأسير الفلسطيني لمصيره الفردي، فهو لا يمثل ذاته، والوقوف معه ليس تضامنًا، ولكن انخراطًا في المعركة، معركة الشعب ومقاومته في مواجهة المستعمر وأدوات التعذيب.
إن الرفض الوطني المدوي لتعذيب سامر ورفاقه وغيرهم من الأسرى، يجب أن يكون واضحًا على مستوى الفعل، كانحياز للإنسانية بأكملها في وجه الجلادين، ورهان على عالم تسقط فيه غطرسة القوة، وانتصار للحق الوطني في المقاومة والرفض والتمرد، حق هذا الشعب في قول كلمة لا، وتنفيذ مقتضيات هذه الكلمة، وحملها في كل شارع وميدان والهتاف بها، ولتكن معركة سامر ورفاقه، هي شرارة لمعركة وطنية كبرى لإسقاط سياسات التعذيب الصهيونية ومنظومتها الأمنية، استنادًا لأوسع موجة من التضامن والفعل الشعبي، في فلسطين وخارجها.. فالحرية لن تهزم، ولن تخضع أبدًا لقيد أو جلاد.