ناقشت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عبر ندوة حوارية في غزة، سياسة التعذيب التي يتبعها الاحتلال الصهيوني في التحقيق مع الأسرى الفلسطينيين سواء في أقبية التحقيق أو داخل السجون، وسلّطت الضوء على الجوانب القانونية والإنسانية لهذه الجرائم التي تتم رغم تأكيد مواثيق حقوق الإنسان واتفاقيات مناهضة التعذيب على عدم قانونيتها.
وقال الباحث في شؤون الأسرى، عبد الناصر فروانة إن مسألة ممارسة التعذيب داخل سجون الاحتلال ليست جديدة، إنما ما حدث مع الأسير سامر العربيد أعادها إلى الأذهان، وسلّط الضوء على الأساليب المختلفة التي يتم اتباعها لإخضاع الأسرى.
وأوضح فروانة في كلمته أن معظم الأسرى في سجون الاحتلال تعرضوا لشكل أو أكثر من أنواع التعذيب المختلفة، ما أدى إلى استشهاد 73 منهم منذ عام 1967، إذ كان أولهم الأسير يوسف الجبالي.
وبيّن أن "هناك العديد من الأسرى الذيم تعرضوا للتعذيب حتى قبل وصولهم إلى المعتقلات، بينما يعاني آخرون من آثار هذه الجرائم حتى بعد الإفراج عنهم، إذ خرجوا بأمراضٍ وعاهات أدت إلى استشهاد بعضهم مؤخرًا".
وأضاف أن التعذيب يعتبر بمثابة منهج وسياسة متبعة مع الأسرى، تحولت بعد ذلك إلى قانون مشروع يحمي مرتكبي هذه الجرائم، مشيرًا إلى عدم وجود أي تحرك رسمي أو حتى فردي لدى محكمة الجنايات الدولية بهذا الشأن.
وشدد على ضرورة وجود تحرك لتثقيف الجمهور الفلسطيني عن التعذيب، لأنه عرضة للاعتقال والانتهاك "الإسرائيلي" لحقوقه.
واعتقل الاحتلال الأسير سامر العربيد، في 25 أيلول/سبتمبر الماضي، من منزله في مدينة رام الله، وأخضعه لتحقيقٍ قاسٍ، تسبّب بتدهور حالته الصحية بشكل خطير، إذ فقد وعيه بسبب الضرب الشديد ودخل في غيبوبة، ما استدعى نقله إلى مشفى هداسا "الإسرائيلي" ب القدس المحتلة، وأكّدت جهات حقوقية عدّة أنّه تعرض لتعذيب قاسٍ على أيدي المحققين الصهاينة، بصورة غير إنسانية، في تجاوز صارخ للقوانين والأعراف الدولية المتعلقة بالأسرى.
القانون الدولي
أمّا مديرة الوحدة القانونية في مركز الميزان لحقوق الإنسان ميرفت النحال، فقد قالت إن الاحتلال وقّع على اتفاقية مناهضة التعذيب العالمية، إلا أنه لم يلتزم بها، بل إنه يمارس التعذيب بشكل ممنهج وتحت غطاء قانوني وقضائي.
وبيّنت ميرفت أنه من أجل توثيق جريمة تعذيب، يجب أن تتوفر عناصر عدة منها: "التسبب بألم وإيذاء نفسي أو جسدي، وممارسة الإيذاء بسبق الإصرار والترصد، وأن يكون المنفّذ من جهة مسؤولة، إضافة أن يكون الضحية عاجزًا عن الدفاع".
وذكرت أنه تم رصد أكثر من 80 شكل ونوع تعذيب مارسه الاحتلال، وأن كل الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين تعرضوا لنوع أو أكثر منها، بما يتضمن المنع من لقاء محامي الدفاع لأكثر من 30 يومًا.
وأضافت أن وضع الاحتلال التعذيب ضمن إطار قانوني جاء بشكل متدرج، إذ بدأ بالتعاون بين الجانبين القانوني والتنفيذي، ثم بموافقة النيابة العامة عليه، وأخيرًا بتحول صلاحية الموافقة على استخدام التعذيب إلى "مراقب شكاوى معتقلي الشاباك"، أو ما يعرف بـ "مفتان".
بدورها، أوضحت مديرة مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان هالة القيشاوي أن الأزمة التي تواجه قضية الأسرى فضلًا عن كونها مرتبطة بانتهاكات الاحتلال، فهي متعلقة أيضًا بعدم وجود موقف رسمي محسوم حول آلية التعامل مع الأسرى لدى الاحتلال.
وأوضحت هالة أنه "تم اعتبارهم أسرى حرب، وفي حالات أخرى تم اعتبارهم أسرى مدنيين، بينما اعتبروا أيضًا في حالاتٍ أخرى مخطوفين بطريقة غير شرعية"، مشددة على ضرورة إنهاء هذه "الحالة غير المنتظمة".
واقع الأسرى
أمّا عن واقع التعذيب وتغيير أساليبه في السنوات الأخيرة، بيّن عضو لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية نشأت الوحيدي، أن الاحتلال كان في السابق يُعتّم على ممارسته للتعذيب، إلا أنه الآن يبرز هذه الممارسة بشكل كبير في محاولة منه لتبرير ما يحصل من جهة، وإظهار نفسه كأنه ليس لديه من يخفيه من جهة أخرى.
وقال إن الاحتلال اتبع جملة من الإجراءات لتسهيل ممارسة التعذيب والتهرب من المسؤولية تجاهه، إذ أعفى المخابرات من توثيق التحقيق، وتفنن بابتكار أساليب تعذيب جديدة قد لا تترك أثر جسدي واضح، إلا أنها تُسبب اآلام الجسدية والنفسية.
يذكر أن أساليب التحقيق المستخدمة تركزت على نمط واضح بشكل ثابت وروتيني، وتمت معاملة كل معتقل بالطرق التالية: الشتائم والإهانات اللفظية وتهديدات بإيذائه أو إيذاء ذويه وحرمان من النوم والطعام، وغطاء رأس المعتقلين في كيس قماشي لساعات أو حتى أيام واحتجاز المعتقلين لفترات طويلة في زنازين معزولة صغيرة يكون فيها جسمه في وضعية تتسبب بألم شديد.
وهاجم الوحيدي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وقال إن "رئيس مكتبها في القدس ديفيد كين انتقد اعتصام الأهلي أمام مقرات الصليب في القدس والضفة وغزة، واعتبرها تجمعات غير منظمة، إلا أنه لم يصدر أي تصريح حول قمع الأسرى والاعتداء عليهم وعلى ذويهم خلال فترات الزيارة".