Menu

وليد "الدبّيك".. وقصة شعاره: "لا تدع جسداً يوقفك"

11853999_718448328298621_1018390337_n

بوابة الهدف_ تصوير: طارق مسعود

بروحٍ تُعانق أعلى الغيم، محاطةٌ بهالة من إيمانِ ورضا، بحجم الكون، يمضي وليد في دربه، لا يُبصر إلّا للأمام، غير آبهٍ بمن يعترض حلمه أو يعكّر صفو فرحه بكلمة أو نظرة.

وليد طافش، 24 عاماً، من سكان معسكر جباليا، شمال قطاع غزة، اختار لحياته أن تكون كاملةً، دون أن ينقصها شيء، حتى لو شاء القدر أن يُولد بيدٍ واحدة.

المعاناة.. بين السعودية وغزة

أمضى سنواته العشر الأولى في المملكة العربية السعودية، وكما يقول وليد: "هناك المجتمع منغلق على نفسه، لا تخرج من البيت كثيراً، لذا فلم أكن أشعر بأن أحداً يستغرب من حالتي، أو يرمقنى بنظرة استغراب، كوني لا املك سوى يد واحدة".

ويُكمل:"إلى أن جئت إلى هنا، إلى قطاع غزة، بدأت معاناتي، فقد كنت في سن العاشرة، أي في المرحلة الابتدائية للدراسة، ولأن المجتمع هنا منفتح، فالناس أكثر احتكاكاً ببعضهم البعض، وهذا بالتأكيد لم يكن بصالحي"

يصمت وليد لوهلة، ثم يتابع: "أكثر كلمة كنت أسمعها في مدرستي كانت "يا أبو إيد مقطوعة"، لطالما ألقاها الأطفال في وجهي، ناهيك عن نظرات الاستغراب التي تنهال عليك، كل يوم، في المدرسة، في الشارع، في السوق، بين الجيران، وبكل قسوة،...، كل هذا وأنا لا أعرف كيف أدافع عن نفسي، أو ماذا أرد عليهم، لم أكن أعرف -بالفعل- لماذا وُلدت هكذا ؟!".

يُتابع وليد، وكأنه استذكر لحظات قاسية: "حينها، ملأني الإحباط، تحجّر قلبي، ولم اعد أستطيع الخروج من البيت، لا أريد مزيداً من نظرات الشفقة والاستغراب، أو الانتقاص أحياناً.. أُصبت بحالة اكتئاب حاد".

أوّل الأمل.. أول الحياة

الشاب الطموح، ذو الروح العالية، استجمع أنفاسه، وأكمل الحديث، قائلاً: "أتذكّر المرحلة الفاصلة في حياتي، والتي أخرجتني من عالمي الأسود الضيّق، إلى فضاء الأحلام والطموح اللامتناهي،..، في آخر العام الدراسي، نُظم مخيم صيفي وكنت للمرة الأولى أشارك في شيء كهذا، ومع تشجيع أبناء عمّي وبعض الأصدقاء، سجّلت في المخيم، وبالصدفة كان عنوانه "دمج المعاق في المجتمع"، بدأ المخيّم وبدأت أنشطته المتنوّعة".

يُضيف وليد: "شدّتني زاوية الدبكة، هذا التراث الفلسطيني، الذي كنت أتعرف عليه لأول مرة.. وبالتأكيد، لم يُسمح لي في البداية أن أنضمّ إليها، رغم أنني لفتّ انتباه المدرّب الذي أدرك أنني سريع التعلّم وماهر في ضبط حركات الدبكة، ودون إرادتي ضمّوني لفريق المسرح، حيث قمت بتمثيل دور شبيه بحالتي، ما أعجب الجمهور ودفعهم للبكاء، حتى أننّي أنا بكيت ، فقد شعرت بأنني أفرّغ الطاقة التي بداخلي".

ويزيد: "انتهى المخيّم، لكنّ الدبكة ظلّت في خاطري، أردت أن اتعلّمها وأتقنها أكثر، التحقت بمركز العصرية الثقافي، تعرّفت على أناس جدد، وشباب مُدرك ومثقّف، ورغم معارضة الاهل في بداية المشوار، لاعتقادهم أن الأمر سيؤثر على دراستي، إلّا أنني بقيت مصراً على إكمال طريقي في هذا الفن الفلسطيني الأصيل، والذي ملأ قلبي شغفاً"

وعن هذا الشغف، يقول وليد، بكلمات تكشف عن فرحٍ عميق: "كنت أؤدي حركات الدبكة، على أنغام أغنيات شعبية وألحان تراثية وفلسطينية قديمة، قدّمت مئات العروض، أمام آلاف الناس، ولطالما قال لي الناس، أنّي أضفي جواً خاصاً في العروض، وأقدّم حباً للحياة وأملاً وتفاؤلاً للناس، إلى جانب الدبكة والتراث".

لا تدع جسداً يوقفُك

يستدرك وليد: "شيء مهم أثر فيّ أيضاً، هو دعم الأهل و مساندتهم، فلم يعاملوني معاملة خاصة، بل كانوا يعاملونني كأي فردٍ في المنزل، وهذا كان يعزز المشاعر الإيجابية بداخلي، فأنا لا اختلف عن الآخرين، انا كباقي إخوتي"

ويُحدّثنا وليد عن الإرادة، حتى في أصغر الأشياء: "كنت افعل كلّ شيء لوحدي، ما عدا شيء واحد كان يُحزنني أنّني لست قادراً على فعله، وهو ربط الحذاء، نعم هذا الشيء البسيط.. إلّا أن تمكّنت منذ بضع أشهر من ربطه بواسطة طريقة من اختراعي".

"لا أتذكّر أن هناك شيء في جسدي ناقص، لا أتذكر ذلك إلّا حين أنظر للمرآة"، يقول وليد: "بات لدى مئات الأصدقاء، والكثير من المعارف، لم يعُد يستغرب من شكلي أحد، أو يرمقني بنظرة مُهينة".

وليد أنشأ صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" اختار لها اسم "لا تدع جسداً يوقفك"، قرّر أن ينشر قصته مع إعاقته، وكيف تجاوزها، للجميع،  قرّر أن يوسّع الهالة المحيطة به من الإيمان والفرح والرضا، لتشمل كل الناس، وبالتحديد لذوي الاحتياجات الخاصة.

ولمن يشعر أن حياته وجسده ناقصٌ، بفقده لطرفٍ أو حاسة، أو حتى قدرة ما، يقول وليد: لا يوجد شيء اسمه "صعب" أو "لا أستيطع"، ليكن إيمانك أقوى، وطموحك أكبر، لماذا تعبسون طالما أنتم قادرون على الفرح بلا نهاية.. ابحث عن طريقك، و مجالك الذي ستُبدع فيه، و "عِيش".