Menu

الشباب الفلسطيني ومستقبله.. تحديات وتساؤلات

محمد أبو شريفة

بقدر اتساع الأفق السياسي الفلسطيني على تطلعات تحقيق الحرية والاستقلال، تبدت هواجس الشباب ومخاوفهم من سيناريوهات التواطؤ والمؤامرات لتصفية القضة الفلسطينية وإجهاض مشروع التحرر الوطني قبل أن يستكمل مقوماته وتستقر مفاعيله في منظومة سياسية جديدة تعلن الاستمرار بالثورة والانطلاق بها وتجديدها بروح العصر. وقد تباينت آراء الباحثين في مختلف تخصصاتهم الإنسانية حول مفهوم الشباب والمرحلة العمرية التي يمكن إطلاقها على هذه الشريحة، وبدون شك فإن المجتمعات الحيوية تقاس دائمًا بمدى وفرة المكون الشبابي لديها وتبوئه المكان المناسب للاضطلاع بالأدوار والوظائف الملقاة على عاتقهم. ومن خلال تلك المهمات يمكن الحكم على الشعوب والمجتمعات بأنها شعوب منتجة أو خاملة.

لكن ما يميز الحالة الفلسطينية عن بقية الحالات بأن هنالك مهمات ووظائف كبرى وتحديات جسام أمام الشعب الفلسطيني في مسيره الدائم لانتزاع حريته واستقلاله من براثن الاحتلال الصهيوني الغاشم. والسؤال الدائم والمفتوح على إجابات عديدة هو مدى انخراط الشباب الفلسطيني في بنية ومؤسسات وأطر العمل الوطني الفلسطيني؟ ومدى قدرتهم على إحداث التغيير في تلك الأطر باعتبارهم يحملون مفاهيم متجددة متصلة بحيثيات الزمان والمكان؟ والسؤال ليس افتراضيًا؛ فأكثرية الشباب ترى في نفسها قوة حيوية مبدعة وخلاقة لكن لم يجدوا هيكلاً تنظيميًا منضبطًا يلبي طموحهم وتطلعاتهم، فلسان حالهم يقول إننا نحتاج إلى اتساع أفق لتجنب اخفاقات وعثرات الماضي والسير بالطريق الطويل نحو تحقيق الأهداف الوطنية المنشودة.

فإذا كان جوابنا يتمحور حول فئة الشباب اليوم يتضح للجميع أنهم فاقدي القدرة على التأثير وبالحدود الدنيا، وأما بالحد الأقصى  فهم مغيبون عن هذه الأطر وأصبحوا أمام معادلة التغيّب والتغييب.

إذن نحن أمام معطى جديد يفرض علينا قراءة الواقع انطلاقًا من وجود معضلة حقيقية لها أسبابها ومسبباتها الذاتية والموضوعية.

فتحديات المرحلة خارج إطار النضال الوطني كالتحدي المعيشي والبحث عن الخلاص الشخصي قد فرض نفسه على هذه الشريحة المجتمعية، في حين تعيش الأطر الوطنية الفلسطينية بأغلب تشكيلاتها ومكوناتها حالة من التكلس والخمول في بناها المؤسساتية، فلا هي قادرة على تقديم تصورات عامة لفعل النهوض ولا هي قادرة على إشراك هذه الشريحة من الشباب في بنى هذه المؤسسات للنهوض بها. وأمام معترك الديمقراطية التي تدعيها غالبية الأحزاب والأطر والمؤسسات الفلسطينية نجد أن كبار السن من الرعيل الأول والذين يمتلكون القوة والخبرة والنفوذ والقدرة والاقتدار لسان حالهم يقول إن قلوبهم مع الشباب، ولكن هيهات أن يستجيبوا لتطلعاتهم وطموحاتهم.. وعملية الخروج من هذه الدوامة المفرغة تقتضي نوعًا من القراءة النقدية لمن يمسكون بتلابيب تلك المؤسسات، قراءة نقدية تدفعهم لتقديم تنازلات حقيقية وبالمجان لصالح فئة الشباب. فالمغالبة محكوم عليها بالفشل الذريع نظرًا لأن الجسم السياسي الفلسطيني قد بلغ من العمر عتيا وشاخ وهرم معه من يمثلونه، فأضحت التقسيمات العمرية داخلها تتمحور في فئة كبار السن، فمنهم من تجاوز العقد السادس والبعض الآخر ناهز العقد السابع والثامن معتقدين أنهم يتحدثون بلغة الشباب الغائب الحاضر دومًا.

إن الناظر للتجربة الفلسطينية مع الثورة الفلسطينية المعاصرة يرى في ذلك الوقت أن جيل الشباب الفلسطيني قد اجترح المعجزات وعلى يديه أعاد ترميم وبناء الجسم السياسي وبث الروح في مختلف الأطر والمؤسسات وأعاد بناءها وتفعيلها من جديد. ونتيجة لظروف إدامة أمد الصراع مع المحتل بقي هؤلاء ممسكين بتلك المؤسسات باعتبارها خيارهم المصيري. فأغلب المؤسسات الفلسطينية ذات الطابع الوطني لا تحتكم في معاييرها الداخلية إلى سننًا محددة لبقاء المسؤول أو ذهابه، بمعنى طمس مفهوم التقاعد الوظيفي لديها، فيمكننا أن نرى أمينًا عامًا قد تجاوز الثمانين عامًا من عمره ويتخذ صفة المشروعية لأنه القادر بحسب منطقه على الحفاظ على النظام الداخلي الذي أرساه وكتبه ودوّنه منذ توليه زمام القيادة والمسؤولية في مطلع شبابه.

إن تحديد المعضلة ومحتوياتها بالتأكيد سيقود حتمًا إلى حدوث انفراجه كبرى في جدار المؤسسات. فمواصلة السير ضمن هذا السياق محكوم عليه بالفشل، ولهذا ليس مستغرب أن نرى مؤسسات وتنظيمات وقوى فلسطينية قد تكتب شهادة وفاتها برحيل مؤسسها.

إن التجارب المتعددة للقوى الفلسطينية على اختلاف مدارسها الفكرية تكاد لا تفترق عن بعضها البعض باستثناءات محددة وقليلة جدًا نجدها هنا أو هناك. فبعض القوى تتبنى المفهوم الديمقراطي شكلاً وفي المضمون يسكنها البعد العشائري؛ فتقاسم النفوذ والمحاصصة الحزبية وتولي المناصب والمسؤوليات عادة يخضع لتصورات مسبقة تحكمها الجهويات والصراعات المعلنة والمكتومة، وتقوم على ثنائية الداخل والخارج، وسرعان ما تنفصل ثنائية الداخل لتصل إلى ثنائية جديدة تحدث انقسام وتشظي خطير في الجسم السياسي الفلسطيني كما هو الحال الآن بين الضفة وغزة. أما ثنائية الخارج فتتصل بجغرافيا اللجوء والشتات وتخضع بجل نواحيها إلى طبيعة المجتمعات التقليدية التي يعيش فيها اللاجئ الفلسطيني منذ أكثر من سبعين عامًا. إن هذه الثنائيات الذهنية هي التي وضعت تلك المؤسسات أمام معضلات لا انفكاك منها ودون التخلي عن تلك الثنائيات، فإن فعل النهوض لجموع الشباب لن يتخذ طريقه الصحيح. فالأصل أن يقود مؤسسات العمل الوطني  فعل الكفاءة بغض النظر عن منبته الاجتماعي والجغرافي، وإن لم يحدث ذلك فإن الاعتقاد السائد يشير إلى حقيقة مغايرة تتجسد بفعل الولاء والتبعية الذي يتحكم بحركة تلك الأطر والمؤسسات الفلسطينية؛ الولاء بمعناه الأعمى وغياب المسؤولية والشفافية والمحاسبة والكفاءة، فالغالبية تتكاتف لتغطي بعضها البعض حتى لا تتم القراءة الصحيحة، وحتى يستمر مبدأ المحسوبية وينتفي مبدأ المحاسبة.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الشعب الفلسطيني بشبابه وشاباته يمتلك أعلى نسبة متعلمين ومثقفين على مستوى العالم، لكنها للأسف لا تتناسب مع واقعه الفعلي، لا من حيث المشاركة وصنع القرار في المؤسسات الوطنية، ولا من حيث الاستماع لصوته والاهتمام به. فقد قدم الشعب الفلسطيني الكثير من المبدعين والمبدعات الشباب والشابات والذين توزعوا في أنحاء المعمورة يمتشقون طاقاتهم الخلاقة والمميزة، حيث يطورون جهودهم بشكل فردي معتمدين على الذات ثابتين على مبادئهم أوفياء لقضيتهم الوطنية لا يسألون الناس إلحافًا. فهم الذين تجلوا بأبهى صور التضحية والفداء عبر محطات الصراع، وجسدوا دائمًا المادة المشتعلة لديمومة الثورة والكفاح، يتقدمون الصفوف في هذا الكفاح الأسطوري المستمر منذ قرن من الزمان؛ فجميعنا يعلم مدى حجم التضحيات الذي قدمها شباب وشابات الشعب الفلسطيني على مذبح الحرية.. فهم لا يستحقون الإقصاء والتهميش لا سيما من القيادة الفلسطينية، وأن يعترف الجميع بتميزهم، وألا يتم تجاهلهم حتى لا تطول نكبتنا.