Menu

نتنياهو وزوجته وفساد الحكم

محمد أبو شريفة

يفتخر كيان الاحتلال الصهيوني برواية المتزعم الأوحد للديمقراطية في الشرق الأوسط وأنه خير من يمثلها ولا يجاريه أحد بهذا الانجاز، ويزعم أنه التجسيد الحقيقي لأرض الميعاد التي طالما حلم بها يهود العالم، لكن من الواضح أن هذه المزاعم آخذة بالتلاشي خصوصًا بعد وصول بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم قبل عشر سنوات، حيث اعترت فترات ولايته الكثير من شبهات الفساد التي أدت إلى توجيه لائحة اتهام تشمل تلقي رشى والغش وخيانة الأمانة.

ولم تستثنِ أغلب الفضائح التي تسربت عن فساد رئيس الحكومة الإسرائيلية زوجته سارة وولده يائير، فهما حاضرين في كل مفاصل السياسة والاقتصاد والاجتماع الصهيوني، هذا الحضور لم يأتِ تحت عنوان قانوني، بل جاء ضمن سياق الانتماء العائلي وليس الانتماء إلى مؤسسة، وطالما كشفت وسائل الإعلام العبرية بين فينة وأخرى عن فضيحة جديدة على رأسها نتنياهو أو أحد أفراد عائلته.

وعرفت سارة بسطوتها ونفوذها على مفاصل ديوان رئاسة الوزراء وفرض رأيها على الموظفين والتأثير بمنح الترقيات أو إصدار العقوبات والتي تصل أحيانًا إلى الطرد بناء على مزاجها سيء الصيت، والذي دفعها وفقًا لصحيفة "جيروزاليم بوست"، إلى افتعال مشكلة وعراك مع طاقم الطائرة التي أقلتها وزوجها إلى أوكرانيا في صيف العام الماضي 2019، بسبب عدم ترحيب قائد الطائرة بها بشكل خاص.

وتتفق غالبية التقارير والدعاوى القضائية على عنجهيتها وسوء أخلاقها وسلوكها ومستوى لهجتها السيئة بالحديث، بالرغم من كونها أستاذة متخصصة في العلوم النفسية، بالإضافة إلى ذلك إدمانها على شرب الكحوليات وساديتها وتكبرها وتبذيرها وتورطها بتصرفات غير لائقة. ومما يثير استغراب المراقبين هو فضولها وتدخلها في قرارات زوجها، فهي من أقنعته بقرار إلغاء مؤسسة الرئاسة، وهي من أجبرت كيان الاحتلال على شراء طائرة لزوجها، حيث أبدت شخصيات حكومية صهيونية اندهاشها من قوة تأثير سارة على نتنياهو لمستوى أنه لا يسمح إطلاقًا بتوجيه الانتقاد إليها من قبل أحد.

وفي هذا الإطار كشفت القناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلي النقاب عن علاقات سارة المشبوهة مع كبار المسؤولين في كيان الاحتلال، ومع أثرياء مشهورين، وأضافت القناة أن زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي، استغلت نفوذها لمنع تعيين مسؤولين حكوميين كبار، بوزارة الخارجية، في حين أجبرت زوجها على منع مناقشة هذه التعيينات بإحدى جلسات الحكومة. وأيضًا أكدت التقارير الإسرائيلية عن إهدار سارة للمال العام وإخفاءها لمئات الهدايا التي حصل عليها زوجها خلال توليه منصب رئاسة الحكومة، في الولايتين الأخيرتين له، حيث لم تلتزم بنقل الهدايا لتسجيلها وتخزينها أصولًا لدى حكومة الاحتلال.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن سارة قد عاثت فسادًا بالمال العام واستغلال منصب زوجها وطاردتها الفضائح طوال السنوات الأربعة الماضية، حيث أجبرتها مؤخرًا على الإدلاء باعترافاتها أمام محكمة ابتدائية في القدس المحتلة، وقبلت بصفقة تسوية وقعت عليها مع الإدعاء العام، في لائحة اتهام تنص على إساءتها في إدارة منزل رئيس الوزراء بصرف نحو 100 ألف دولار من المال العام في وجبات طعام جاهزة من خارج المنزل لأسرتها وأصدقائها، وقضت المحكمة بتغريمها نحو 15 ألف دولار. وأكدت وزارة العدل الصهيونية في بيان، أن زوجة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أبرمت اتفاقًا مع المدعي العام لتخفيف عقوبتها التي وجهت لها في حزيران الماضي، وسيتم استبدال مجموعة من تهم الاحتيال وخيانة الأمانة إلى الاستفادة من خطأ ارتكبه شخص آخر وفقًا لبنود الاتفاق. وقبل إجراء هذه التسوية القضائية فقد منحت المحكمة في العام 2016، تعويضات بقيمة 47 ألف دولار لمدبرة منزل سابقة، اتهمت سارة وزوجها بسوء المعاملة.

المهم في هذه المسألة أن العائلة التي تدير المطبخ السياسي الصهيوني متورطة بفضائح فساد لا تنتهي، وأصبح يائير نتنياهو(28عامًا) يتدخل بأدق مفاصل الحياة السياسية في إسرائيل، والذي يبلورها ما يسمى بالمجلس الأمني المصغر "الكابينت". فقد بدأ تداول اسم يائير نتنياهو يبرز إعلاميًا في السنوات الثلاثة الأخيرة، ولم يحيد عن سياق الفساد الذي يطارد والديه، إلا أنه بدأ الظهور في الإعلام السياسي بفعل ذاتي. تارة يؤيد والده في مواقفه السياسية، وتارة أخرى يوجه له انتقادات لاذعة، واتسمت منشوراته على منصات التواصل الاجتماعي بالفجاجة والتطرف العنصري الأمر الذي يجبره لحذفها لاحقًا. ونشرت مصادر إعلامية عن مجريات حادثة وقعت داخل "الكابينت"، حيث صرح يائير أن والده "ثرثار وجبان ولا يستطيع اتخاذ قرار".

ومن فضائح نتنياهو الصغير التي تناقلتها فيديوهات مواقع التواصل طلبه من صديقه أوري، الابن الأكبر لإمبراطور الغاز الصهيوني كوبي ميمون، أن يقرضه مبلغًا من المال ليمنحه لفتاة تعري. ووفقًا لما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية، قال يائير في الاتصال الذي يعود للعام 2015: "يا صديقي، لقد ساعدكم والدي بالحصول على صفقة بقيمة 20 مليار دولار، وأنت ترفض أن تقرضني 400 شيكل؟"، وأوضح يائير أن الأمر كان مجرد "مزحة سخيفة"، جاءت تحت تأثير الكحول.

وتتهامس الأوساط السياسية والإعلامية العبرية فيما بينها حول احتمالية تهيئة يائير نتنياهو لخلافة والده وتسويقه سياسيا لدى أوساط سياسية أميركية وأوروبية وعالمية، حيث قام بجولة في الولايات المتحدة وشارك في أحد المؤتمرات وعرض فيه رؤيته السياسية من خلال خطاب مركزي أكد فيه بأنه "لا وجود فلسطيني في التاريخ". وضمن السياق كشفت المصادر النقاب عن مجموعة من الأثرياء أصدقاء والده يقومون على دعم نتنياهو الصغير وتعزيز العلاقة معه، ومن المتوقع أن يتم دعمه حتى يصل إلى واجهة حزب الليكود من أجل خلق قاعدة جماهيرية مؤيدة له تؤهله فيما بعد بتولي سدة الحكم بعد والده، لا سيما أن قوى المال لها تأثيرها وسطوتها على الأحزاب الكبيرة وأضحى "الليكود" رهينة لهذه القوى. وترجح بعض الأوساط أن يزج به في مضمار السياسة بشكل تدريجي، بحيث يبدأها بالترشح لعضوية الكنيست ومن ثم يصعد للأعلى.

في الواقع، إن حجم الفضائح التي صدرت من هذه العائلة الفاسدة يشير إلى أن كيان الاحتلال قد دخل طورًا جديدًا من أطوار الفساد، بحيث أصبح ظاهرة عامة ملتحمة بالنسيج الاجتماعي السياسي لهذا الكيان، وهذا يعني أن تخلص الاحتلال من هذه العائلة لا يعني التخلص بالضرورة من النظام الفاسد، الذي تبناه ورعاه بنيامين نتنياهو بمساعدة زوجته ونجله، فحجم اختلاط الأدوار وتداخلها بين هذه العائلة الفاسدة، يفرض علينا العديد من التساؤلات أبرزها من يحكم (إسرائيل)؟ هل يحكمها القانون؟! أم دستور وآليات الانتقال السلمي للسلطة والذي يمر عبر بوابة الانتخابات؟! أم أن نتنياهو وعائلته يمضيان قدمًا في تغيير المسرح السياسي وبناء مسرح جديد، بحيث أصبح هو وعائلته جزء من هذه المنظومة وربما التخلص منها بات من ضروب المستحيل؟َ!