Menu

"جميع السوريين في لبنان": دليلٌ فايسبوكيّ للتأقلم مع الغربة

أطفال نزحوا مع عائلاتهم من سوريا

رغد المخلوف

مليون وثلاثمائة ألف لاجئ سوري يقيمون اليوم في لبنان بحسب مفوضية اللاجئين، يضاف إليهم السوريون المقيمون وغير المسجلين في المفوضية. هؤلاء وجدوا أنفسهم فجأة خارج الوطن، في مجتمع غريب لا يعرفون عنه شيئاً رغم قربه. فتفاصيل الحياة اليومية هنا تختلف، بدءاً من المواصلات وليس انتهاء بقوانين الإقامة الخاصة بالسوريين. ليس بالأمر السهل أن يبدأ الإنسان حياته من جديد في بلد غريب، فكيف إذاً حين تكون تلك البداية محاطةً بظروف نفسية ومادية صعبة جداً.

هذه الغربة دفعت البعض لخلق مجتمعات بديلة يتواصلون من خلالها بحيث يقدم من سبق منهم تجربته لمن لحقه، فكان الفضاء الأزرق هو المكان الأسهل للتواصل. من هنا تشكلت لدى السورية ربا بلال فكرة إنشاء مجموعة على «فايسبوك» بعد وصولها إلى لبنان بشهرين. تقول: «حين وصلت إلى لبنان واجهتني مشاكل متعلقة بتفاصيل الحياة اليومية، ويوماً بعد يوم، ازدادت خبرتي بالتعاطي مع تلك المشاكل كالبحث عن منزل وتسجيل أولادي في المدارس والمواصلات المتوفرة وغيرها من الأمور اليومية. ففكرت بمساعدة أصدقائي الوافدين الجدد من سوريا وتقديم خبرتي البسيطة لهم، وذلك من خلال إنشاء مجموعة على الفايسبوك بعنوان «جميع السوريين في لبنان All Syrians in Lebanon».

تدريجياً بدأت المجموعة تنتشر بين السوريين هنا، فلمعارف ربا معارفٌ أيضاً، إلى أن قررت فتح الصفحة لكل السوريين واستمرت هي بإدارتها. فوضعت قوانين صارمة فرضتها على كل الأعضاء وأولهم الأصدقاء. «بعض الأصدقاء عرضوا علي أن تكون للمجموعة سمة معارضة، إلا أني رفضت بشدة إذ لم يكن هذا هو الهدف من إنشاء المجموعة، وقررت أن تكون لكل السوريين بعيداً عن أية تصنيفات».

لم تكن إدارة المجموعة وضبطها بالأمر السهل مع ازدياد عدد الأعضاء (يبلغون حالياً أكثر من 7 آلاف عضو)، والتأكد من هويّة كل مشترك قبل قبوله، ومنع النقاشات السياسية والإعلانات التجارية والأخبار. كما وضعت الصفحة قوانين صارمة بأمور التهريب والتزوير، فكلّ منشور من هذا النوع يُحذف وتُلغى عضوية ناشره.

تنتشر مثل هذه المجموعات حالياً على «فايسبوك» بحيث أصبحنا نجد لكلّ بلد أو ربما مدينة مجموعة خاصة بالسوريين المقيمين فيها. لكنّ «جميع السوريين في لبنان» تتميّز عن غيرها بكونها «من بين المجموعات الأكثر فاعلية بسبب حساسية وضع اللاجئ السوري في لبنان وغموض القوانين المتعلقة به وتغيرها بسرعة مذهلة»، بحسب ربا بلال. تضيف: «فرضنا قوانين صارمة على كل من يرغب بالمشاركة في المجموعة. كان الأمر صعباً في البداية، إلا أننا اليوم استطعنا الوصول بالمجموعة إلى هدفها الأول والأخير وهو تقديم العون لجميع السوريين».

سؤال يشغل بال ربا دوماً ألا وهو كيف تستطيع إيصال كل منشور على المجموعة لأكبر عدد من الأعضاء. فسياسة «فايسبوك» لا تسمح بوصولها إلا لثلاثين في المئة من المشتركين. تقول: «إيصال المنشور لأكــبر عدد من الأعضاء بحــاجة لتمويل وقد عُرِضَ عــليّ تمــويل من إحدى المنظمات، إلا أنَّي رفضت وفضّلت الحفاظ على بساطة المجموعة واستقلاليتها وشفافيتها، فضّلت أن يبقى اعتمادها الأول والأخير على المشتركين فيها».

تلعب المجموعة اليوم دوراً مهمّاً كصلة وصل بين السوريين، وبين منظَّمات الإغاثة في لبنان فيتمّ عبرها توجيه الكثير من النداءات. «وفرنا عن طريق هذه المجموعة أماكن سكن لعائلات سورية فقدت معيلها، أطلقنا عليها حملات لجمع الملابس للاجئين السوريين في لبنان، نشرنا نداءات للتبرع بالدم لمرضى سوريين محتاجين، وقد لبى الكثير من الأعضاء هذه النداءات، حتى أننا أمّنا عن طريقها دعماً مادياً لطالب سوري ليكمل تعليمه الجامعي».

ثقة كبيرة اكتسبتها المجموعة مع الوقت، نبع ذلك من مصداقية مؤسستها ومديرتها ربا بلال التي تتعامل بحذر مع المعلومة، فلا تنشرها قبل التأكّد من صحتها. وشكّلت بلال فريق عمل من المتطوِّعين الشباب للعمل على جمع المعلومات، وإنشاء قاعدة بيانات خاصة بالصفحة. تقول: «استطعت بمساعدة فريق من المتطوِّعين تصنيف المعلومات ضمن قوائم، فأصبح لدينا مثلاً قائمة بأسماء الأطباء السوريين الذين يتقاضون مبلغا رمزيا على المعاينة، قائمة بأسماء أعضاء المجموعة الحرفيين وضعناها ضمن منشور لمساعدتهم على إيجاد فرص عمل، قائمة بأسماء المستشفيات التي تستقبل اللاجئين السوريين وغيرها».

ولعلّ أكثر المواضيع إشكاليةً والتي تُطرح اليوم على المجموعة بكثرة هو موضوع الإقامات في لبنان، ما دفع ربا بلال للتفكير بإطلاق مبادرة تحاول جمع المعلومات والشروط والخطوات اللازمة ليحصل السوري على إقامة في لبنان. «القوانين المتعلِّقة بالسوريين في لبنان غامضة، فبين القرار الصادر وبين التنفيذ العمليّ اختلافات شديدة، حتى المعلومة التي يقدمها الأمن العام عن طريق الاتصال الهاتفي تختلف تماماً عن المطلوب حين يذهب السوري شخصياً إلى الأمن العام، مما يزيد من حدة التوتر وقد تحدث مشاحنات بين الطرفين. الأمن العام اللبناني اليوم تحت الضغط والسوريون أيضاً تحت الضغط، ففكرت بتخفيف حدَّة التوتر بين الطرفين من خلال تقديم معلومات للسوريين عمَّا يستطيعون إنجازه قبل الذهاب إلى الأمن العام، وبذلك نقلل من الاحتكاك المباشر بين الطرفين. ما زلنا في طور العمل على الفكرة فالعمل التطوعي بحاجة إلى وقت، هدفنا من المبادرة تحديث قاعدة البيانات الموجودة في المجموعة بشكل دائم، ومن ثم طبعها على شكل منشورات، وتوزيعها على المخيمات السورية في لبنان».

بات الكثير من السوريين المقيمين في لبنان، يعرفون صفحة «جميع السوريين في لبنان». يتواصل أعضاؤها وكأنهم يعرفون بعضهم البعض على أرض الواقع. مجتمع «فايسبوكي» صغير جمع السوريين في غربتهم ومحنتهم، فتراهم وبمجرد أن يضع أحدهم منشوراً على المجموعة يندفع الآخرون ليبذلوا ما بوسعهم في سبيل مساعدته. مجتمع صغير جداً مستقل وشفاف يحاول صنع شيء من أبسط الإمكانيات، ويتطور ببطء شديد تاركاً أثراً يبدو للوهلة الأولى بسيطاً، إلا أنّه حتماً كأثر الفراشة.

المصدر: السفير