Menu

الطريق الصعب وكبرياء الوطن "عدنا لنقاوم لا لنساوم"

أحمد سعدات

الكتابة عن رفيق سلاح، ورفيق درب، درب ليست ككل الدروب، كالقائد الشهيد أبو على مصطفى ،هي مسألة بحجم القضية التي استشهد من أجلها، بل ومن اجلها ولد وعاش بين دروبها وأهوالها، مسألة تختزل أكثر من نصف قرن من العطاء ،نصف قرن وما يزيد، من الكبرياء الفلسطيني، من تاريخ شعب رفض ويرفض الانصياع لأرباب غزاة الأرض والإنسانية. فكل كتابة تنبض بالحقيقة، لن توفيه حقه ، أو تستقيم كإستقامته،امتزجت حياته الشخصية في حياته العامة، شخصية ولدت وترعرت واشتد ساعدها في معمان النضال العادل لقضية شعب ، فقد ارتبط اسم الشهيد القائد أبو على مصطفى بأربعة مراحل رئيسية من تاريخ المقاومة الوطنية الفلسطينية المعاصرة .
المرحلة الأولى: مرحلة البناء التنظيمي و الإعداد العسكري:
وقد غلب عليها الطابع السري، والتي بدأت عام 1955، أي بعد 17 عاماً من ولادته، بانتسابه لحركة القومين العرب، خضع خلالها للتدريب العسكري،حيث حصل على دورة قادة فدائيين سرية في مصر عام 1963، وبعد تخرجه عاد إلى ارض الوطن ليتولى مهمة تشكيل وتنظيم مجموعات فدائيين، والإشراف على نقل وتخزين الأسلحة،ليصبح عضوا في قيادة العمل الخاص لإقليم الحركة الفلسطيني. وقد اظهر خلال هذه لمرحلة قدرة تنظيمية عالية.

المرحلة الثانية: تسلم مهمة نائب الأمين العام عام 1972.
وتميزت هذه المرحلة وطنياً بالإعلان عن بدء الكفاح المسلح وتنامي اشكال الظاهرة العلنية مع أواخر الستينات حتى أواسط الثمانينات، «مرحلة ذروة الكفاح المسلح الفلسطيني»، فقد شهدت هذه المرحلة نمو مضطردا في القوة العسكرية للمقاومة الفلسطينية خارج الوطن المحتل، حيث اشرف الشهيد القائد على بناء الجهاز المقاتل داخل الوطن وخارجه. وقد شكل قيادة الطوارئ التي قادت العمل العسكري للجبهة في منطقتي الجبل والبقاع اللبناني  أثناء لاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982.
 المرحلة الثالثة: مرحلة البحث عن كيفية إعادة اللحمة للصف الوطني وللوحدة الوطنية، على أسس وطنية شاملة:
في هذا السياق لعب الشهيد القائد دوراً محورياً في الوصول لهذا الهدف السامي من خلال دوره في التوصل لاتفاق عدن- الجزائر مع حركة فتح، وعمل على تعزيز وتطوير القواسم المشتركة بين الفصائل الفلسطينية المسلحة. لا نغالي أبداً عندما نؤكد على أن التمسك بنهج الحوار الوطني بين كافة الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية، هو أحد ثمار التفكير الاستراتيجي الذي تميز به الشهيد أبو على مصطفى وفي القلب من ذلك التفكير الوحدوي بقي الشهيد  على قناعة تامة بأهمية الوحدة الوطنية على أساس سياسي واضح وعدم اللجوء للسلاح في معالجة التناقضات الداخلية.
المرحلة الرابعة: مرحلة العودة إلى الوطن عام 1999 بقرار من اللجنة المركزية العامة للجبهة :
رافعاً شعار «عدنا لنقاوم لا لنساوم» حاملاً رسالته الحضارية التي تجاوز بها موازين القوى القائمة، وحدود الواقع المرسوم على وقع سياسة الاقتلاع والفصل العنصري، عاد إلى الوطن الذي حلم بالرجوع إليه وساهم مساهمة رئيسية وفاعلة في قيادة وتنسيق النشاطات اليومية للعمل الوطني خلال الانتفاضة المجيدة، وكان له مساهمات فكرية استنبطتها التجربة الحزبية وصقلتها الوحدة الوطنية الميدانية، بكل أبعادها، مدركا لأهمية الربط بين الفكر والسياسة،بين الخاص والعام، بين العمل التنظيمي كأحد مهام الحزب في المجالات المختلفة، مدرك تماماً أنه لا انفصام بين المستويين الوطني والحزبي،  وضرورة إخضاع المسائل الحزبية والتنظيمية للاستراتيجية الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
إن أكثر المواقف والبرامج موضوعية قد تفقد جدواها وقيمتها إذا لم تحملها قوى تستطيع استثمار إمكانياتها المتاحة خير استثمار، دون مبالغة أو تقصير، وفي حالتنا هذه، عمل الشهيد على نقل وتفعيل حالة الوعي السياسي والوطني إلى ميدان الممارسة، إلى الشارع عبر سلسلة متواصلة من الفعاليات النضالية والجماهيرية المتكاملة، وبديناميكية عالية خاضعة للتطوير عبر تراكم نضالي متواصل، وأن يلعب الحزب دوراً تفجيرياً متزايداً يعطي للجماهير عمقها الثوري لتشكل الفصل والحكم في مواجهة أي استحقاقات تتطلبها هذه المرحلة أو تلك... فالحزب كان بالنسبة لشهيدنا القائد كل شيء – المنطلق والوسيلة وليس غاية في حد ذاته – الذي من خلاله نسعى لتحقيق أهدافنا، لقد أولى عملية إعادة البناء الحزبي من جوانب مختلفة الأولوية في نشاطه اليومي، دون أن يتعارض ذلك مع استمرار قدرته على قيادة وتنسيق النشاطات الوطنية والحزبية بين الخارج والداخل، بين الضفة والقطاع، والمناطق المحتلة عام 1948، هادفاً إلى تضييق الفجوة – المسافة – بين الحيز والمكان  مؤمناً بأن الهدف الرئيسي لكافة النشاطات الكفاحية والاجتماعية والدعاوية في أوساط الجماهير هو تعيينها وتنظيمها، لرفع مستوى مشاركتها في الثورة.
نعم، ليس من قبيل الصدفة أن يضع قادة العدو الصهيوني وأركان حربه الشهيد على رأس قائمة الاغتيالات، وهم يدركون أنهم يتجاوزن ما يسمى «الخطوط الحمراء». تلك الخطوط التي لم يلتفت لها الرفيق القائد عندما حوّل الحلم إلى حقيقة حاملاً راية العودة، كان بحجم الوطن،وطن سطر بدمه الطاهر فصول ملحمته، ملحمة الغربة والعودة.
 في السابع والعشرين من آب 2001 أقدمت يد الغدر والخيانة على اغتيال رمزاً من رموز مسيرة شعبنا الوطنية، وركناً أصيلاً من أركان ثورته المعاصرة، لَعِبَ في حياته كما في استشهاده دوراً رئيسياً ومميزاً، ترك بصمات عميقة في صفحات هذه المسيرة عبر قيادته للفصيل الثاني في م.ت.ف.
 كما أسلفت فان الكتابة عن الشهيد القائد مصطفى على الزبري، ليست مسألة تدوين أحداث من هنا ومن هناك ، أو عرض لهموم ذاكرة إنسانية جاورت وحاورت ساعات أو أيام أو سنوات من مسيرته، إنها تاريخ قضية . ومع ذلك لعلني في هذه السطور المرتبطة بما يحويه هذا الكتاب أكون قد وفقت في إلقاء الضوء على مراحل رئيسية من حياة الشهيد الخالد في الوطن قبل آن يكون خالد فينا .

من سجن أوهالي كيدار فلسطين
نشر في كتاب "رجل في عين العاصفة